طلل عصري: في رثاء المكان…

Chemaia

سمعت الخبر وانا اجلس بمقهى الوردة الحمراء: سقوط الحاج جيفارا بإحدى حفر شارع المسيرة الخضراء….هنا أمران لابد من الوقوف عندهما أولا و قبل أي شيء أخر: أولهما اسم المقهى، وثانيهما اسم الحاج…

*مقهى الوردة الحمراء: هي إحدى المقاهي العصرية بالبلدة، هذا النوع الذي لم يتجاوز العشرة الى حدود ثمانينيات القرن العشرين…وقد ارتبطت باسم الحاج جيفارا….رغم ان ابنه عمر المهدي هو مالكها الحقيقي وهو صاحب المشروع ومموله…المهدي عمر (يحلو للحاج جيفارة التلاعب بترتيب الاسمين) هو البكر …يعمل بالمهجر الأوربي…بلجيكا بالضبط…اسم له نكهة خاصة عند الحاج…يذكره بالنضال وزمن البطولة…حين ولد عمر المهدي، وذهب الحاج لتسجيله بمكتب الحالة المدنية، اضطر للقيام بمعركة ضد السلطات التي رفضت الاسم….وهو الأمر الذي وقع أيضا حين أراد الحاج تسجيل اسم لمقهاه…رفضوا كلمة الحمراء ووافقوا له على اسم (مقهى الوردة) فقط…لكنه انتفض وقرر كتابة الاسم كاملا(مقهى الوردة الحمراء) متحديا السلطات المحلية ورافعا دعوى قضائية ضدها بدعم من جمعيات مدنية… حقوقية خصوصا..قالوا له (لا داعي لهذه الرموز اليسارية). فقال لهم (سأضع في المقهى صور غيفارا ولينين وعمر والمهدي و…)…ومن هنا سمي بالحاج جيفارا…كان رائدا في إعداد المكان..فبعد ان كان مجرد “كراج” يخلو من أية جمالية أصبح مقهى عصريا بالزليج والكراسي الوتيرة والطاولات الأنيقة وماكينات عصرية لإعداد القهوة والتلفاز الملون…جعل الحاج جيفارة مقهاه فضاء عصريا غير مسبوق ببلدة الشماعية…وجعل داخلها مكتبة صغيرة تحتوي عشرات الكتب والمجلات…وحرمها على لاعبي الورق ومدخني المخدرات…وجعل اللون الأحمر سيد المكان: الستائر حمراء…الطاولات والمقاعد حمراء…وذلك نكاية في كارهي الرموز اليسارية…

*الحاج جيفارا: رجل يساري اشتغل بالتعليم، نهاية سنوات الستينيات، إلى أن حصل على التقاعد…تعرض للاعتقال خمس مرات ….أصبح أكثر تدينا في السنوات الأخيرة رغم ماضيه اليساري الذي لم يتنكر له أبدا…حج مرة واحدة… وهذا سمح له بالجمع بين صفة التدين: الحاج، وصفة النضال: جيفارا، في عيون سكان البلدة…

ولنعد الآن إلى حادثة سقوط الحاج جيفارة بحفرة البلدية، فبعد عودته من المستشفى الإقليمي زارته وفود كثيرة من الأصدقاء ورواد مقهى الوردة الحمراء…ومعظمهم نشطاء بجمعيات ثقافية وحقوقية ….والحاج جيفارا حبيبهم جميعا لأنه يضع المقهى رهن إشارتهم ويدعم أنشطتهم نكاية في السلطات المنزعجة دوما من هذا المقهى…

اتفق الجميع في النهاية على رفع دعوى قضائية ضد المجلس البلدي من طرف الحاج جيفارا، بسبب مسؤولية هذا المجلس على الحفرة التي كادت تودي بحياة هذا المناضل…ووقعت عرائض متعددة لدعمه….وكانت سابقة في البلدة والإقليم شجعت آخرين على رفع دعاوى أخرى لإحراج البلدية ودفعها لإصلاح طرقات وشوارع البلدة والعناية بمرافقها الضرورية للسكان…

بعد سنتين حكمت المحكمة لفائدة الحاج جيفارا فتبرع بالمبلغ (وكان محترما) لفائدة أيتام البلدة …..وتكلفت الجمعيات بتوزيع الدعم على من يستحقه….رحم الله الحاج إبراهيم المغرابي الملقب بالحاج جيفارا… الذي مازالت صوره مثبتة على جدران مقرات جمعيات البلدة …رغم ان المقهى فقد اسمه القديم والكثير من بريقه….ثم أغلق أبوابه في عدة مناسبات ….وتلك حكاية أخرى….

 

المؤلف:

عبدالجليل لعميري ،مغربي من مواليد 1962، مدرس اللغة العربية بالتعليم الثانوي التاهيلي، حاصل على الاجازة في الادب العربي من جامعة القاضي عياض بمراكش، وشهادة استكمال الدروس من جامعة محمد الخامس بالرباط، وشهادة الاهلية التربوية من المدرسة العليا للاساتذة بمراكش، ناشط بالعمل الجمعوي، باحث في المجال التربوي والادبي ،اكتب القصة القصيرة، نشرت بجرائد مغربية وعربية، ومجلات عربية، ومواقع الكترونية.

اختر مغامرتك

ذكرت يوميات الدراجة النارية كيف أنّ تشي في إحدى الأيام فكّر

أ) أن يصبح قديسا.

ب) أن يفتح مقهى ليلي ليتحدى المحافظين.