دهب‎

Dahab, Sinai Peninsula, Egypt

اتجهت دهب للمدينة التي حصلت على اسمها منها , أطلق عليها والدها اسم مدينته المفضلة التي كان يهرب دائما اليها
اعتادت و هي صغيرة أن تنتظر عودته المفاجئة من هناك حاملا اليها هدية ما , عقد مصنع من قواقع البحر , صخرة نحت عليها وجهها , فستان طرزتة بدوية بخيوط ملونة
كما اعتادت عودته المفاجئة , اعتادت أيضا رحيله المفاجئ , الى أن رحل يوما و غاب للأبد
دهب.. ما سر هذه المدينة التي رحل اليها والدها و أطلق عليها اسمها
تخبرها والدتها أنه يذهب هناك لأنه يحتاج الى أن يبقى وحيدا لهذا لم يزرنه هناك أبدا و لهذا شعرت دائما و كأنها مدينة بعيدة
حتى بعد أن كبرت و حكى لها أصدقائها عن رحلاتهم الى شرم الشيخ القريبة جدا من دهب , بل أن بعضهم أخبرها أنها مدينة صغيرة لا يوجد بها شئ يستحق الهروب اليه
لم يحطم من سحر المدينة سوى كلام والدتها الذي كانت تنفجر به غاضبة اذا سالتها عنه , في كل مرة تنفجر بقصة أكثر ايلاما , والدك المجنون مات تائها في جبل ما او ربما مات غريقا و دعمت دائما حكاياتها بمعلومات أن والدها كان مريضا في عقله و كان يعتقد انه متعدد المهارات لكنه في الحقيقة لا يجيد أي شئ
في البداية كان كلام والدتها يغضبها بشدة خاصة و انها في بعض الروايات أخبرتها أنه تزوج هناك من عرباوية و أنجب منها الكثير من البنات غيرها
و لكن بعد ان طال غيابه لدرجة يستحيل فيها عودته بدأت تصدق روايات والدتها , كانت تتفقد الهدايا التي أعطاها اياها و ترى كم هي غير محكمة الصنع و تصدق انه لم يكن مميزا كما كانت تفكر فيه دائما
تتأمل وجه الفتاة الصغيرة الذي نحته على الصخرة و تفكر هل هذه هي فعلا أم انها واحدة من بناته الجديدات
كانت تستطيع هي أن ترسم الوجوه ببراعة شديدة و اعتادت ان ترسم وجهه من الذاكرة في كراساتها حتى فشلت يوما بشكل مفاجئ أن تستعيد ملامح وجهه , هلعت بالطبع فكان وجهه من اكثر الوجوه التي رسمتها في حياتها
أعتقدت في البداية أن الأمر متعلق به وحده ,حتى بدأت تقابل أصدقاء لها من المدرسة و الجامعة صدفة من وقت لاخر و لم تكن تتعرف عليهن على الاطلاق
عندما أخبرت والدتها غضبت بشدة , أخبرتها ان لا تكرر هذه الشكوى و أنهارت باكية أن ابنتها كأبيها لا يمكنها أن تحيا حياة طبيعية
أخبرهم الطبيب أنه لا يوجد سبب طبي لحالتها رغم وجود الحالة طبيا الا ان نتائجها هي لا تشير لسبب طبي
نصحها بأن تمرن ذاكرتها و تربط الأشخاص بالأماكن , تضع كل وجه في بيئة تذكرها
كانت تعلم أنه لا يوجد سوى حل واحد لتربط وجه والدها بمكان , أن تذهب الى هناك الى دهب فلربما تستطيع أن ترى وجهه منحوتا في صخور جبل ما , أو مرسوم في لوحة من شعب مرجانية ملونة
ربما يقودها سرب من الأسماك اليه في عمق من المياة لا تستطيع الوصول اليه بدون مساعدتهم أو يحملها جمل على ظهره في رحلة طويلة قد تقابل فيها ابناء له يشبهونه
حزمت حقائبها و اتجهت للمكان الذي ناداها دائما عازمة ان لا تعود مهما نادتها وجوه كثيرة هنا الا و هي حاملة وجهه معها.

تمت

 

بقلم المؤلفة ريم محمود شريف حسن محمد