شرفتها وشرفته

(1)

شرفتها تبعد بضعة أمتار عن شرفته، في فصل الشتاء تقدح الشمس بين جنباتها، تمدها بالدفء والحنان، شرفته التي تقابل شرفتها تسرى داخلها البرودة، تصيبه بالقشعريرة والعجز، تصطك أسنانه، تفشل ملابسه للحفاظ على تواجده بشرفته، يولى دبره هاربا، يخفق في تحقيق لحظة التلاقي التي ينشدها .تدور الشمس متعاقبة فتنقلب الأمور رأسا على عقب، هو يصبح بين أحضان شمس شرفته، هي بين لسعة برودة شرفتها، تهاجمها بضراوة، تهرب داخل حجرة نومها الخاصة، ترافق مدفأتها لتعيد إليها تماسكها وتوازنها ولكنها لا تشعر بالراحة بين أحضانها، تود أن تبوح له ويبوح لها. كان قد تسلل داخل شقته ببيته القديم المتهالك، صدمته جدرانه المتشققة، العنكبوت استقر في أرجائها، يخرج متمردا على شقته، يهرب منها، يكرر محاولاته دائما.

(2)

في فصل الصيف قصد شرفته بعد صلاة الفجر، أخذ يتطلع إلى رؤيتها، لم تكن موجودة بشرفتها وإن كان يشعر بأنفاسها، ليس في إمكانه البوح لها. أخذ يستمتع بهواء طازج قبل أن تشرق الشمس وتصب غضبها فوق رأسه أو يهاجمه الباعة المتجولون بصراخهم، هو يدرك تماما أنها نائمة في تلك اللحظات، ربما يستطيع أن يتخيل حجرة نومها الآن ويراها بخياله وهى تغط في سباتها، بعد بضعة ساعات ستتحول الشرفتان إلى جحيم لا يطاق، طبعا ستهرول إلى جهاز التكييف مستأنسة به، هو يستطيع استخدام مروحته القديمة، صوتها الأجش يفرقع في أرجاء البيت، دائما تفشل في جلب الهواء إليه أو تبعد عنه هجوم جيوش الذباب عليه، تعود على الدخول معه في معارك غير متكافئة، لم تنته تلك المعارك الطاحنة إلا بقدوم فصل الربيع

(3)

الأشجار القريبة من شرفتهما عادت إليها الحياة من جديد، إحساس بالراحة يخالجه. كان النهار يفتح عينيه على مصراعيهما، هالة من الضوء المقدسة تزفها وهى متجهة نحو شرفتها، لأول مرة يكتشف أن بشرتها خمرية، شعرها أسود فاحم، عيناها النيليتان تشع ثقة واطمئنان، اكتشف مؤخرا أن أشياء كثيرة كانت غائبة أو غامضة عنه، هي الأخرى اكتشفت أن هناك أواصر قديمة وثيقة تربطها به، نسمات طرية حنونة تهب عليهما، المسافة بين شرفته وشرفتها أخذت تتضاءل وتنكمش في عيونهما، يصافحان بعضهما البعض بيدين واثقتين، التحمت الشرفتان معا، انفرجت الشفاه بهمسات وضاءة، فاضت ببوح عظيم، باركتهما ابتسامات مضيئة. نسمات الربيع الحنونة تؤازرهم، تتقافز حولهم.

 

بقلم المؤلف علي علي علي عوض

اختر مغامرتك

تحكي القصة ما يلي: صبي يلتقي بفتاة، الصبي يقع في حب الفتاة، لكنّ الفتاة:

أ) عاهرة.

ب) مدينة.