أريدك في الأرض …قبل السماء….

Entrance to the walled city, Oujda, Morocco

كل الحكاية.. بدأت حينما عزمت ليلى على تعلم الكتابة و القراءة … ليلى تجاوزت الأربعين بسنين قليلة، لازال زوجها مجنونا بها، يمطرها بكلمات العشق ، يستبد به جمالها ويأسره جسد لم يتأثر بعسر و جهد الإنجاب المتكرر ثلاث مرات. كانت ليلى تعيش كل السعادة مع المجنون …فجأة تغيرت أشياء كثيرة ، فقدت إحساسها بالحياة .. أصبحت تستعجل الموت .. تهرب من دفء العلاقة الحميمية ، تتقرب أكثر من الله و تبتعد عن زوجها أكثر فأكثر كلما عادت من مركز محو الأمية .

كان المركز يستقطب نساء من مختلف الأعمار،كن يتعلمن به كتابة و قراءة الحروف و من باب الصدقة الجارية كن يتلقين دروس وعظ و إرشاد ، قالت لهن المرشدة في درسها الأسبوعي :” أتعرفن أن للمرأة تاريخ صلاحية …. ؟!.. يستهلكه الزوج بنهم .. عندما ينتهي ذلك التاريخ.. ينتهي كل شيء بالنسبة لها ….” ضج القسم بضحكات وتصادمت في الفضاء علامات استفهام و تعجب،فأضافت:” بعد تجاوز المرأة سن الأربعين ، ينتهي تاريخ صلاحيتها … تدخل سن اليأس فيصبح حرثها مجرد عبث.. عليها إذن أن تبتعد رويدا رويدا عن زوجها و تتقرب من الله فتكثر من الصوم و الصلاة و التسبيح ..”

كان وقع كلام المرشدة مفزعا على ليلى… سقطت في صراع نفسي مرهق تزيد حدته كلما أسمعها مجنونها كلمات العشق … كانت تردد أحيانا بصوت مرتفع :” تاريخ صلاحيتي انتهى …زوجي يشتهيني كل يوم أكثر .. ماذا يحدث لي يا إلاهي… ؟ ” عاشت ليلى رحلة شك متعبة ، تاهت بين جاذبية لذة الجسد وجاذبية تحقيق اليقين و الاستجابة لنداء الله .

انتصر في داخلها اليقين على الشك فقررت أن تصبح امرأة دائمة الصلاحية كما أوصت بذلك المرشدة :” …مدة صلاحية المرأة في الأرض هي الأربعين أما في السماء فمدة صلاحيتها أبدية لا تنتهي …عليكن أن تحرصن الآن لكسب السماء بعد أن فقدتن الأرض..”

لم يستسغ الزوج حالة الهجر، ضل في بحر تساؤلاته القاسية ،المتعبة :” ألم تعد ليلى تدرك أنني المجنون بحبها.. ؟؟؟.” قرر أن يكون حاسما و مباشرا فسألها:” لماذا تغيرت نحوي .. ؟أين الدفء.. ؟ أين العناق و الحنان … ؟ أين كلمات الحب التي كانت تنعش قلبي ..و تضيء حياتنا.. ؟؟” أجابته بنبرة فيها الكثير من اليقين و الجدية :” انس كل ذلك… ! ! علينا أن نفكر نحن الاثنين في الآخرة…لقد انتهى تاريخ صلاحيتي… لم اعد صالحة للاستهلاك …سأفتح قلبي لله فقط أحبه و أعظمه و أسبح باسمه.. ! !”

أمسكها برفق من يدها و قادها نحو غرفة النوم ، هناك على السرير استلقى بجانبها يداعب شعــــــــرها و يقبل شفتيها … قال لها : ” تبا لمن جعل منك مادة منتهية الصلاحية …. ! ! أنا أحبك ….أحبـــــــك ….و أعشقك… أريدك في الأرض ….قبل السماء….” أشرق وجهها بابتسامة أضاءت الغرفة ،وضعت على شفتيه قبلة ارتياح و نامت في دفء حضنه و منذ ذلك اليوم نسيت أن تذهب إلى مركز الفضيلة لمحو الأمية….

 

بقلم المؤلف عبد المجيد طعام