عذراء نيبور

وصل إلى المرحلة النهائية للمسابقة الأدبية “ألفا ليلة وصحوة”

نعم بدأ الشك ّ يذبح خاطري يقبع بين فخذي مروءتي ، لم تعد نهود حكاياتي متلهفة للبوح عن بروز نتوءات كلماتي ، ما عاد إلّا الصمت ينصت لفكّي الليل ، وهو يطبق آخر تراتيله على وجعي .

سأتقيأ نفسي ذات يوم من يدري ، ربما العالم ، يدري ! نعم تحققت ُ من الأمر ، جميعهم يدرون ؛ لأن الكلاب ما عادت تحرس وحشتي ، لم اسمع نباح الأمنيات ، ولم أعِ طرقا تقصي حقائق شهوتي .

اسرار الليل ما عادت شفرة أثيمة ، عرفتها النجوم ، وصرّح بها ديك البدو المتنبئ لأقدام المارة كل فجر ..

انا خائفة ، كما الفجر حين ينطوي بين قدميّ النهار الأليم ، أحاول كل ليلة أن أفتح شبابيك غرفتي لأرى الكون .. لكنني لم ار َ إلا الظلام ، يتقوّس ظَهْر الليل وجسدي عاطل عن النوم .

كل ُّ شيءٍ صعب في عالمنا، قد لا تسع الفكرة لأنْ نستلقي عراة في باحة الحمّام النسائي ، كثرة النساء القادمات إلى الحمّام يقلل من الضغط النفسي لكهولة عصرنا الذكوري المتسلط على أنوثتنا .

ما يميّز الحمّام بخار الماء المتصاعد إلى قبته العالية ، يبدأ المشهد بنساء نيبور وينتهي بألف ليلة وليلة .
كنت ُ ارقب النسوة ، وأنا أشاهد اجسادهن تتراقص تحت بخار الماء .

اما انا كنتُ عارية ايضا ، طفلة لم تبرز ملامح انوثتها بعد ، لكنني كنتُ احسب ان الدور قادم لي في يوم ٍ ما ؛ ليصبح جسمي مترهلا ربما ، أمرغ جسدي العاري برغوة الصابون ؛ لأزيل ذنوب أوساخي ، على الرغم من انني لم اترهل بعد من أدران المجتمع .

النساء في الحمّام ، كنّ غريبات الطبع ، وهنّ يحاولن الغرور بأجسادهن المترهلة ، وانا اتأمل واحدة تلو الأخرى ، اجدهن يرقبنني بنظرات حادة ، فأعود إلى تلمس جسدي ، فلماذا هذا الحياء بغضب من فتاة لم تُرتسم ملامحها بعد .

اترك امي غفلة ، وهي غارقة برغوة الصابون ، أذهب لتناول كوبا من الدارسين ، وأعود ، لأجدها غاضبة :

اين كنت ِ

عبّرت ُ لها بوجهي ان الحمّام خال من الرجال ، فلِما المراقبة ؟

صمتت ْ هي الأخرى بعدما تكابرت على انها لم تفعل إلّا الصحيح ، لمراقبتي .

أعود اجلس كطفلة وديعة ، أتمعن بأدوات الحمّام الأثري ، فجدّتي كثيرا ما كانت تحدثنا عن نساء نيبور ، وانا اتخيلهن وهنّ يغسلن بحمّاماتهن المختلطة .

لم أتقبل الأمر عندما تخيلت ُ إننا الآن نمارس طقوس الاستحمام مع الرجال ، عراة يتمعنون لنا ، ونتمعن لهم ، قد يكون الأمر بشعا عندما تتخيل المنظر ، رجالا عراة ، وهم يغسلون أمام النساء ، وكذلك تفعل النساء العاريات ، وهنّ يغسلن أمام الرجال .

لا أعرف ماذا سيكون المشهد لحظتها ، ستأتي المرأة مع زوجها ، ليكونا عاريين ، من دون سوء .

مشهد حضاري أو متخلف ، كلٌّ سيحسبه على شاكلتهِ ، انا ممتعضة جدا لِما يحصل ، الذكورية متسلطة .

لا فرق ، الفرق الوحيد بيننا اننا عراة .

الآن في الحمّام النسائي ، يسخر منا الرجال ، عند دخولنا إليه ، أو الخروج منه ؛ لذلك نغطي وجوهنا للتستر من سخرية المؤمنين ، المنتظرين الصلاة على وقتها !

 

المؤلف:

أثير الهاشمي كاتب عراقي ، تولد العراق 1981 . ماجستير في الأدب الحديث ونقده ،

  • عضو الأتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق
  • عضو فخري في دار نعمان للثقافة / بيروت
  • شاركت في عدد من المهرجانات الشعرية والنقدية والمسرحية
  • نشرت عددا من القصص والنصوص المسرحية والدراسات النقدية والقصائد في الصحف والمجلات
  • حاصل على عدة جوائز محلية ودولية . صدر لي تسعة كتب في القصة والرواية والنقد .