وطن أصبح بعيد

Alexandria, Egypt

كل خطوة كنت أخطوها بعيدا عن الوطن،كنت أخطوها من أجل رفعة اسمه عاليا،عندما حصلت على منحة دراسة في فرنسا،السعادة كانت تملأ قلبي،لقد جاءتني الفرصة لرؤية العالم،لقد جاءتني الفرصة لصنع شرف وطني في كل مكان أقصده،كنت أتخيل صورتي و أنا أتسلم جائزة نوبل،و الآن،بعد أن أصبح حلمي حقيقة،أريد العودة الى أرض الوطن،أريد أن أترك المعامل و عالم الكيمياء قليلا،و أحظى ببعد الوقت الجميل مع الوطن الذي أنجبني،الذي من أجله طورت عبقريتي،و الذي من بيئته الجميلة بنيت أخلاقي،عندما كنت أجلس ذات يوم على الكرسي المتحرك أقرأ بعض الصحف الفرنسية جاءني ابني عمر و قال لي:
-أبي،متى سأرى وطني؟متى سنذهب اليه؟
-غدا،ان شاء الله سنركب الطائرة،قم بتحضير ملابسك.
عدو عمر سريعا نحو غرفته،و دموع السعادة تتساقط من عينيه،ثم جاءتني زوجتي مروة مبتسمة و قالت لي:
-لقد قمت بتحضير جميع أغراضنا و ملابسنا،كم أنا متلهفة لرؤية مصر.
قلت لها مازحا:
-ألستي مغربية يا مروة؟!
مروة:
-أنت تعرف يا هاشم أن الوطن العربي من روح واحدة و أصل واحد.
أنا ضاحكا:
-أعرف،انني أمزح معك،هيا بنا نخلد الى النوم لنستيقظ مبكرا.
عندما كنت أحاول النوم أخذت أتذكر الأيام الجميلة التي قضيتها في الأقصر بين آثارها العريقة،و الجيزة التي بها الأهرامات وأبو الهول و الآثار التي صارعت قسوة الأيام و الزمن على مر العصور،انها لا تزال عائشة كاليافعة الأصغر مننا سنا،و أخذت أتذكر اللاذقية و الجولان بمساحتهما الخضراء الشاسعة التي تعانقها الجبال الجليدية و تقف عليها الأشجار الجميلة،و بغداد ذات العراقة و التاريخ،و بابل التي يصادقها الجمال بعجائبه و غرائبه،و مكة بيت الرسول،و القدس التي تجمع الأديان بمساجدها و كنائسها و معابدها الجميلة و العريقة،و البتراء زينة الأردن و تاريخها،و الاسكندرية عروس البحر المتوسط.
في اليوم التالي،استيقظنا مبكرا و ذهبنا الى المطار،و عندما كنا نصعد سلم الطائرة،رأيت رجل ذو لحية يصعد أمامنا شكله مخيف،بدأت أقلق و بدأ الخوف يجلس على كتفي و لكن عندما بدأ اقلاع الطائرة أخذت موسيقى الحنين الى الوطن تعزف في قلبي،ثم قال لي ابني عمر:
-أحبك يا أبي.
أنا مبتسما:
-و أنا أيضا.
بعد لحظات قليلة،انفجرت الطائرة و وجدت نفسي أحلق في السماء بمقعدي،و أثناء تحليقي في السماء كنت أتساءل في عقلي،لماذا هذا الارهابي العربي فجر الطائرة؟!لماذا أراد أن يشوه وجه الأمة العربية أمام العالم؟!أيظن ذلك صحيحا؟!لماذا لم يترك الأجانب يذهبوا لمشاهدة مصر و جمالها؟!لماذا قتلني أنا أخوه العربي و قتل عائلتي؟!الارهاب لا يؤمن به دين و لا يؤمن به عقل،ثم أخذت أتمنى أن يتغير مسار تحليقي الى الوطن،و لكن قد فات الآوان،و أصبح الوطن بعيدا صعب الوصول اليه،فأخذت أقول لنفسي باكيا:
-ليتني كنت أستطيع أن أحقق نجاحي و أمجادي و أرفع اسمك عاليا دون أن أتركك يا مصر،يا أثمن الأوطان!يا أجمل الجنات على الأرض!يا جنة قبل الجنة!
عندما بدأت أرى الملائكة،عرفت أن الوطن أصبح أبعد ما يكون،و لكن جنة الآخرة أصبحت قريبة.

بقلم المؤلف محمود أيمن