جسر سيدي مسيد

Pont Sidi MCid, Constantine, Algeria

مثلها مثل ذلك الجسر متعانقان في لوحة اسمها الماضي…انها في حضنه تتأوه تبتعد..تجلس بعيدا عنه..وعيناها مطر. وكأن السماء ارادت التدخل لمسح تراسيم الحزن على وجهها القمر فهطل المطر ليعزف سيمفونية الهطول لكنه يشتد صخبا ليجعل الناس يهرولون إلا هي هي فقط جلست في مكانها تتحدى المطر بكلمة يا رب..وبعد نصف ساعة يهدأ روع الطبيعة التي رسمت ابتسامتها على قسنطينة التي كانت متعطشة لبل ريق الارض ….لتصبح هادئة كما كانت لكن سُكينة لم تهدأ فقد ظلت تمارس خلوة الخيال مع الروح في صورة لسرحان ضائع فجعلت المارة ينتبهون اليها .. نظراتهم اليها جعل انفعالها يُبتزّ فتنهض لتنفض الغبار علي تنورتها الطويلة السوداء التي قام النسيم بمداعبتها فسمح بإطلالة لساقين جميلتان يثيران ألانتباه ببياضهما اللامع.

سكينة قبل ان تذهب للجسر كالعادة يجب ان تحمل معها ثلاث حجارة وتضع كل حجرة على حافة كل حجرة منها تبعد عن الاخرى ما يقارب المتر ثم تبتعد قليلا تنظر اليهم تبتسم ثم تبكي فتذهب للحجر الاول تقبله وترميه ثم الحجر الثاني تقبله وترميه حتى تصل للحجر الثالث فتمسكه في يدها وترحل دون ان تلتفت للوراء.

لكن سعيد رغم اختفائها ظلت حاضرة امام عينيه وأي حضور؟ حضور استولى على فكره لكنه لم يمنعه ليتساءل: اي فتاة هذه؟

وما سر تلك ألحجارة انه فضول الصحفي الذي يحب ان يقحم أنفه فيما يعنيه وفيما لا يعنيه.

شهر مايو شهر متقلب المزاج مثله مثل سكينة التي ما صدقت ان الشمس قبلت عيناها للاستيقاظ حتى هبت مسرعة لجسر سيدي مسيد لتلتقط ثلاث حجارة ثم تهرول لحافة الجسر فتضع الاولى الثانية وقبل ان تضع الثالثة يفاجئها سعيد بحضوره فلعب الخوف على اوتار اصابعها فارتجفت فسقطت الحجر فصرخت..ماذا فعلت؟

اسقطت الحجر

على جسر العمر

لقد سقيتني المر

وانهيت لعبة القدر

بسقوط الحجر

وقف سعيد مندهشا لردة فعلها انه مجرد حجر قد سقط لا يحتاج لكل هذا الانفعال لكن رد الطبيعة كان غاضبا ايضا وكأنها لعنة السماء قد حلت على المكان لتهب ريح عاصفة في ثوان جعلت كل من الحجر الاول والثاني يسقطان فتردد سكينة متمتمة: انها نهاية الحجر.

قدر وحجر ومكان ضاع وسط ازدحام الصور ماضي حفر على حجر وضاعت هويته على جسر وضاع العمر في لمح البصر..

ارتبك سعيد ولم يعرف ماذا يفعل؟ فحاول تهدءتها قائلا: الحياة لا تستحق كل هذا العناء.. فما سر الحجر؟ وما بالك تعصفين كهاته الريح؟ وأنا بينكما كأوراق الشجر افكاري تتطاير لا تعي مقرها أين؟

ـ ما دخلك؟ وما شأنك بالحجر؟

ـ همي اليوم ان اكتشف سر الحجر

وكان سكينة ضاق بها الحال فأرادت ان تفشي السر لأي كان المهم ان تحس بشيء من الارتياح.

كان لي اخ وأخت اصطحبتهما معي في نزهة لهذا الجسر فكانا يلعبان فرحين ببعض الحجارة وأنا كنت جالسة اترقبهما الى ان مضت سيارة مجنونة لسائق يبدو انه كان في حالة سكر فصدمهما فتطايرا وسقطا من اعلى الجسر فهرولت مسرعة فوجدتهما جثة على الصخر وما بقي في الجسر سوى ذلك الحجر ومن ذلك اليوم وأنا اضع الحجرين والمسافة بينهما متر لان بينهما عام فقط.

الحجر الثالث فهو انا وبما أنك تسببت في وقوع الحجر فاعلم ان القدر رسم نهايتي بسقوط الحجر وما تكاد تنتهي من كلامها حتى رمت بنفسها من الجسر..وفي يدها اربع حجارة..

 

بقلم المؤلفة سلوى يوسفي

اختر مغامرتك

في محاولة فاشلة منها، ضيعت الفرصة الذهبية التي كان من شأنها أن تجعلها سيدة مصيرها،

أ) عندما قفزت من فوق الجسر.

ب) إثر انحناءها لالتقاط حجر آخر أودى بها إلى الهاوية.