قبر

Baqaa refugee camp in Jordan, North of Amman

ساعات باقيات وتقف على عتبات العيد.
ماذا أعددت لهذا اليوم!؟ هل تزمجر في وجوه الأطفال لاعنا اليوم الذي جاءوك فيه؟!!
يتحلقون أمام علب الحلوى، يرفضون العودة حتى تشتري لهم.
هذا العيد ينكأ جراحك التي يعجز العام على مداواتها.. تتكالب سهامه على قلبك.. يضيع منك التفكير وتلوذ بصمت أخرس، يقطعه دخان سيجارتك التي تمجها في سماء غرفتك المسقوفة بالصفيح.
هل اختصرت شيئا تدسه في أيدي أخواتك، أم حسبت حسابك لطبخة تشبع أطفالك الذين تحرث الحسرات قلوبهم ولا تجيب على تساؤلهم الملحاح: لماذا لا تشتري لنا خروفا يا أبي؟
يكفيك طير دجاج تُسكت نظراتهم، وتوقف مصمصة شفاههم أمام بيت الجيران.
هذا الدجاج، لن يقوى وابورك على إنضاجه، ستحرق زوجك دقائق اليوم، تدكه حين تموت ناره في زحمة صراخ المتحلقين، يعلو صراخهم على زعيق الباعة يروجون لألعاب العيد.
ستحرن زوجك، ولن تذهب لبيت الجيران تستلف طنجرة الضغط.
إنها من دم ولحم، ولن تسمح لزوجات الموسرين غمز جانبها،
قد يفرجها الله عليك، وتجد أخواتك غادرن بيوتهن فتوفر على نفسك هذه الليرات.
إن قدر لك أن توفر بضع ليرات، فلن تتوانى عن شراء فستان لزوجتك، وستفرك في عينيها بصلة
ما يدريك عندها إن الطمع سيتسلل إلى نفسها وتطالب بحذاء أيضا!!
دائما يأخذك الاستطراد بعيدا وتفكر بالمستقبل. لماذا لا تفكر بالحاضر! وتسكت إلحاح أطفالك؟
أي ذليل أنت!!
تدور ثور ساقية بحثا عن عمل، تغلق به الأفواه.
حتى وظيفة حارس التي رفضتها خشية الوقوع في الشبهات .. أفهمك آمر المشروع أن شرطها إغماض العين عن أكياس الإسمنت وقضبان الحديد……..
يومك حافل، وعليك تنظيم الوقت حتى لا تنسى واجبا.
غضبت زوجك في العام السابق لعدم زيارة قبر أمها، و اعتبرت ذلك قصورا لا يليق بالحماوات.
اذهب وسدد ما بذمتك وأغلق فما سيظل يعزف هذا اللحن. وهي مناسبة لتطل على قبر أبيك الذي ضاعت ملامحه!
لعلع صوت الأطفال… فردت الضوضاء أجنحتها، اختلس الأب نظرة لزوجته..
وجد موجة ارتياح تغزو ملامحها.
صفق آخر الأطفال البوابة، سار الموكب يتقدمه بطن الأم. تشاغل الأب بأطفاله الذين درجوا على المشي، نفخ قبل أن يزعق بكبيرهم، متوعدا ألأم التي ترفض وضع حد للمأساة ..
وصل باب المقبرة المغلق ..تهالك على حجر، جفف بقايا شعيرات هزمها الشيب..أشعل سيجارة .. غمغم:_( حتى هذه مغلقة!!)..
رمق جهة صرير الباب،……دخل دون أن يعير الحارس اهتماما…
مسح المقبرة..حدد الركن الذي سيتوجه إليه طوّح عقب سيجارته …
-:قبور تزحف ونساء لا يتوقفن عن الإنجاب……
سأل زوجته عن قبر أمها برياء.
– ردت زوجه التي أمسكت خيط النفاق في لهجة زوجها، بنظرة نارية مهددة.
– فرد كفيه، اختلس نظرة إلى زوجه، تمتم .. مسح وجهه… قاطع زوجته التي نهنهها البكاء:
– -: لنقرأ الفاتحة على روح ابن جارنا الشهيد…
– سار خطوات …. داهمته رائحة… استدار…نظر إلى الأولاد.. لم يجد أحدا ….
– تساءل عن مصدر الرائحة… شهق بعمق يحدد الاتجاه… الرائحة تقترب… هل أسأل أم العيال؟؟
– ربما يثير السؤال شكوكها!!
– تقترب الرائحة ..تزكم الأنف…
– توقف …. قرفص…. مد كفيه…… الصق أنفه بالتراب…….رفع رأسه……نهض …مسح ركبتيه…..أمسك أنفه بالسبابة والوسطى….
– …لم يدهش عندما رأى طفله يقرفص خاف شاهد قبر
– نفخ بغيظ.. ألقى نظرة حوله وانسل مبتعدا، تجاه كومة الأطفال الذين تحلقوا احول المقرئ الضرير…


بقلم المؤلف سمير أحمد الشريف

اختر مغامرتك

لكي يكون الإنسان مسالما مع نفسه:

أ) يجب عليه أن يموت.

ب) عليه أن يشعر بالقيود التي تجعل منه إنسانا.