بطل المدينة

1074424_10203248374629114_744899830_o

منذ لقائي الأول بهذه المدينة، وأنا أحلم بأن أكون بطلاً في عينيها، ولو لمرة واحدة، شاهدت فيها صغاراً يتناوبون على طفل نحيل حاول المرور بجانبهم وهم يلعبون، وشاهدت كباراً يتشاجرون، وقرر أحدهم؛ وهو ذو كرش كبير أن يحل الشجار بينهم، تعالى الصراخ، واصطدم رأس رجل بالرصيف، ثم اختفت ملامحه بين الأرجل، وارتفعت الأصوات: يا حرامي…. يا ابن الحرام، ومع وصول الدم إلى الأرض توحدت الأصوات: يا عيني عليك يا بطل….

في السوق أمسك بي أحد الباعة، وقرر أن البلوزة الوحيدة المتبقية عنده تناسب جسمي تماماً، ألبسني إياها، ثم رسم حولي دائرة محيطها نظراته، وأنا مركزها، وبعد أن أفسدت تلك البلوزة السهرة الأولى لها معي قرر أبي بألا أذهب إلى السوق إلا برفقة أحد إخوتي.

عند المخبز؛ شعرت وكأن كل سكان الحي قد تجمعوا هناك، كانوا يتدافعون، ويتنافرون، وعندما لطم صاحب المخبز أحد الأولاد على خده أدركت أنني أواجه أصعب امتحان للشجاعة في حياتي.

وقفت في الطابور النظامي الذي تحرك بمعدل شخصين على الأكثر في كل ساعة، ونفد الخبز، وعدت مهزوماً، وهذا ما عرضني للعقوبة، والتوبيخ الشديد في البيت، والأسوأ من كل ذلك كانت مقارنتي بابن الجيران الذي يصغرني بعامين؛ لكنه حصل على لقب رجل المستقبل الذي يستطيع تحصيل الخبز لعائلته. أما بطني التي كانت تصرخ من الجوع فقد علمتني معنى البطولة الحقيقي.

حاولت القفز على مبادئي باتجاه النافذة التي يخرج منها الخبز فتخنقني الحرارة، وروائح المدخنين الممزوجة بروائح التعرق، ولفظني أحد الأبطال الذي اخترق الطابور الطويل، وحصل بسواعده المفتولة على الخبز بسبب قوة اندفاعه العكسية ضد تيار الطامحين إلى الفوز بربطة خبز.

كان يقبض على ربطة الخبز بكلتا يديه كتعبير عن فرحة النصر، ومسحت حينها دمعتي التي سببتها الحرارة، ونظراته الشامتة بي.

في التلفاز؛ تحدثت المذيعة عن معنى البطولة الحقيقي، وأشارت إلى صورة كبيرة متحدة بالجدار لراعي الطفولة، ثم قرأت تقريراً عن الصناعة الوطنية فعرض لها المخرج صورة أكبر للبطل، وفي شارة البرنامج الختامية ظهرت طاولة كبيرة في نهايتها صورة متحركة للبطل، وهو يأكل.

 

بقلم المؤلف محمود الحسن

اختر مغامرتك

لو أتيحت لي الإمكانيات والوسائل، لكافحت إلى أن أصبح

أ) مناضلا في معركة النقاش.

ب) روكي.