ذاكرة البحر

2012-03-13

كنت في طريقي المعتاد يومها، إلا إن البحر كان يبدو مختلفاً.
وقفت أتأمله. كان الجو عاصفاً، إلا إنه كان في أبهى حالاته، كلوحة من درجات الأزرق تغطيها السماء بزرقتها الخاصة، يتخلل هذه الزرقة سحب وأمواج بيضاء تزيد اللوحة سحراً وتناغماً.
أنظر للبحر فيغمرني الاسترخاء. وعلى الرغم مني، أغوص في ذكرياتي، فيأتيني منها ما اعتقدت أني نسيتها، أو أخرى جاهدت كثيرا لأنساها.
كم أنت غريب أيها البحر! منذ آلاف السنين تستمع إلى حكاياتنا وتشهد معنا حيواتنا، إلا إنك ما زلت ساحرا ومهيبا. ترى كم شخص وقف في هذه البقعة قبلي ليحدثك كما أفعل الآن؟
**********
وقف الإسكندر على شاطئ البحر في هذه المنطقة من أرض مصر ينظر إلى الأفق مفكرا في الشاطئ الأخر.
نظر للمياه وزفر متذكراً النصر الذي حققه منذ أن بدأ حربه ضد الفرس. كم يتوق للعودة إلى مقدونيا ويشتاق إلى حياته التي كانت. لكن الأقدار لا تأتي دائما بما نبغي، فها هو قائد جيوش في حرب لا يعلم متى تنتهي.
وعلى الرغم من انتصاراته إلا انه مازال يتوق للعودة. يستزيد دائما من الانتصارات لعلها ترضيه بلا فائدة. وبكل ما يحمل في أعماقه من حنين للشاطئ الآخر، تلفت حوله متأملا تلك المنطقة وفكر “ربما تكون هذه المنطقة هي حلقة الوصل بيني وبين بلادي. لسوف أنشيء عاصمة جديدة لمصر هنا، لتحمل دائما اسمي و ذكرياتي”.
**********
تأملت كليوباترا السفن التي ترسو على شاطئ البحر وهي تبدو كوحوش تجثم على قلب المدينة الرقيق بعد الخراب الذي حل بالمدينة و أودى بأكثر معالمها.
وعلى الرغم من الدمار المحيط، لم يفت كليوباترا أن تلحظ البحر، الذي بدا كأروع ما يكون، متحديا كل ما فعله البشر في حق المدينة.
نظرت إليه طويلا ثم فكرت “أنا لم أكن أريد شيئا مثلما أردت أن أستعيد مصر التي سلبها مني بطليموس. ربما فقدت المدينة الكثير من روائعها، ولكن مازال لديها الكثير لتقدمه لي”.
**********
كانت السماء ملبدة بغيوم لا تنتهي، وكان البحر ثائراً لا تتوقف أمواجه عن التخبط. إلا أن هذا لم يفت في عضد الشيخ سيد درويش.
كان هذا اليوم هو بداية مرحلة جديدة في حياته، حيث أنه سينتقل إلى القاهرة للعمل بفرقة الشيخ سلامة حجازي.
كانت نفسه تمور بالفرحة، فنظر إلى البحر الثائر مليا وقال: “قد لا أراك لفترة طويلة، إلا إنك ستكون دائماً في ألحاني”.
ثم أرتفع صوته بالغناء:
“يا حبيبي جد بنظرة يكفى تيهك والدلال
من بعادك ذاب فؤادي امتى أفرح بالوصال
قلبي حبك وانت عارف إني مغرم بالجمال”
**********
على الرغم من أن الإحتفالات كانت قائمة في طول البلاد، إلا أن تلك المنطقة من شاطئ البحر كانت تشهد وضعا معاكساً تماماً. فقد كانت مراسم الترحيل جنائزية أكثر منها عسكرية.
وقف الملك فاروق ينظر إلى الجمع الذي جاء ليشهد لحظات خروجه بكبرياء، ثم أدار بصره إلى البحر ينظر إليه للحظات قد تكون الأخيرة.
كم هي غريبة هذه الحياة! كان الملك بالأمس، و اليوم يبحث عن ملجأ!
نظر إلى البحر مرة أخرى بشوق، ودخل إلى الباخرة.
**********
أشعر بالماء يغمر وجهي فأفيق من برودة الذكريات لأنتبه إلى برودة الجو التي اشتدت من حولي. أرفع وجهي لأجد السماء قد بدأت تمطر.
أضم يديّ لعلي أجد بعض الدفء و أبدأ في السير ببطء لأعود إلى طريقي، راجيةً أن يحفظ لي البحر في ذاكرته هذا اليوم.
**********

بقلم المؤلفة رضوى مجدي عامر

اختر مغامرتك

أملنا ألّا يشعر عريس البحر بأنّ الحورية منجدبة

أ) لنسيم الصباح الذي يمتطي الأمواج.

ب) له.