كانت الساعة تشير الى العاشرة والنصف ليلا وكان حنين وحده يقف بشارع معتم وحوله حقائبه، شيء غريب كان يجذبه إلى مكان محدد ومقصود، العمارة التي كانت تشعره بالألفة والراحة، كان مفعما بمشاع ساخنة، وعبر المدخل أمد رأسه ..
هاهو الآن في قلب البيت يجر أحاسيسه كخيط من شعاع ليرتمي في حضن حياة ويغوص في نهر الأحلام، أما هي فقد كانت تبحث فيه عن ذلك الجانب الوديع من شخصيته كانت تعرف انه سيعود يوما ما وأنه لا يستطيع الاستغناء عنها، لذلك كانت شديدة التفاؤل والانشراح، فتماوجت بين ذراعيه وأحست أن جاذبية الحياة قد ازدادت سرعتها لما التقت الشفاه في قبلة تحمل حرارة الاشتياق والحنين ..
في الصباح كانت تتكئ بأحد مرفقيها على المنضدة شابكة أصابعها على بطنها، نظرت في عينيه مباشرة والسعادة تغمرها، لم تستطع أن تحبس ابتسامتها وهي تتأمل وجهه الجميل ثم اغرورقت عيناها من فرط إحساسها أنها ليست بمفردها، وكم كانت تحب وجوده الذي يجعلها تطلق فيه مشاعرها وأحلامها بكل شجاعة، وهكذا بدأت تنسج خيوط هذا الحلم الجميل متيقنة تحقيقه لكن سرعان ما تبددت أمنيتها وانهارت لبناتها على شفا حفر من التعاسة والحزن العميق والصدمة القوية حين ...اقرأ المزيد
قصص قصيرة
أحلام لا معنى لها
نوستالجيا
صباح عيد الربيع؛ يخيم الهدوء على منازل القرية عدا منزلنا تملأه ضجة من باكورة الصباح.
أخرج من غرفة إلى أخرى لأيقظ والداى، أختى وأخواى
-هيا استيقظوا، حان وقت الذهاب
وضعت فى حقيبة ظهر كثيراً من السندويشات، ووضعت زجاجات بيبسى وزجاجات مياه فى أكياس بلاستيكية وإنتظرت ريثما ينتهوا من إرتداء ملابسهم. بعدما فرغوا أحكم أبى غلق الأبواب وذهبنا.
عند الضُحى وصلنا إلى مدينة مزدحمة بكثير من الناس.
نزلنا أمام كوبرى طويل يغوص جزأه السفلى فى مياه.
نظرت بإتجاه أبى
-هل هذه هى القناطر الخيرية؟ قلت
-بلى هى
وقفنا نتأمل صفاء المياه وكبارى أخرى تأخذ عمدانها من الأسفل شكل بوابات مفتوحة تعبر المياه من خلالها.
عبرنا الكوبرى من خلال بوابات ذات طراز إسلامى. فى نهايته ظهرت أمامنا حدائق فسيحة متراصة إلى جوار بعضها، تحمل كلاً منها إسماً خاصاً بها.
وجدنا الحدائق ممتلئة بأُناس كثُر؛ عائلات تفترش الأرض ويأكلون أسماكاً مملحة.
فتيات يسيرن فى دلال والإبتسامات لا تفارق وجوههن.
أطفال تجرى فى كل مكان بالحدائق، يلعبون ويصيحون ببراءة.
دخلنا إحدى هذه الحدائق؛ إستظل والداى بظل شجرة وفى الجهة المقابلة رحنا نلعب أنا وإخوتى.
قفزت منحدرات، ...اقرأ المزيد
أويا، سيجارة، والعجوز التركي
تاريخين مختلفين، شخصين مختلفين يتشاركان في 25% من جيناتهما، ساحة كبيرة تغير اسمها على مر الزمن، هي الأكبر في المدينة والأشهر، مقابلها يوجد مبنى تاريخي يعود لعصر ما قبل الإسلام، ومبنى أخر أحمر يعود يحتوي على تاريخ يعود لقبل الميلاد، قبل حتى أن يبدأ تسجيل التاريخ.
ولكن كل هذا لا يهم، فها هي سارة تقف هناك، تنتظر شخصا ليعطيها سيجارة، سيجارة حشيش، الحشيش ممنوع على الفتيات هنا، كذلك السيجارة العادية، التدخين ممنوع، قبل 40 سنة وقفت سارة هنا، ودخنت مع صديقاتها، كان مسموحا له في ذلك الوقت، كانت حانة أويا تقف مقابل سارة وخلفها يقع المبنيان التاريخيان، اختفت الحانة وبقيت المباني.
تستذكر سارة كلمات جدتها أثناء انتظارها، كان اسمها سارة أيضا، كانت الجدة تقول “اسمنا مميز.”
تتساءل سارة “لماذا؟”
“ليس له معنى عميق ولكنه منتشر في العالم، لا يخطئ أحد في نطقه، لا يخطئ أحد في كتابته، لا أحد يسخر منه، وهو اسم حديث في كل الأزمان، على الأقل حتى زمننا هذا، كذلك إن بحثت قليلا تجدين العظيمات ممن اسمهن سارة، أشعارا عن سارة، وأغاني كذلك، إنه اسم قد يعطيك بعض الشعور بالعظمة عندما تحتاجينها” تجيب سارة.
“لا أريد العظمة” ...اقرأ المزيد
العقل الباطن
كان يجلس سامى فى حديقة الجزيرة المجاورة لدار الأوبرا المصرية حيث كانت تطل الحديقة على نهر النيل ويرى من حوله المبانى العالية والمراكب العائمة التى تنير ظلام النيل الهادئ فى الليل بألوانا زرقاء وكان يسمع الموسيقى الصاخبة التى يعلو بها أصحاب المراكب فى رحلاتهم النيلية القصيرة التى كانت تطوف بالسائحين وأبناء هذا النيل لتنسيهم الام حياتهم اليومية لمدة لا تزيد عن نصف ساعة ثم تعود بهم الى كأبة الحياة مرة أخرى ولكن سامى لم يكن يستمع الى موسيقاهم لقد كان له موسيقاه الخاصة التى يسمعها من على الأنترنت فأنه عالم يأخذك من عالمك الحقيقى الذى يجبرك أن تسمع وأن تكتب وتعمل وتتعلم مثلما هو يريد ولكن العكس تماما فى هذا العالم السحرى الذى تختار أنت أى طريق تحب تمشى فيه أى مكان تحب أن تستمتع فيه بوقتك أى موسيقى تحب أن تستمع لها لقد كان سامى يختار أقرب الأماكن هدوء وأرتياحا الى النيل ويستمع الى موسيقاه ويشرب شئ ثم ينصرف الى حياته مرة أخرى وفى مرة من مرات جلوسه الطويل فى هذا المكان حدث ما كان يتمناه قد سمع ضحكات تأتى ...اقرأ المزيد
البقرة
قال كبيرهم، شيخ القرية: بعد غد سيزور قريتنا وفد حكومي رفيع المستوى، لتصل جراحنا إلى مراكز القرار، سنستقبلهم استقبالا عظيما لم تشهد القرية مثله من قبل، ستذبح بقرة فاقع اللون تسر الناظرين على شرفهم …
فقال سفيه القرية: وأين البقرة يا شيخنا العظيم؟
سؤال وجيه، أنت أعقل من هؤلاء الرجال المعطوبين والمغضوب عليهم
وبعد أن فكر قليلا، لمح عجوزا تقاوم عقبة القرية وحمارها الذي ورثته من زوجها العقيم …
فقال بصوت مرتفع على شاكلة أرخميدس: نعم .. وجدتها، وجدتها، وجدتها …
عجوز القرية المسنة، تملك بقرة وهي الوحيدة، سنطلب منها أن تهبها لنا هدية وليمة دسمة للضيوف الكرام…
وقال السفيه: وإن إمتنعت على ذلك ..
وأنت مافائدتك هنا؟ ستتكلف بالمهمة، وإن شاع الخبر بين القرى، فما يقولون إلا سفيها إبن السفيه سرق بقرة فاقع اللون من عجوز القرية ..
سمعا وطاعة أيها الشيخ العظيم
وبعد أن إنتهى مجلس القرية، قصد الشيخ الهرم العجوز وهي لم تنال قسطا من الراحة بعد عمل شاق في الحقول ..
طرق الباب لتفتحه وتجد الشيخ يوسوس في خياله المكر…
وبعد تحية، قرأت فيها ملامح الغدر، وقال لها: “كيو “، بعد غد سيزورنا وفد حكومي ...اقرأ المزيد
الغريب
مع ضرب أول معول في حفر قناة السويس بدأت قصة مدينتي، وعرف المصريون والأجانب طريقهم إليها، كما عرفوا طريقهم إلى الحياة فيها والموت على أرضها..
في أقصى نقطة غرب المدينة وعند مدخل شاطئ “الجميل” تُقابلك بوابات مقابر مدينة “بورسعيد” القديمة وهى على الترتيب: الكومنولث، الكاثوليك، الأرثوذكس، يليهم خمس بوابات لمقابر المسلمين، بخلاف خمس بوابات أخرى أُنشئت حديثا بالقرب من “عزبة أبو عوف” على أطراف المدينة ..
في خطوتي الأولى داخل مقابر الأجانب، وعلى أول ضريح فيها التقيت بسطور شعرية رهيفة مجللة بالحزن: ابني الحبيب/ أرقد بسلام/ تحت هذه الأرض الغريبة/ بعيداً جداً/ عن أحبائك/ الذين يبكون من أجلك .. وهى سطور مرسلة إلى الرقيب J . R marchello من والده، بعد أن ودع حياته خلال الحرب العالمية الثانية ..
في خطوتي الثانية زالت عنى رهبة الموت ووحشته وشعرت بجلال لحظة غروب حياة الإنسان الأسين، فالمقابر أقرب إلى واحة هادئة وسط ضجيج الحياة حولها، ومغطاة عن آخرها بالأعشاب الخضراء المهذبة والمنسقة تنسيقاً خاصاً وبديعاً، وتتوزع الورود بين الأضرحة كرسائل حب معطرة إلى المحاربين القدامى الذين لقوا حتفهم في الحربين العالميتين ..
ومن باب حديدي صغير دلفت إلى ...اقرأ المزيد
أبي و(كورنيش المنصورة)
لم يكن وقتها في ذلك المساء الثمانيني هو نفس الرجل ضيق الصدر، غليظ الصوت، صارم النظرة بل كان رجلاً مختلفاً .. كان شخصاً يليق بكورنيش نيل (المنصورة) في مساء الثمانينيات .. حتى وأنت طفل في الابتدائي يمكنك أن ترصد هذا التغيير الذي قد أن يطرأ على أبيك في لحظة غير متوقعة .. ربما تشعر حتى بقدر من الغربة المفاجئة بينك وبينه .. نعم .. لم يكن هو أبي التقليدي ذلك الذي كنت أسير في صحبته بخطوات متمهلة، تتخللها أوقات وقوف تسمح بتركيز البصر على الجانب الآخر من النهر .. أسمع صوتا غير مألوف يخرج من بين شفتيه: (هذا هو جامع “البنا”) .. انظر حيث أشارت عيناه .. قبة يتوهج اخضرارها بخفوت مهيب وسط الظلام الذي يحتوي هذا الجزء من (طلخا) .. كان صوته هادئاً، وذلك ما يفسر شعوري بعدم اعتياده .. لكنه لم يكن مجرد صوت هادىء فحسب .. كان فائضاً كذلك بمزيج ساحر من البهجة والحزن .. صوت يحتفل بالحنين كما يجب .. كنت أنصت بشغف طوال الوقت لأبي وهو يحكي لي عن هذا الجامع وعن النيل الذي كان يمتد اتساعه ...اقرأ المزيد
“أم جحش”
كأي عامل بوفيه اتبع أوامر مديري ذو الكرش الذي يبدو للناظرين وكأنه قد اصيب بمرض خبيث، يتبعني كظلي مع أن الظل احياناً يكلّ مللاً من شقاء صاحبه ذهاباً واياباً، احمل علي عاتقي عشرات الأطباق من بهو المطعم فور انتهاء الزبائن متجهاً لساحة الغسل البدائية والخالية من كل أدوات التعقيم والغسالات التي توفر الجهد والوقت
تباً لهؤلاء … وأظل ارددها مقترنة بعبارة سحقاً وكل العبارات البذيئة طبقاً طبقاً بين اناملي التي اهترأت بلا مقابل يسدّ شظف العيش أو يدفعني لتحمّل ضجر المدير الذي يوسعني سباباً دون سبب وتأففاً يتبعه أطالة الأيدي أحياناً ان رءاني قد تسللت الي المطبخ الكبير المنفصل عن ساحة الغسل، تباً لهؤلاء … يستكثرون علي مرمطون المطعم وجبة دسمه تعيد بناء طاقته وتشدّ أوردة جسده التي لم تري مذاق الأسترخاء!
………….. – – – – ……………….
“أم جحش”، صاحبة المطعم الشهير بدعايته التي تشغر الشاشات الاعلانيه بميادين القاهره هي الوحيدة التي التمس عطفها وقت زيارتها الأسبوعيه لمباشرة أمور الأدارة والمستحقات الماليه، تمنحني نفحاتها بما يكفيني واسرتي ويذيد، وتظل زوجتي تدعو لها وصغاري يرددون من خلفها وهم يتعثرون مضغا بما لذّ ...اقرأ المزيد
إدنو من القمر
في سَنَةِ 1948 بَدَأًتْ قِصَةُ حزني وشتاتي، بَينما كنتُ أجلسُ أنا وأطفالي أمامَ المِدفئةِ نحتسي الشايَّ لنشعُرَ بالدفءِ، دقَّ أحدٌ البابَ بقوةٍ لدرجةِ أنني ظَنَنتُ أنَّهُ سَيُكْسَرْ فَدَخَلَتْ زوجتي وأولادي واخْتَبَؤُوا ثمَّ فتَحتُ البابَ فإذا همْ جماعةٌ من الجيشِ الصهيونيّ وقبلَ أنْ أفتح فمي لأسئلهم عن مبتغاهمْ أمرني أحدُ الجنودِ المتكلمينَ بالعربيةِ بإخلاءِ المنزل، حينها كادَ نبضُ قلبي أنْ يَقفْ فماذا سأقولُ لأولادي؟ إلى أينَ سنذهب؟
أخبرتُ زوجَتي بالأمرْ فبَدَأتْ الدموعُ تُذرَفْ …والشيءُ الوحيدُ الذي استطعتُ فِعْلَهُ في تلكَ اللحظةِ أنْ أطبطب على كَتفها وأقولَ لها صبرَاً يا أمَّ جهادْ فبإذنِ اللهِ نحنُ عائِدون.
لمْ يكُنْ هُناكَ مُتسَعٌ منَ الوقتِ لنأخذَ كلَّ حاجاتِنا فأخذنا الأشياءَ الضَّروريةَ فقطْ، وسألني ابني جهاد -الذي يبلغ من العمر سبع سنوات- أبي هلْ آخذُ كلَّ ملابسي؟
فرَدَدْتُ عَلَيْهِ: لا يا بنيْ، فَكُلُّها يومَينِ وسنرجعُ بإذنِ الله.
خرجنا منَ البيّتِ في الظلامِ الحالكْ ولمْ يكنْ هناكَ مكانٌ نأويْ إليهْ فبتنا في العراءْ ليّلَتَها وفي الصّباح هاجرنا إلى سوريا بصعوبةٍ بعدَ ما صارَعنا الثُّلوج وأصيبَ أولادي بالمَرَضِ نتيجةَ البردِ الشديدْ، ثُمَّ استقرَّيْنا في مخيمِ اليرموكِ، وسكنتُ أنا و أطفالي في غرفةٍ اقترب سَقْفُها منَ الانهيارِ ...اقرأ المزيد
عندما قامت الثورة فى قريتنا!
فى قريتنا، كل شئ منظم وموضوع فى مكانه، النهر، الأشجار، البيوت الريفية القديمة، كل جزء يكمّل الآخر لتكتمل اللوحة المبهرة، سرب من طيور الحسون يعزف أعذب ألحانه ويتناقل بين الأغصان مع انفاس الفجر، فيستنشق شذاها عبير الرياحين، ووريقات الشجر التى تلحفت بقطرات الندى، لا أتصور أنه بإمكان أمهر الفنانين أن يجمع هذا المكان المذهل فى لوحة!
كل شئ فى المكان كان هادئاً مثل هدوء الصمت، بل إن للصمت ضجيج وانا لا أذكر أن سمعت ضجيجاً فى هذه الجنة الأرضية، كانت الأشجار أيضا تعيش فى هدوء شأنها شأن أهل القرية، ولم يُفسد هدوء هذه الأشجار سوى أطفال قاموا بقطع أفرعها الصغيرة لصنع طائراتهم الورقية
لاحقا، هبت علي رياح متربة قوية، فاقتلعتنى من خيالاتى، سرعان ما جاء رجال غرباء لم ألحظهم من قبل هنا، وجدتهم يشرعون فى قطع بعض الأشجار الكبيرة، يعاونهم فى ذلك بعض الفلاحين من اهل القرية، قاموا بحمل الأشجار الصريعة على ناقلة كبيرة ثم انطلقوا بعد أن أعطوا الفلاحين شيئاً يبدو أنه مال، بل هو المال فعلاً، فقدت سمعت أحدهم عندما إقتربت منهم يقول: “كان المفروض يدونا مية جنيه كمان”، ...اقرأ المزيد