الفتى و البرج

Bordj El Kiffan Algeria

أحمد فتى في السّادسة من العمر، كثير السّؤال و الإستفسار، تَظهر على مُحيّاه ملامح الفطنة و علامات النّباهة، يعيش هنا في هذه المدينة، حيث يرتفع الحصن المنيف، الّذي يُعرف هنا باسم “برج الكِيفان”، نسبة إلى الكثبان الرّملية المترامية أسفله على الشّاطئ، كما يحلو للبعض مناداته “البُرج”.
هو قلعة بحرية عتيقة، بُنيت منذ بضعةٍ من القرون، إبّان الخلافة العثمانيّة، كان ذات يوم يعلوه الحَرس و يعمره الجند و تعلو سَطحه المدافع المَهيبة الّتي شهَرها في وجه كلّ مَن تُسوّل له نفسه الإقتراب من الإِيالة،
كان شامخا هناك، حيث تلتقي زُرقة البحر بزُرقة السّماء، كأنّي به يَرقب الأمواج تِلو الأمواج، يَرصُد ما ورائها مَخافة أن تكون سفينة للمعتدين الّذين ما فتِئوا يحاولون تدنيس هذه الأرض الطّاهرة، و ها هو اليوم لم يزل واقفا هناك، حيث أكل الدّهر عليه و شرب، لكنّه لم يزل واقفا، جدرانه المتداعية يسند بعضها بعضًا، و يشدّ بنيانه المرصوص بعضه بعضًا، تُعفّيه الرّوامس و السّماء، لكنّه لم يزل واقفا.

كان أحمد يسأل أباه عن البرج، ما هو؟ و لِمَ بُني؟ و مَن بناه؟ فيجيبه: بناه الأجداد ليذودوا به عن البلاد،
و حين يلعب مع أقرانه يتسابقون و يتقافزون، هنا و هناك، يستظلّ بظلّ البُرج و ...اقرأ المزيد

الرحي

Kobani Syria

اطحني الحَبْ أیتھا الرَحَي
اطحني أیتھا الرَحَي آلامنا الجسیمة
لسنا واحداً أو اثنین
نحن آلاف الألوف، ولكن..
في أربعة أماكن منقسمون”
******
في بُقعةٍ أحكم علیھا المَوت قبضتھ وحاصرتھا رائِحتَھ من كل ناحیة كانت الحَسْنَاء
الكُردِیة تتوسد تَلَّة صغیرة ضمن مَھام وحدَتھا حراستھا والذود عنھا قُبیل مدینة
“كوباني”
مُتشبثةً ببندقیتِھا الآلیة وغنائِھا، عكفت “بیریفان” تُدندِن بكَلمات أغنیة “الرحي”
عسي أن تطرد الفزعَ والیأسَ اللذین ینھبان أرضَھا
بدا الظلام في ھذه اللیلةِ الغَطشاء سرمدیاً بلاانتھاء، لینزوي أملُھا في أن تمحق
سوادَھا شمسُ النھار، فلم تبزغ غیر شموس الانفجارات وألسنةِ اللھب
حتي الصمت الذي یتخلل فترات القصفِ فھو مُریب مُوحِش لا یوازیھ إلا وَحشة
قُلوب الدواعش
مِسكینة ..ربما لو كانت لھا قصةُ أخري لأصَبحت من نَجماتِ السینما أو مَلِكات
الجمال
ولما لا؟ وھي ذات الوجھ الملائكي و العینین العسلیتین النجلاوین اللاتي تأسران
قلوب أشد الرجال
لكنھ خیارَھا ..أن تُقتل دون قومھا.. مُقاتلة من البشمرجة.. واحدة من اللذین
لایھابون المَوت
وبالرغم من قسوة الاختیار لم تذھلْ عن أن تعني بمواطنِ أُنوثتِھا ، فضَفَّرت
خصلات شعرِھا النحاسي في جدیلةٍ واحدةٍ كسنبلة فرنسیة
ركضت “بیرینا” نحو تلةٍ أخري وسُیول الرَصاص تتدافع مِنْ حولھا فتَلطخ
حذائُھا رغماً ...اقرأ المزيد

لثام أزرق

Hoggar Mountains, Algeria

تطل عيناه المحمرّتان من تحت بحر لثامه الأزرق، وتنطبع بهدوء على المرآة العلوية العاكسة. لم أتبين منه سواهما وكفّان بدا لي أنهما ترقصان في الفضاء كيفما اتفق، بينما الحال أنهما كانتا تدلان سائق الحافلة على الطريق إلى جبال أهقار.

يمضي الوقت على مهل، يتلكأ الزمن وتتمدد المسافات رافضة الانطواء السريع. الطريق في الغالب غير معبدة، ولا تكاد تُرى من النافذة غير رمال تلفك من كل الجوانب. وحتى أبدد بعضا من وحشة الطريق، غرقت في انعكاس وجه عزوز الملثم على المرآة، محاولة تفكيك طلاسمه دون جدوى. حين أعيتني محاولاتي انكفأت على مقعدي واكتفيت بالنظر الهادئ الذي قطعه عزوز بتشغيل موسيقى ساحرة.

-إنها موسيقى إمزاد، ستعجبكم حتما.

قالها عزوز وقد ضاقت عيناه مبتسمة، سأله أحد السياح عن معنى كلمة إمزاد، فأجاب مبتسما:

-تسمى هذه الموسيقى باسم آلة إمزاد. وهذه الآلة ذات الوتر الواحد لها تاريخ عريق يعود إلى آلاف السنين. كانت الحروب بين قبائل الطوارق دائمة، فاحتارت النسوة في طريقة إيقافها، فصنعن الآلة وتدربن عليها، وما إن حطت الحرب الجديدة أوزارها حتى شرعن في عزفهن الساحر الذي فتن الرجال، فما كان منهم إلا أن ألقوا بأسلحتهم موقفين الحرب.

يعلو هتاف الإعجاب بالقصة في الحافلة، ليصل عزوز سؤال آخر عن سبب تغطية رجال الطوارق لوجوههم عكس النساء، ...اقرأ المزيد

المبنى الأصفر

1-4

لا يزال كما هو، رغم أن صفرة الجدران قد أصبحت قاتمة من تراكم الأتربة، إلا أن ما يحسب لهذا اللون هو صموده كل هذه السنين ….

وقفتُ أمام المدرسة، رحتُ أتذكر، تذكرت كل شيء، عندما قمت بالتحويل إلى هذه المدرسة، بعد محاولات مستميتة لإبقائي في المدرسة التي بنيت حديثاً بالقرب من منزلنا، محاولات مستميتة من الجميع، حتى الحكومة، حاولت إبعادي عن مدرستي الحبيبة هذه، فرضت على كل شخص القيد في المدرسة التابعة لمنطقة سكنه. وهكذا تم نقلنا إلى المدرسة الجديدة، بعد أن أمضينا عاماً هنا.

ورغم أن المدرسة الجديدة وسط القرية، وتحيط بها الأشجار والنخيل من كل جانب، إلا أنها من الداخل تبدو كصحراء جرداء، لا ورود، لا أشجار، لا عصافير، فقط ملعب تغطيه رمال صفراء يحده سور أنيق، وجديد لكنه بلا روح.

أما هذه المدرسة القديمة، الحبيبة، ذات الجدران الصفراء الكابية، فتقع فريسة وسط غابة من العمارات والأبنية الخرسانية في قلب المدينة، إلا أنها من الداخل تبدو كواحة خضراء، بها حديقة غناء تحوي مختلف أنواع الأزهار الملونة والنباتات الرقيقة، كنا نستمتع بالجلوس على مقاعدها الخشبية في حصة الزراعة، وفي حصة التربية الرياضية كنا نستمتع باللعب في ملعبها المزروع بالنجيلة الخضراء والمحاط بأشجار الكافور الشاهقة التي تمت زراعتها منذ إنشاء المدرسة.

عندما توجهت ...اقرأ المزيد

غروب الليل… شروق اللصوص؟

Ain El Kebira, Algerian countryside

كنت أطوي الملابس لما سقطت ورقة قربي، فتحتها بفضول، كان مكتوب عليها: “في الأعالي تحت الغابة!” كنت لأضعها جانبا لولا عبارة صغيرة استرعتني، كانت مكتوبة بخط صغير، بحثت في الانترنيت عنها، فوجدتها: “ابحث و ستعرف”. فخطرت لي فكرة: البحث عن المكان!
كنت مرتبة للذهاب عند صديقتي غدا، لكنني سأغير الخطة قليلا.
“ألو مرحبا تينا! كيف الحال؟”
“مرحبا إيما! لدي شيء جديد…” ترددت قليلا.
”تكلمي.”
“وجدت دليلا قديما، ولدي ما يدعوني للاعتقاد بأن صاحبها هو ذلك الأجنبي، علينا أن نبحث لنعرف.”
ولدهشتي قاطعتني بحماسة: “الصباح! صباح رمضان أنسب من الليالي الماطرة”.
“وكيف ستبررين غيابك؟”
“طبيب الأسنان!”
عند الثامنة صباحا كنا صاعدتين بدون وجهة معينة، رغم ذلك معنوياتنا عالية، كانت إيما أول من نطق: ’’و الآن المشكل الأول: ليس في المكان منازل قديمة، إذا فوجهتنا قد تكون الابتدائية أو الفندق أو (الأسوأ) المستشفى‛‛.
’’ لنفترض أن الوصف دقيق… فبين الابتدائية و الغابة طريق، و كذا الحال مع المستشفى، و هكذا يبقى الفندق…‛‛
”وبما أنه أجنبي قديم فإنه قد كان في فندق‛‛!
صدق حدس إيما بشأن هدوء الصباح، نظرنا حولنا و تأكدنا خلو المكان، ثم تسللنا إلى الغابة. هناك واجهنا سورا قديما لكننا لم نتفاجأ، كانت لدينا المعدات اللازمة ...اقرأ المزيد

هي من الشمس و هو من القمر يلتقيان فقط فوق الغيوم

Wadi Rum in Jordan

في كل شهر كان الملتقى فوق الجبال الحمراء، حيث السكون و الليل البارد … كانت احلامهما كبيره ..كبيره جدا كان كل شئ امامهما مزهرا بالوان عيونهما الغضة ….حتى انتهى الربيع.

وقفت واثقة على قمة ذاك الجبل الوردي الذي طالما احتضن خطواتها الخائفة، تأملت السراب و استنجدت بالسماء، ياااه كم هو صعب التنفس يااه كم تضيق بنا الدنيا رغم رحابتها و كم تتسع لنا في حين اخر رغم ضيقها.

تذكرت يوم حدثها اول مرة يوم طارت بها الدنيا و ما عادت تشعر بقدميها يلامسان اي شئ … يوم احست بنشوة غريبة كنشوة السكر فهي هنا و ليست هنا هي في مكان ما بين السماء و الارض في بعد اخر كانت مبتسمه و في داخلها طاقة جباره…. يومها تسلقت الجبل بسرعه وقفت حيث لا يراها احد و دارت دارت حول نفسها و اغمضت عيناها و تاهت في غفوة الاغماءه … كانت ترى شيئا جميلا لا يرى و تسمع صوتا غريبا وحدها تسمعه، … في صدرها خفقة غريبة لا هي حزن و لا هي فرح هي بين ذاك و ذاك… من كل احساس اجتمع جزء فما عادت تدري اهو غصه اهو فرحه اهو ...اقرأ المزيد

القصر

Faculty of Veterinary, Idfina, Egypt

هل جربت يوما أن تحيا حياة الملوك؟ أعلم أن ذلك يبدو من أول وهلة كأنه حلم طفولي لطفل رأى قصصا كرتونيه عن الأمير الوسيم الذى تزوج البنت الجميلة وأخذها على فرسه الأبيض، ولكن هناك من عاش هذا الإحساس ولو للحظات، هناك فى القصر الملكى فى إدفينا حيث قصر من قصور الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان حتى أوائل الخمسينيات من القرن الماضى.

كانت تملؤنى أحلام وخيالات عظيمة وأنا طفل صغير أثناء زيارتى لأهل أمى فى إدفينا عن ذلك القصر الذى تحول إلى كلية للطب البيطرى. وكيف كنت أتخيل القصر من الداخل بأروقته وساحاته حتى أننى تخيلت للحظة بأن به كنوزًا مدفونة وحلمت كأى طفل بأننى سأكون ذلك البطل الذى يعثر على هذا الكنز.
اصطحبنى خالى وهو يعمل موظفا فى هذه الكلية أقصد القصر، ووقعت عينى على أول مشهد، تلك البوابة التى تقع فى ناحية بيوت الأهالى ومنها يبدو طريق محاذٍ للنيل ملئ بالأشجار، وأخذ قلبى ينبض فرحا وأنا أشعر أنى أمشى فى طريق مشى عليه يوما ملك، ملك حقيقى. ثم بعد عدة خطوات ظهر القصر، لم يكن فى البداية كما تخيلته ولكنه كان مهيبا ويبدو عليه أثر السنين وما مر عليه من أحداث وكأنه عروس جميل ...اقرأ المزيد

قهوة سوداء ومشاعر ملونة

Argana cafe and Yemaa el Fna square in Marrakesh

أعشق شرب القهوة السوداء… خاصة إذا كانت من النوع الجيد كالذي تقدمه مقهى (اركانة.).. مكان جميل كنت ارتاده أنا وزوجي كلما زرنا مدينة مراكش…منذ أيام خطوبتنا… مكان كنا نطل من شرفته على ساحة (جامع ألفنا) بصخبها وحركتها الذؤوبين…كما اطل منها على ذكريات جميلة جمعتني بعارف… كان يحب هذا المكان بل يعشقه لدرجة انه كتب عنه أكثر من مرة، اعد روبرتاجا عن مقاهي الساحة وخص (اركانة) بما يليق بها…. كما ذكرها في أكثر من قصة من قصصه التي أرخت لبعض من حبنا…

يومها جلسنا بركننا المفضل… وتمتعنا بمشاريبنا ودردشتنا ومرح طفلينا والمشهد البانورامي للساحة حيث الروائح والألوان والأصوات في امتزاج رائع وكيمياء آسرة…ولان زوجي يفضل ألا يدخن أمام الأطفال، فكرت في أن امنحه فرصة الجلوس وحده وذهبت معهم في جولة بدكاكين الساحة….

****************

أخرجت رواية “الكيميائي” وشرعت في القراءة، ثم أشعلت سيجارة وطفقت أدخن…. خلوة رائعة تحققت فيها أمور ايجابية كثيرة: الزوجة تتسوق سعيدة بمقتنياتها.. والأطفال فرحون بالفضاء الجديد وانا سعيد بسيجارتي وكتابي…. أتابع رحلة (سانتياغو) بحثا عن الحكمة وعن سر الحياة…

تمر الساعة الأولى على غيابهم … أحس ببعض الملل… اطلب قهوة أخرى وأدخن المزيد من السجائر… أحس بضيق شديد… لا اعرف له ...اقرأ المزيد

عروس الساحل الإفريقي

Le parc archéologique de Tipaza

تيبازة تلكم المدينة التي ترعانا، نعيش في كنف حنانها الدائم وسط الخير العائم، مدينتي غير كل المدن، سياحية بإمتياز، معطرة بعبق التاريخ، بسيطة في يومياتها بساطة فلاحيها، أثرية هي مدينتي التي سكنها الرومان يوما ليتركوا الأثر فيها إلى اليوم قائما.

ككل سنة أختار أحد الأصدقاء ليشاركني عطلتي الصيفية التي اقضيها في مدينة تيبازة أين اسكن أنا وأسرتي، وهذه السنة سيزورني شخص عزيز على قلبي من خارج الجزائر، تعرفت عليه خلال دورة الجزائر الكبرى للدراجات، رياضي سوري، أحب مدينتي خلال مرور القافلة بها وتعجب كثيرا لطبيعتها، فأردت دعوته ليتعرف أكثر عنها وعن طيب وكرم أهلها.

عمر الحلبي ضيفي العزيز سيبقى معنا أسبوعين فقط للأسف لأنه مرتبط كثيرا نظير مشاركاته الدولية الكثيرة فهو بطل سوري في رياضة الدراجات.

ونحن نتجول في أول أيام العطلة السعيدة بين أحضان الطبيعة قررنا زيارة اقرب مكان في مدينتي وهو الضريح الملكي الموريتاني، مكان أثري ترقد فيه كليوباترا سيليني زوجة يوبا الثاني وسط غابة منطقة سيدي راشد بتيبازة أين الطبيعة الخلابة في جبل هوائه منعش فهواء تيبازة يريح البال و ينعش الروح لننحدر بعدها إلى الساحل التيبازي الذي يشد انتباه زائريه من خلال ...اقرأ المزيد

هو أنت مسيحي

Benghazi, Libya

جلس نجيب أمام المحل يهش الذباب و القلق و الأفكار الملغمة التي لا تتوانى عن الانفجار واحدةً تلو الأخرى، كانت كلما يفرقع إحداها تتدحرج غيرها نحوه بقوة فيضربها و يتشبث بتنهيدة لعلها تكون خلاصه و لكن لا مناص …لا مناص قالها حين انتبه أن الخِناق بدأ يعزف مقطوعته الموسيقية على ضفاف طريق تسرب إليها الرعب.

قلوب مضطربة.. وجوه مكفهرة وعيون تائهة .. ترجل الشاب متجها نحو المحل حيا نجيب و سأله: ما الأخبار؟

-الحمد لله

-من اللي هنا دول و لا دول

-لا دول و لا دول

ضحك صاحبه الجالس في السيارة و قال بصوت عالٍ: نجيب مَالكُ المنطقة بلا منازع .. ابتسم نجيب و قال: هو أنا ناقص .. خرج الشاب حاملا علبة سجائر و قنينتي ماء و قال: ربي يستر يا نجيب.

ساد المكان الهدوء خلافا للأيام السابقة فازدادت حركة السيارات قليلا .. قالت الأم لابنتها: المهم موبايلك مش معاك .. أكدت الفتاة ذلك و عادت إلى ترديدها للأدعية .. قال أخوها بينما كان يتصل بنجيب: أريحينا و لا تكتبِ على الفيس بوك و الفايبر.. الوضع سيء وغير مفهوم .. أرادت الأم التأكيد على ما قاله ابنها إلا أنها صمتت ...اقرأ المزيد