وقف فلان مقابل زجاج الموبايل، ناظراً نحو جنح الليل، إطار ثلج أحاط الشارع المظلم. على ذمة موبايله. الكهرباء مقطوعة منذ أسابيع، و المتبقي من التكنولوجيا في منزله هو موبايله الذي كلفه ثلاثمئة دينار، راتبه الشهري. توجه الى المطبخ متبعاً الإنارة الرديئة من الشموع المترامية. داس على شمع ذاب لتوه، لعن الشمع و النيران، و ضحك على الموقف. قُل ما تشاء عن فلان لكنه يرى الفكاهة في كل شيء، عندما رأى زوجته تخونه و عندما شتمه ابنه وراء ظهره أمام الجميع، كل شيء مضحك بالنسبة لفلان. ضحك ثم لعن الكثير من الأشياء قبل وصوله الى الثلاجة التي لا تُبرِّد، ليلتقف زجاجة ماء لا تروي، ليطفأ عطشاً لا يُشبَع. ضحك عندما رأى انعكاسه على شاشة موبايله، و ضحك وجهه القبيح له، ثم كتب على موبايله ما حصل للتو. توجه الى غرفة النوم و أمسك كتابه المفضل، الكتاب المهترئ، توسده و شخصت عيناه أمام ضوء موبايله الساطع.
استيقظ أمام شاشة تلفاز معتمة حدقت به بلمحة من العتاب، مر طيف ابتسامة و وقف ليغلق التلفاز. عندما وصل اكتشف أنه لا داعي لذلك. طيف الابتسامة أمسى ضحكة، عويل أو صراخ، لشخص بارع في التمثيل يمثل دور المختل لا يجيد التمثيل و يحاول أن يلعب دور رجل طبيعي. فلان يعرف سوء حاله، و لكنه في الوقت ذاته لا يملك حيلة، كل شيء خارج عن سيطرته. الثلج يسقط من الأعلى، أوامر الحفر للشوارع من أعلى، زوجته امتطت الغريب من أعلى. حطت ذبابة على رأس فلان من أعلى و على الفور سقطت ميتة، التقط فلان صورة للحشرة ثم التقطها. حدّق بأعين الذبابة الكبيرة و أحس بأنها تراقبه، انتابه شعور غريب بأن كل شيء يراقبه، أهو الآخر الكبير اللاكاني أم الآخر العظيم الأر مارتيني، أم النظرة السارترية! كلا، بل هي مؤامرة أنجلوسكسصهيوماسوبسودوقوميخوانية، المؤامرة مركزها فلان و فلكها الكون. أكل الذبابة ليجرب طعمها، حيث رأى الكثيرين يأكلونها على موبايله، و للحظة أو لحظتين، لم يشعر بالوحدة.
توجه الى قبو ليطمأن على زوجته المغدورة، التي طُعِنت بعصاة السيلفي الخاصة بها. ضحك فلان، قهقه حتى طخطخ، أمسك بخاصره الأيسر و ارتمى على الأرضية الباردة ليكمل ثورة الضحك، هذه المرة كشخص مختل بارع بالتمثيل يحاول لعب دور ممثل جاد لم تعجبه النكتة. ضحك كأنما سمع نكتة، لا شيء مضحك في النكات. الواقع، على الجانب الآخر، مثير لأعتى صرعات ضحك، الواقع مليء بالأشخاص المملين و الأمور المحزنة و لذلك تماماً هو مضحك. توقف عن الضحك للحظات ليمسح دموع التي سالت تلقائياً عندما بالغ بالضحك.
ثم استمر بالضحك.
استيقظ فلان و موبايله يرتج بيده. سأله لماذا لا شيء على ما يرام؟ حصل على الإجابة ببساطة، و على المغزى مقشوراً، استاذ لقنه الدروس المستفادة، مذيع لقنه ردة الفعل المناسبة لأي مصيبة. هوامش أسفل الشاشة للمراجع و جُمل أعلاها لشرح المعنى. كل رابط يفضي لرابط. فلان اكتشف أنه على ما يرام، أن كل شيء على ما يرام. تباً لكل من يحاول أن يقول غير ذلك. لكن انتابه شيء من الشك. خرج ليلقي نظرة على العالم، وجد الشمس مشرقة و السماء صافية، لكن موبايله أخبره بأن هذا كله كذب. ضحك بصوت عالٍ و عاد أدراجه.
استيقظ ضاحكاً على خيبته.
ضحك فلان و لام الجميع إلا نفسه، فهو لا يخطئ.
حاول فلان أن يبكي لكنه انشغل بالضحك.
بقلم المؤلف سمير رميس