يا ذا النون عُذرًا.. استعجلتُ أمري فكان في التأخيرِ بعضُ الجزاء، ظللتُ أحسبُ الساعات بين حاضر ومستـقبل آت، فهمتُ رحلتك فانتابتني ضحكة ندم بطعم البـكاء، وضعـتُ آمالى على نار الغفلة مع طول الرجـاء، قلبتُ مع عقارب الساعة في استعجال واسترخاء، صاحبني جهلي عام بعد عامِ إلى أن أذن بما شاء، الأمسُ والغدأ، الليل والنهار بأمـرهِ كل لديك سـواء، تأدبتَ بالمعجزاتِ إلى أن أسعدت الأرض باللقاء، يا ابن متى: نُسبت إلى أمك وعيسى بن مريم البتول، عليكما السـلام من السـلامِ الحى القـــيوم، أُرسلت في نينوى إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدون، استعـجلت علـيهم وأســأت باللهِ الظُـنون، فذهــــبتَ مُغاضـبًا إلى قــدرك الـمحـتوم.
اسـتهم أهل السفينة ثلاث وأنت المقصود، أُلقيت في اليم وكنت من المُدحضين، فالتقـــمك الحـُــــــوت وأنت مُلــيم، سبحان من كان أمره بين الكاف والنون، أمر الحوت ألا يخدش لك لحمًا ولا يُهشم لك عظمًا، فأنت ليس له رزقًا لكن بطنه لك سجنًا، شق بك البحار حتى وصل إلى قاع القرار، سمعت تسبيح الدواب حتى حصى البحار، ظننت موتًا ثم أدركت حياة: حين بدأت رجلاك بالحراك سجدت في إنكسار، في ظلمات ثلاث قلت للمولى: سجدتُ لك في موضع لم يبلغه أحد من العالمين، “لا إله الا أنت سبـحانك إني كـنتُ من الظالمـين”، مكثتَ تسبح في بطن الحـوت إلى اليوم الأربعـين ثم نبذك بالعراء وأنت سقيم بأمر من أحكم الحاكمين.
ولولا أن كُنتَ من المُسبحين للبثت في بطن الحوت إلى يوم الدين.
أنبت الله على رأسك شجرة من يقطين، استظللت بها وكنتَ لثمرها من الآكلين، نجاك الله من الغم كذلك يُنجي المؤمنين، وعُدت إلى قومك فوجدتُهم كلهم مؤمنين.
ثمرة المعرفة هي: إقبالك على الله طوعًا في زمرة المحبين، “فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت” أدخل بها حظيرة الحقيـقة حكمة لا تموت. وأدرك أن فضل الصبرعلى التأخير يجلب القنوت. لكن بلا شكوى ومحلى بالسكوت، لأطلق روحي تسبح في فضاء الملكوت بلا ثقل ولا قيود لأجوب قاع البحار وأطير بين السحاب ثم أجنى الياقوت الموقوت.
بقلم المؤلفة يسرية سلامة