وصل إلى المرحلة النهائية للمسابقة الأدبية “ألف ليلة وصحوة”
قديما قالوا إن متاع الدنيا في ثلاث: الماء والخضرة والوجه الحسن.. وأنا أقول إنها تلاقت جميعها في مكان واحد يطلق (كورنيش النيل)..
كنت راغبًا في الالتقاء بها في الصباح الباكر عند ذلك المكان الذي عرف عنه بأنه ملتقى العاشقين منذ أن شاهدنا الدنيا بالمنظار الأبيض والأسود في أفلام الخمسينيات من القرن الماضي..
وعلى النقيض من عادتي اليومية.. فقد أردت أن أذهب إليها سيرًا على الأقدام كي لا أحرم عيني من متاع النظر إليها دون زجاج سيارتي..
وما إن وصلت إلى هناك في السابعة صباحًا.. حتى رأيتها قادمة بزيها الذهبي وحرارتها التي تلهب مشاعر المشتاق..
فما أجملك أيتها الشمس لحظة الشروق على ضفاف النيل.. حيث ترسلين آشعتك الذهبية لتصنع لآليء تضفي زرقة النيل روعة، محتضنة أوراق الشجر المتراخي على جانبيه في لوحة فريدة تزيد الأنفس تسبيحًا بعظمة البديع..
أمر بجانب سور الكورنيش.. فأشاهد على الجهة المقابلة برج القاهرة وهو يعطي تحية شموخ للشمس، متوسطًا مجموعة من المباني الراقية لأصحاب الملايين، ومقر النادي الأهلي عاصمة البطولات وبيت الإنجازات..
أشعر بحلقي وكأنه متحجرًا.. أرغب في كوب من الشاي ليروي ظمأي..
حرصت على تناوله من أحد البائعين الواقفين عند سور الكورنيش، مستمتعًا بمشاهدة سير (الحنطور) الذي لا يزال أحد المعالم الباقية من زمن الفن الجميل..
ومع حلول فترة الذروة، نظرت خلفي إلى طريق المواصلات فوجدته ممتلئًا بأساطيل من السيارات والحافلات العملاقة، لأعود بوجهي سريعًا إلى هدوء النيل وبهائه..
وبينما أنا سارح في تلك اللوحة الخلابة، تطلعت بعيني إلى الحافلات النيلية أو (الأتوبيس النهري)، وتذكرت تلك المرة الوحيدة التي اصطحبنا فيها والدي – رحمه الله – للتمتع بمنظر الدنيا وبسمات البشر بين أحضان شريان الحياة..
فإذا حان وقت الغروب.. رأيت الشمس تودع سماء المدينة من خلف البرج، ومع بزوغ القمر تضاء أنوار الحافلات لتبدأ معها الاحتفالات..
وتلألأت عيناي بتلك الألوان الزاهية التي تتزين بها جميع الحافلات الصغيرة والمراكب الكبيرة، والأنوار تتراقص مع الأنغام المبهجة على تلك المركبات ذات عبارات (على بركة الله)..
وصلت إلى كوبري قصر النيل، واستشعرت شموخ الأسدين الواقفين عند مدخله، وصبر هؤلاء الصيادين المصطفين عند سور الكوبري في انتظار قدوم الأسماك..
وفي المساء، شعرت ببعض التراخي.. فنزلت درجات سلم الكورنيش لأكون في ضيافة أحد البائعين لمشروب (حمص الشام) فأستمتع برؤية النيل الذي بات يسري أمام أطراف قدمي..
نظرت إلى يميني، فإذا بعروسين ينطلقان إلى حافلة نيلية، وأهلهما يزفاهما بالزغاريد والتهاني والورود.. فأدركت متى حرص ذلك الشاب الوسيم ذي البدلة الأنيقة والعروسة الحسناء ذات الفستان الأبيض كالقمر على أن يكون النيل شاهدًا على بداية حياتهما مع بعضهما البعض..
وفجأة مرت الساعات وانتهى اليوم دون أن أشعر به..
أشعر بالإعياء قليلا.. لابد من سيارة توصلني إلى بيتي..
ماذا ؟! إنها الواحدة بعد منتصف الليل ..
الشارع خالي ..
سأضطر للعودة سائرًا ..
ليتني أسكن على النيل..
المؤلف:
محمود خالد عبد الجواد تخرجت من كلية الإعلام جامعة القاهرة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف أجمل نعم الله علي هم ديني وأسرتي وحبي .للغة العربية أطمح للنجاح كفكرة وأتزود بالإيمان والتفكير خارج الصندوق