انتشر الخبر المُريب بسرعة البرق في أرجاء قرية تافوغالت الهادئة، و توالت ردود الفعل تجاه الحدث كسيل جارف. أكّد بعض الأشخاص الخبر بثقة كبيرة و دافعوا عنها باستماتة. بينما نفت مجموعة أخرى الخبر و أخذت تكذب و تتهم بلا هوادة.لكن هذه الأحداث كلها جعلتها حديث كل لسان! فبعد مجيئها منذ يومين فقط، أصبح الكل يتكلم عنها صغارا و كبارا! إنها المرأة العجوز التي حلت بالقرية في ظرف وجيز.قالوا أنها إنسانة طيبة تبيع الحظ بثمن بخس، لأنها تمنحك الكمية التي تريدها. كيف تفعل ذلك؟ لا أحد يعلم السر حتى الآن.
كانت تمشي بهدوء قرب إحدى المزارع الجميلة بالقرية، تحت أشعة الشمس الدافئة الذهبية.تلبس ثيابا رثة داكنة اللون و تحمل عقدا قديما في يدها، تنصت للعصافير مستمتعة بنسائم الربيع التي تهب. تلتفت يمنة ويسرة كأنها تبحث عن شيء ما. وجهها غريب و قد حفر الزمن عليه بحرية حتى مسح ملامحها تماما. أخذت تتجول بعصاها في المكان وعلى محياها ابتسامة خفيفة تخفي الكثير من الأسرار أو ربما ألما عميقا دفينا لا يعلمه أحد. تضرب بيدها في طبل صغير وتنادي بصوت متقطع: ” حظ للبيع يا اهل القرية !”
يلمحها أحد الشباب بسرعة فيجري نحوها، يوقفها و يترجاها بألم !فهو يريد بعض الحظ، ليتم قبول طلبه للزواج.كان الوضع صعبا بالنسبة للعجوز، و ما كاد يكمل الشاب حكايته حتى جاء رجل آخر، كان يبكي بقوة ويصرخ لأن أباه في غيبوبة وقد اقتربت لحظة موته. صرخ حزينا: “أريد القليل من الحظ، أرغب في التكلم مع أبي قبل أن يموت “!كان يحكي بشجن ويبكي بمرارة. وجاءت بعده امرأة أخرى تريد لابنها المسجون مزيدا من الحظ. طلبت من العجوز مساعدتها.امتزج كلامها بدموع دافئة حنونة و كان صوتها من أحزن الأصوات في الكون. اختفت الابتسامة من على وجه العجوز بالتدريج!لكنها سرعان ما استعادتها عندما تذكرت أمرا ما.
تحلق حولها العديد من الناس، توالت الحالات و المواقف. فهذا طفل يريد إنقاذ حيوانه الأليف، و تلك فتاة تريد النجاح في الدراسة وأخرى تريد الحظ للمشاركة في مسابقة القصص.اجتمع حولها كم هائل من الأشخاص البائسين.لم تتذمر العجوز إطلاقا بل كانت تسمعهم باهتمام و تبتسم، بل و تطمئنهم و تتمتم بكلمات غير مفهومة من حين لآخر. وفي الوقت ذاته بدت كأنها تقاوم حزنها بشدة، فقد كانت وجوههم شاحبة و كئيبة بشكل لا يطاق.الكل يستنجد بها، يبدو أنها الأمل الوحيد الذي بقي لهم. يتوسلون إليها بيأس رغم أن حقيقة الأمر لا زالت غامضة، إلا أنهم متشبثون بها. حتى لو كانوا يدركون في أعماقهم أنها نصابة أو محتالة دجالة. أصبحت هذه المرأة قبلة لليائسين و الفاشلين الذين لم يعد أمامهم إلا شراء الحظ لحل مشاكلهم أو ربما هم يقنعون أنفسهم بأنه الحل الوحيد المتبقي من أجل النجاح.
كانت متعاطفة مع الجميع لأنها تنصت لهم باهتمام. يوما بعد يوم، زادت مكانتها عند الناس و سما شأنها. حتى حصلت على غرفة إضافية في أحد المنازل وأصبح لديها زوار و تابعون دائمون.في البداية صدّقها بعض الجهلاء ووثقوا بقدراتها. أما اليوم فقد ذاع صيتها، حتى أضحى أعيان القرية و سادتها يزورنها بانتظام.
كنت طوال الوقت أراقب ما يجري و يدور من بعيد، حتى تأكدت أنها أدت دورها بالتمام و الكمال! لأرسلها بعد ذلك للقرية المجاورة.
بقلم المؤلف عبد الرحيم شراك