تاريخين مختلفين، شخصين مختلفين يتشاركان في 25% من جيناتهما، ساحة كبيرة تغير اسمها على مر الزمن، هي الأكبر في المدينة والأشهر، مقابلها يوجد مبنى تاريخي يعود لعصر ما قبل الإسلام، ومبنى أخر أحمر يعود يحتوي على تاريخ يعود لقبل الميلاد، قبل حتى أن يبدأ تسجيل التاريخ.
ولكن كل هذا لا يهم، فها هي سارة تقف هناك، تنتظر شخصا ليعطيها سيجارة، سيجارة حشيش، الحشيش ممنوع على الفتيات هنا، كذلك السيجارة العادية، التدخين ممنوع، قبل 40 سنة وقفت سارة هنا، ودخنت مع صديقاتها، كان مسموحا له في ذلك الوقت، كانت حانة أويا تقف مقابل سارة وخلفها يقع المبنيان التاريخيان، اختفت الحانة وبقيت المباني.
تستذكر سارة كلمات جدتها أثناء انتظارها، كان اسمها سارة أيضا، كانت الجدة تقول “اسمنا مميز.”
تتساءل سارة “لماذا؟”
“ليس له معنى عميق ولكنه منتشر في العالم، لا يخطئ أحد في نطقه، لا يخطئ أحد في كتابته، لا أحد يسخر منه، وهو اسم حديث في كل الأزمان، على الأقل حتى زمننا هذا، كذلك إن بحثت قليلا تجدين العظيمات ممن اسمهن سارة، أشعارا عن سارة، وأغاني كذلك، إنه اسم قد يعطيك بعض الشعور بالعظمة عندما تحتاجينها” تجيب سارة.
“لا أريد العظمة” تقول.
“الكل يريد العظمة، غير أن للعظمة معنى مختلف للجميع، البعض عظمته في العائلة، الأخر في الحياة الاجتماعية، أخرون في الثقافة، والبعض في العمل… البعض في سكره والبعض في يقظته”
“هل شربت حد الثمالة يوما؟” تسأل بصوت منخفض، تعلم أنه قد يكون محرجا.
تجيب بجرأة “لقد فعلت، مع رجل عجوز تركي، دخلت باحتشام لأويا، أول مرة أدخل فيها بار، كانت كل من تدخل بارا عاهرة، ولكنني ارتديت حجاب يغطي هويتي ودخلت، لاحظني الرجل العجوز فدعاني لكأس، هو احتاج للكلام وأنا احتجت لأشرب، حكى لي عن السرايا الحمراء، ما تحتويه، عن سبتيموس، ثم حكى عن الكحول والمخدرات، حكى عن عظمة الستينات. “ليتني كنت شابا في الستينات” قال. “زمن التحرر، كنت لأعاشر المزيد من النساء، أشرب المزيد، أحمل الكلام والأفكار بدل حمل السلاح، زجاجة تلتصق في يدي دائما، سيجار في اليد الأخرى، أكون ثوريا يوما وليبراليا يوما أخر، كلها أفكار ومفاهيم تتغير مع الزمن، لا تؤمني بأي منها، ولا تموتي لأجلها، عيشي لأجل المتعة ولأجل نفسك”
سارة لا تصدق كل ما تقوله جدتها، أحيانا تشعر أن هذا الخطاب لم يقله العجوز التركي، بل توجهه جدتها لها، بدت في وقفتها في ما يسمى الأن ميدان الشهداء وما كان سابقا الساحة الخضراء سخرية، ولكن في خيالها كانت هي من تخاطب العجوز، محادقة تافهة لا معنى لها ولكنها ساحرة، تأثير الكحول يجعلها كذلك.
سارة ماتت بعد ساعات، كان أخر ما فعلته في المستشفى المركزي بالعاصمة طرابلس هو تدخين ماريجوانا، أحضرتها لها ممرضة فليبنية لتجعل أعراض العلاج الكيماوي تختفي، سارة كانت واقفة في الساحة الخضراء مع جدتها والرجل العجوز يدخنون، يشربون نبيذ محلي الصنع ويتحدثون عن ما هو أهم من اللباس، يتحدثون عن الحياة، عن السريالية والفن، يكاد يبدو حقيقيا، ربما هي الجنة الموعودون بها.
صوت من بعيد أتى قائلا “كأسها فارغة أحضروا زجاجتين أويا.” أمسك كل منهما الزجاجة وقالا “نخب ليبيا والحياة.” ثم اختفى كل شيء.
بقلم المؤلفة صفية الطيف