الظلام والسكون یحیطان بذلك المنزل الرابد على ضفة بحیرة قارون..فى لیلة غاب فیھا القمر والتیار الكھربائى… مما أشاع جوا كئیبا من الرھبة .. أخذ یحدق من الشرفة فى المیاة الساكنة التى لا تعكس أى صور لما حولھا.. وقد أسدل الستار على كل المشاھد فى عقلھ سوى مشھد واحد.. مؤلم… ذلك الجانى ..الصغیر الكبیر..الجبان الشرس..الھش شدید البأس .. والذى یخشاه ..وبشدة لقد دمر ھذا الكائن حیاته كلھا .. غیر مسار سعادتھا إلى أحزان لا تنتھى… كان سببا فى قتل والده… نعم قتله بعد أن أصابھ بمرض عضال.. ولقد كان والده بالنسبة له ولإمه كل شئ … وبموته تزاحمت علیھما الدیون ..ولم یبق لھما سوى المنزل وبعض الأراضى المحیطة .. ولحقت أمھ بأبیھ بعد وقت قصیر .. ربما بعد مواجھة أخرى مع ذلك الكائن .. بذات الداء العضال.. وأدرك أنھ صار بمفرده فى المواجھة.. وفى أولى لیالیھ بعد موتھا..وبعد انصراف الأقربين ومعھم نظرات الشفقة تنعى والدیھ وشبابھ وعقلھ المختل وھو یحدثھم عن ذلك الكائن .. لا یھم … المھم أن علیھ أن یحمى نفسھ … اتخذ كل ما یمكنھ من احتیاطات .. بدخول اللیل سارع إلى غلق النوافذ.. أشاع فى المنزل سما علھ یفلح فى انھاك قوى المخلوق .. دلف إلى حجرتھ وأشاع فیھا مزیدا من السم .. كان یعلم أن ذلك السم ربما یؤثر علیھ أیضا ..ولكن لا وقت لسماع نصائح الأطباء.. أطفأ أى ضوء .. كان یعلم أن الكائن لا یعتمد على الضوء ..ولكنھا مجرد محاولة.. ارتمى على فراشھ وتدثر بغطائه الثقیل مع كونھا لیلة صیف خانقة ..ولكن ھذا یمكن احتماله .. لم یتمكن من النوم..وظل یترقب فى وجل ..مرھفا سمعه قدر طاقته..
الوقت یمر بطیئا .. الأفكار تتزاحم فى رأسھ وتحدثھ نفسھ أن الكائنات عدیدة وان سلم من احداھا لن یسلم من غیره..لكنھ یرید المواجھة لیكسر حاجز الخوف.. وتصبح مواجھتھم أمرا عادیا وسھلا.. وعند منتصف اللیل.. ومع دقات الساعة العتیقة فى البھو..سمع شیئا ما .. طنینا خافتا ..ربما كان واھما ..لكن لا ..انھ ھو .. یا لھ من ماكر ..كيف استطاع أن یخترق كل تلك الحصون ؟ وعلى الرغم من الھلع الذى أصابھ أدرك أن المواجھة صارت حتمیة .. حاول السیطرة على خوفھ حتى لا یشل تفكیره ..وبعد محاولات بدأ یھدئ من روعھ بعد أن تذكر والدیھ.. وفى عنت وضع عقلھ المرتبك الخطة ..واتخذ جسده المرتعش أھبتھ كى ینفذھا.. شعر بالمخلوق یحوم حول جسده وكأنھ یتخیر مكانا مناسبا یوجھ الیھ ضربتھ ولا یأبھ بالغطاء الثقیل.. وراح الصوت المخیف یقترب ..وعلى الرغم منھ أخرج رأسھ الرابض تحت الغطاء لینظر ..ورآه ..على الرغم من الظلام الشدید رآه یقترب.. قاوم تلك الصرخة التى تصاعدت إلى حلقھ وظل ساكنا حتى عندما رأى ذلك المخلوق یدفع بنابھ الطویل متجھا إلى عنقھ ..كى یمتص دماءه فى تلذذ .. وبمجرد أن شعر به یلامس بشرتھ انسلت یده لتأخذ طریقھا من تحت الغطاء الثقیل إلى أعلى ثم إلى أسفل فى سرعة البرق … و …تسحق المخلوق سحقا … فى ضربة قویة ماحقھ آلمته كثیرا.. ولكنھا نجحت وعلى الرغم الألم والدموع والعرق…كانت سعادتھ غامرة.. فلقد انتصر على خوفه .. واقتص لأبیھ وأمھ من القاتل …. وأحس بالنشوة وھو یزیح عنھ حطام تلك البعوضة الضخمة.. ویلقى بالغطاء الثقیل بعیدا … لینام بعمق …وأمان ..
المؤلف، حاتم محمد السيد عبدالله:
تاريخ الميلاد :1/1/1976م.
الدكتوراة فى الحقوق (الشريعة الإسلامية والقانون العام) .
عضو رابطة الأدب الحديث بالقاهرة .
صاحب ديون (حكايا هذا الزمان) المنشور عام 2005م ، ونثريات فى دواوين وقصص وصحف.