رائحة الأرواح تحتضر

Port of Tipasa, Algeria

تجتاحني انتفاضة لأجدك، فمنذ شهر لم أسمع عنك خبرا ولا قيلا، هاتفك مغلق ورسائلي لا يُردّ عليها، أوقظ أمّي باكرا أسألها عنك، فتنعتني بالجنون والحمق وتحذّرني أن أعود إليها، أقلّب دفاتري علّني أجد بعض الكلمات تأخذني إليك، أشمّ عطرك الأخير يسلبني إليك فجأة فلا تخبّئه قاروة ولا قطعة ثياب!، يسحقني الحنين إلى سخافاتنا وجنوننا، آخر أمل لي أن أجدك في ألبوم صوري، فعلا وجدتك….لكن… أيّ هراء أن أراك ولا تتكلّم!

لأنّني لم أعد أجدك حقّا، عزمت أن أعود إلى مدينتنا القديمة، فكيف يمضي العالم ولا يلتفت لنا، أرغب في توقيف الكرة الأرضيّة لأنزل منها علّني أجدك في عالم غير هذا العالم الأنانيّ الّذي لا يكترث لنا، أسمعك تهمس لي، غير قادر على الضّجيج متألمّا، قد تكون على الأرض أو في السّماء، أو ربّما بين الأنجم، أو على مدار الجدي أو السرطان، من يدري فربّما عند دوائر الأجرام البعيدة عنّا، أو عند كوابيسنا القريبة من هنا، الّتي لا تفصلنا عنها سوى يقظة، من يدري أنّك لست على خط غرينيتش، أعرف أنّني أسمعك، لكن كيف أجدك؟ أسمعك تلفظ كلمات لا أفهمها، لا تُفسّر إلّا جنونا، أتحمّل عناء البحث عنك، فأيّ جُرم بشري ارتُكب في حقّك جعلك تفر إلى أيّ جِرم فلكيّ لا أعلمه، وأنا الّذي الصداع يزدجرني عن نفسي، أحاول أن أنقشع منّي إليك لعلي أجد شيئا غير اللاشيء، حقّا عييت، فمتى ستخرس عنّي لأراك، أحسّ بي، أشعر بي، ألا تراني منتفضا لأجلك، أبحث عنك في هذا الصّباح الّذي لا يختلف عن تلك الصباحات العجفاء، الّتي لا تلبث إشراقتها أن تشرق إلّا أن ترسل نسائم الصباح تغتالنا، تخطفنا من هنا إلى حيث لا ندري، تنزعنا من روحنا إلى روحنا الثانية، فنتنبّأ بقسوة نعيشها يومها، نشعر شعورا غير الشعور، وزمانا غير الزمان، إلى هناك تنتهي كل معجزات الكون وتسقط كل نظريات الإنسانيّة حين لا أحد يلتفت لمتألّم مثلي يحتسي هزائم المعاناة، يأخذني غيابك حيث لا شيء سوى النّحيب وليل سرمدي لا يُسمع فيه صوت الصراصير حتّى! تُسمع فيه نار تلحف نارها، وأزيز النفوس تغلي، كيفما يسمّى المتعذّب في همّه الّذي يستغرقه وحده، وكيفما الصفات تتعذب فيه، فعذاب الذي لا يُشعر به، ولا تَمسح على رأسه الأكف، فتخلجه الصدمة وتُدميه، لا مسمّى لحاله الذي يورثه الحزن أزمنة.

عند الميناء البحري لمدينة تيبازة، على حافة الماء الهادئ غير المعتاد، امتطيت قاربا أرقب منه المكان، فوجدته لم يعد جمـيلا، حتّى أشعة الشمس تحمل أشعّة غير الحقيقة، تدلّي خيوطا ضوئية تخدع الأبصار بيوم دافئ، فلا يعرف السكون إلا من يعرف العاصفة، كنت أنسى الكون لأستغرق في حزني أكثر، وأمارس طقوس الصباح كيفما أرادها، فلفت انتباهي صوت رجل أعرفه يناديني “لا تقسو على نفسك أكثر، إمنح نفسك الراحة تجدها” ثمّ جالسني يواسيني حتّى علمت منه أنّني لن أجدك أبدا…نسائم الصباح لا تكذب!

 

بقلم المؤلف عبد الجبار دبوشة

اختر مغامرتك

تركتني،

أ) وأُصبت بالجنون، لم يعد لأي شيء معنى في حياتي.

ب) أسأل الله أن يعجل برحيلي من هذه الحياة.