أبيلا التاريخ

img-20141223-wa0005

في يوم من أيام الربيع الأردني الجذاب، قادنا الشوق إلى منطقة مجاورة، قد غصت بأنواع النباتات الربيعية المزهرة الجذابة الزاهية، جلسنا قبالة منطقة أثرية لا أجمل ولا أروع، أخذني التفكير بعيدا غاص في أعماق تاريخ وجغرافية الأرض، وقد مر عليها آلاف السنين لا بل ملايين، استوطنتها شعوب مختلفة وكثيرة. واستذكرت أيضا بصفتي مدير مدرسة سابق، استضافت في الثمانينيات من القرن الماضي، فريق آثار أمريكي مدة شهرين كل سنة بعد سنة طيلة عقد، كانت مهمته أن اكتشف ما نشاهده الآن من آثار وفسيفساء وكنائس.
أبى من كان معي إلا أن يذهب إلى أرض الواقع، ويلاحظ بعينيه هذه الجهود العملاقة التي بنت الكنائس والمغاور والكهوف، فضلا عن الجسر أعجوبة في البناء الهندسي الدقيق، الذي يربط بين الجبلين، التي تقبع على سفحيهما أبيلا (قويلبة).
وصلْنا بعد أن قطعنا الطريق مع قليل من التعب وقلوبنا وعيوننا مشدودة نحو المنطقة، التي تنبئ عن حضارة بيزنطية قديمة كانت مزدهرة. تسمّرت عيوننا، وذُهلنا عندما أدركنا ضخامة الأعمدة ودقة صنعها، ووقفنا كأن على رؤوسنا الطير لهول ما رأينا. حقا إنها مدينة وتستحق أن تكتشف وتستحق أن يزورها كل من يرغب قراءة التاريخ من خلال عيون هذه المدينة الماثلة.
تعاقب الجميع على لمس الأعمدة والاستمتاع بمنظرها الخلاب الجذاب، وأكثروا من التقاط الصور التذكارية لكل معلَم من معالمها. ومضت الساعات ولم نشعر بمضي الوقت. أدركنا بعدها أن الجوع قد أصاب منا، فجلسنا قليلا، بعدها قمنا بإعداد طعام الغداء المتأخر، وكان اللحم المشوي غداءنا في ربوع هذه المدينة، فكل منا شارك في تهيئة الأدوات، فمنهم من جهز اللحم ومنهم من جهز النار ومنهم من جهز المرفقات كالشراب والعصير والتسالي وغيرها، ومنهم من جهز نفسه لتناول الطعام، وانتهت الرحلة الاجتماعية التاريخية، وفي ذهني فضول التعرف إلى هذه المدينة وتاريخها القديم.
وبعد أن انتهينا من تناول غدائنا، بدأنا رحلة العودة، نسير على الجسر الحجري الذي يربط بين سفحي الجبلين اللذين تتكون منهما مدينة أبيلا (قويلبة) الأثرية، وعيوننا تتمتع بجمال المنظر، منظر أشجار الرمان والزيتون التي تكسو المنطقة، وأبى الجميع إلا أن نعرج نحو المقابر الأثرية المحفورة بالصخر والأسرجة والتماثيل واللوحات الفسيفسائية والرسومات المنقوشة على جدران الكهوف وسقوفها. ومما يلفت الانتباه ويُشعرك بعراقة المكان، وجود كنيسة (أم العمد) التي تشبه إلى حد كبير كنيسة المهد وكنيسة القيامة في فلسطين. بالإضافة إلى وجود أطول نفق مائي مكتشف على مر الحضارات القديمة والذي يبلغ طوله نحو المئة وأربعين كيلو مترا يتصل بهذه المدينة الأثرية. وبعد هذه الرحلة التاريخية، كان لابد لنا من رشفة ماء تروي عطشنا من عين قويلبة ذات المياه العذبة، والتي ما زالت تنبع إلى يومنا هذا لتروي الأشجار والمزروعات، فتكتسي المنطقة بألوان الربيع الزاهية.

تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ

 

بقلم المؤلف ابراهيم مصطفى العبد الله

اختر مغامرتك

حمدا لله على وجود علماء الآثار الأمريكيين بين ظهرانينا.

أ) فهم موهوبون بشكل اسثنائي في إنقاذ ذاكرتنا الجماعية من الوقوع في دائرة النسيان.

ب) يبدو أنهم حريصون على تجميل المواقع الأثرية لإرضاء السياح وجذبهم.