كان يجلس سامى فى حديقة الجزيرة المجاورة لدار الأوبرا المصرية حيث كانت تطل الحديقة على نهر النيل ويرى من حوله المبانى العالية والمراكب العائمة التى تنير ظلام النيل الهادئ فى الليل بألوانا زرقاء وكان يسمع الموسيقى الصاخبة التى يعلو بها أصحاب المراكب فى رحلاتهم النيلية القصيرة التى كانت تطوف بالسائحين وأبناء هذا النيل لتنسيهم الام حياتهم اليومية لمدة لا تزيد عن نصف ساعة ثم تعود بهم الى كأبة الحياة مرة أخرى ولكن سامى لم يكن يستمع الى موسيقاهم لقد كان له موسيقاه الخاصة التى يسمعها من على الأنترنت فأنه عالم يأخذك من عالمك الحقيقى الذى يجبرك أن تسمع وأن تكتب وتعمل وتتعلم مثلما هو يريد ولكن العكس تماما فى هذا العالم السحرى الذى تختار أنت أى طريق تحب تمشى فيه أى مكان تحب أن تستمتع فيه بوقتك أى موسيقى تحب أن تستمع لها لقد كان سامى يختار أقرب الأماكن هدوء وأرتياحا الى النيل ويستمع الى موسيقاه ويشرب شئ ثم ينصرف الى حياته مرة أخرى وفى مرة من مرات جلوسه الطويل فى هذا المكان حدث ما كان يتمناه قد سمع ضحكات تأتى ...اقرأ المزيد
البقرة
قال كبيرهم، شيخ القرية: بعد غد سيزور قريتنا وفد حكومي رفيع المستوى، لتصل جراحنا إلى مراكز القرار، سنستقبلهم استقبالا عظيما لم تشهد القرية مثله من قبل، ستذبح بقرة فاقع اللون تسر الناظرين على شرفهم …
فقال سفيه القرية: وأين البقرة يا شيخنا العظيم؟
سؤال وجيه، أنت أعقل من هؤلاء الرجال المعطوبين والمغضوب عليهم
وبعد أن فكر قليلا، لمح عجوزا تقاوم عقبة القرية وحمارها الذي ورثته من زوجها العقيم …
فقال بصوت مرتفع على شاكلة أرخميدس: نعم .. وجدتها، وجدتها، وجدتها …
عجوز القرية المسنة، تملك بقرة وهي الوحيدة، سنطلب منها أن تهبها لنا هدية وليمة دسمة للضيوف الكرام…
وقال السفيه: وإن إمتنعت على ذلك ..
وأنت مافائدتك هنا؟ ستتكلف بالمهمة، وإن شاع الخبر بين القرى، فما يقولون إلا سفيها إبن السفيه سرق بقرة فاقع اللون من عجوز القرية ..
سمعا وطاعة أيها الشيخ العظيم
وبعد أن إنتهى مجلس القرية، قصد الشيخ الهرم العجوز وهي لم تنال قسطا من الراحة بعد عمل شاق في الحقول ..
طرق الباب لتفتحه وتجد الشيخ يوسوس في خياله المكر…
وبعد تحية، قرأت فيها ملامح الغدر، وقال لها: “كيو “، بعد غد سيزورنا وفد حكومي رفيع ...اقرأ المزيد
الغريب
مع ضرب أول معول في حفر قناة السويس بدأت قصة مدينتي، وعرف المصريون والأجانب طريقهم إليها، كما عرفوا طريقهم إلى الحياة فيها والموت على أرضها..
في أقصى نقطة غرب المدينة وعند مدخل شاطئ “الجميل” تُقابلك بوابات مقابر مدينة “بورسعيد” القديمة وهى على الترتيب: الكومنولث، الكاثوليك، الأرثوذكس، يليهم خمس بوابات لمقابر المسلمين، بخلاف خمس بوابات أخرى أُنشئت حديثا بالقرب من “عزبة أبو عوف” على أطراف المدينة ..
في خطوتي الأولى داخل مقابر الأجانب، وعلى أول ضريح فيها التقيت بسطور شعرية رهيفة مجللة بالحزن: ابني الحبيب/ أرقد بسلام/ تحت هذه الأرض الغريبة/ بعيداً جداً/ عن أحبائك/ الذين يبكون من أجلك .. وهى سطور مرسلة إلى الرقيب J . R marchello من والده، بعد أن ودع حياته خلال الحرب العالمية الثانية ..
في خطوتي الثانية زالت عنى رهبة الموت ووحشته وشعرت بجلال لحظة غروب حياة الإنسان الأسين، فالمقابر أقرب إلى واحة هادئة وسط ضجيج الحياة حولها، ومغطاة عن آخرها بالأعشاب الخضراء المهذبة والمنسقة تنسيقاً خاصاً وبديعاً، وتتوزع الورود بين الأضرحة كرسائل حب معطرة إلى المحاربين القدامى الذين لقوا حتفهم في الحربين العالميتين ..
ومن باب حديدي صغير دلفت إلى مقبرة ...اقرأ المزيد
أبي و(كورنيش المنصورة)
لم يكن وقتها في ذلك المساء الثمانيني هو نفس الرجل ضيق الصدر، غليظ الصوت، صارم النظرة بل كان رجلاً مختلفاً .. كان شخصاً يليق بكورنيش نيل (المنصورة) في مساء الثمانينيات .. حتى وأنت طفل في الابتدائي يمكنك أن ترصد هذا التغيير الذي قد أن يطرأ على أبيك في لحظة غير متوقعة .. ربما تشعر حتى بقدر من الغربة المفاجئة بينك وبينه .. نعم .. لم يكن هو أبي التقليدي ذلك الذي كنت أسير في صحبته بخطوات متمهلة، تتخللها أوقات وقوف تسمح بتركيز البصر على الجانب الآخر من النهر .. أسمع صوتا غير مألوف يخرج من بين شفتيه: (هذا هو جامع “البنا”) .. انظر حيث أشارت عيناه .. قبة يتوهج اخضرارها بخفوت مهيب وسط الظلام الذي يحتوي هذا الجزء من (طلخا) .. كان صوته هادئاً، وذلك ما يفسر شعوري بعدم اعتياده .. لكنه لم يكن مجرد صوت هادىء فحسب .. كان فائضاً كذلك بمزيج ساحر من البهجة والحزن .. صوت يحتفل بالحنين كما يجب .. كنت أنصت بشغف طوال الوقت لأبي وهو يحكي لي عن هذا الجامع وعن النيل الذي كان يمتد اتساعه ...اقرأ المزيد
“أم جحش”
كأي عامل بوفيه اتبع أوامر مديري ذو الكرش الذي يبدو للناظرين وكأنه قد اصيب بمرض خبيث، يتبعني كظلي مع أن الظل احياناً يكلّ مللاً من شقاء صاحبه ذهاباً واياباً، احمل علي عاتقي عشرات الأطباق من بهو المطعم فور انتهاء الزبائن متجهاً لساحة الغسل البدائية والخالية من كل أدوات التعقيم والغسالات التي توفر الجهد والوقت
تباً لهؤلاء … وأظل ارددها مقترنة بعبارة سحقاً وكل العبارات البذيئة طبقاً طبقاً بين اناملي التي اهترأت بلا مقابل يسدّ شظف العيش أو يدفعني لتحمّل ضجر المدير الذي يوسعني سباباً دون سبب وتأففاً يتبعه أطالة الأيدي أحياناً ان رءاني قد تسللت الي المطبخ الكبير المنفصل عن ساحة الغسل، تباً لهؤلاء … يستكثرون علي مرمطون المطعم وجبة دسمه تعيد بناء طاقته وتشدّ أوردة جسده التي لم تري مذاق الأسترخاء!
………….. – – – – ……………….
“أم جحش”، صاحبة المطعم الشهير بدعايته التي تشغر الشاشات الاعلانيه بميادين القاهره هي الوحيدة التي التمس عطفها وقت زيارتها الأسبوعيه لمباشرة أمور الأدارة والمستحقات الماليه، تمنحني نفحاتها بما يكفيني واسرتي ويذيد، وتظل زوجتي تدعو لها وصغاري يرددون من خلفها وهم يتعثرون مضغا بما لذّ ...اقرأ المزيد
إدنو من القمر
في سَنَةِ 1948 بَدَأًتْ قِصَةُ حزني وشتاتي، بَينما كنتُ أجلسُ أنا وأطفالي أمامَ المِدفئةِ نحتسي الشايَّ لنشعُرَ بالدفءِ، دقَّ أحدٌ البابَ بقوةٍ لدرجةِ أنني ظَنَنتُ أنَّهُ سَيُكْسَرْ فَدَخَلَتْ زوجتي وأولادي واخْتَبَؤُوا ثمَّ فتَحتُ البابَ فإذا همْ جماعةٌ من الجيشِ الصهيونيّ وقبلَ أنْ أفتح فمي لأسئلهم عن مبتغاهمْ أمرني أحدُ الجنودِ المتكلمينَ بالعربيةِ بإخلاءِ المنزل، حينها كادَ نبضُ قلبي أنْ يَقفْ فماذا سأقولُ لأولادي؟ إلى أينَ سنذهب؟
أخبرتُ زوجَتي بالأمرْ فبَدَأتْ الدموعُ تُذرَفْ …والشيءُ الوحيدُ الذي استطعتُ فِعْلَهُ في تلكَ اللحظةِ أنْ أطبطب على كَتفها وأقولَ لها صبرَاً يا أمَّ جهادْ فبإذنِ اللهِ نحنُ عائِدون.
لمْ يكُنْ هُناكَ مُتسَعٌ منَ الوقتِ لنأخذَ كلَّ حاجاتِنا فأخذنا الأشياءَ الضَّروريةَ فقطْ، وسألني ابني جهاد -الذي يبلغ من العمر سبع سنوات- أبي هلْ آخذُ كلَّ ملابسي؟
فرَدَدْتُ عَلَيْهِ: لا يا بنيْ، فَكُلُّها يومَينِ وسنرجعُ بإذنِ الله.
خرجنا منَ البيّتِ في الظلامِ الحالكْ ولمْ يكنْ هناكَ مكانٌ نأويْ إليهْ فبتنا في العراءْ ليّلَتَها وفي الصّباح هاجرنا إلى سوريا بصعوبةٍ بعدَ ما صارَعنا الثُّلوج وأصيبَ أولادي بالمَرَضِ نتيجةَ البردِ الشديدْ، ثُمَّ استقرَّيْنا في مخيمِ اليرموكِ، وسكنتُ أنا و أطفالي في غرفةٍ اقترب سَقْفُها منَ الانهيارِ ...اقرأ المزيد
عندما قامت الثورة فى قريتنا!
فى قريتنا، كل شئ منظم وموضوع فى مكانه، النهر، الأشجار، البيوت الريفية القديمة، كل جزء يكمّل الآخر لتكتمل اللوحة المبهرة، سرب من طيور الحسون يعزف أعذب ألحانه ويتناقل بين الأغصان مع انفاس الفجر، فيستنشق شذاها عبير الرياحين، ووريقات الشجر التى تلحفت بقطرات الندى، لا أتصور أنه بإمكان أمهر الفنانين أن يجمع هذا المكان المذهل فى لوحة!
كل شئ فى المكان كان هادئاً مثل هدوء الصمت، بل إن للصمت ضجيج وانا لا أذكر أن سمعت ضجيجاً فى هذه الجنة الأرضية، كانت الأشجار أيضا تعيش فى هدوء شأنها شأن أهل القرية، ولم يُفسد هدوء هذه الأشجار سوى أطفال قاموا بقطع أفرعها الصغيرة لصنع طائراتهم الورقية
لاحقا، هبت علي رياح متربة قوية، فاقتلعتنى من خيالاتى، سرعان ما جاء رجال غرباء لم ألحظهم من قبل هنا، وجدتهم يشرعون فى قطع بعض الأشجار الكبيرة، يعاونهم فى ذلك بعض الفلاحين من اهل القرية، قاموا بحمل الأشجار الصريعة على ناقلة كبيرة ثم انطلقوا بعد أن أعطوا الفلاحين شيئاً يبدو أنه مال، بل هو المال فعلاً، فقدت سمعت أحدهم عندما إقتربت منهم يقول: “كان المفروض يدونا مية جنيه كمان”، ...اقرأ المزيد
الحلم المقدس
صوت الطلقات المتتالية تدوي كالرعد… الحرارة الحارقة تجتاح كل شيئ.. والرياح تبعثر الرمال.. في مشهد كابوسي في تلك البقعة من سيناء، نقطة حراسة بجنوب الشيخ زويد.. الأكياس الرملية تحوط المبني الصغير كحصن.. في قلب المبني الصغير تسمع صوت اللهاث والأنين المكتوم.. تقترب فتري الجندي الهزيل المكوم ممسكا ببطنه والدماء تغرق سترته ويده وأخذت تقطر علي الملاط المترب.. زميل هزيل آخر متكوم بجواره فاقد الحياة.. ونصف جمجمتة مفقود غارق في بركة اللون الأحمر المرعب.. نظر المصاب برعب وتساؤل للضابط الشاب الذي رقد منبطحا امامه يعصر بكفيه بندقيته الآلية برعب كانه يحلب منها الأمان…انهمرت دفعة اخري من الرصاصات تطايرت لها الشظايا الأسمنتية عليهم كمطر من الجحيم…فهتف الجندي المصاب بصراخ امتزج فيه الألم بالخوف.. فصرخ الضابط الشاب بفحيح مكتوم:
– تماسك ايها الجندي.. هم مجرد جرذين يطلقون النار من فوق التبة ..تماسك ..امسك بندقيتك وتعامل مع الهدف
غلبه القهر والألم فقال بين دموع وشهيق:
– لا استطيع يا سيدي سامحني..سأموت ككلب شوارع دون ثمن..
زحف الضابظ الشاب بسرعة تزامنت مع ثلاثة طلقات انطلقت نحوهم.. وأقترب حتي صارت انفاسه تلفح وجه الجندي ثم ...اقرأ المزيد
حكاية باتر
هناك بين الممرّات الضّيقة و في أثناء اكتظاظ الأزقّة والشّوارع يجرّ عربَته الممتلئة بأنواع الكعك المخبوز بعناية، يمَضي مع عربته النّاطقة بتفاصيل خفيّة تشي بذكريات مفعمة بطعم اللّذة والكفاح، ينطلقُ كلّ فجرٍ ليلتقط رزقه المبعثر في أحياء المدينة الحالمة، ويدفع عربته المغطّاة بناموسيّة صغيرة متّجهاً نحو سوق البخاريّة القابع في وسط البلد بعمّان.
يقضي أبو باتر ذو السّتين عاماً نهاره بابتهاج يزيّن قَسمات وجهه الذي بدت عليه آثار الكدّ، ويطالع من يقابله بابتسامة عريضةٍ تُفصِح عن البهجة والرّضا، يتنقّل في جنبات السّوق الواسع الذي يروي حكايات تمازج حضاريّ حيث تنتشر المحلاّت المزيّنة بالمنسوجات القديمة، والمطرّزات الزّاهية، والتّحف النّادرة.
هكذا يمضي أبو باتر نهاره متنقّلاً هنا وهناك، مترنّماً بألطف العبارات: (يلا يلا الي بدو يفطر ويروق ..يجي من هالكعك يذوق) (اترك الي بايدك وسيبو … كلّ واحد يجي يآخذ نصيبو) (يلا تعالي يا تولاي هالكعك بدو أطيب كاسة شاي) فتهيم الأمّهات بأطفالهن ويقبلن لشراء قطع الكعك المخبوزة باحتراف.
يتعمّد الرّجل السّتينيّ الوقوف أمام دكان الأنتيكة لينتهز فرصة القاء التحية للعمّ كامل الذي سرعان ما يبتسم ابتسامةً عريضةً ويردّ التّحيّة بصوته الحادّ: أهلاً أبو باتر طيّب ...اقرأ المزيد
وأخيراً
كم تعرقل بقدمَي “ختيار” متمدّد على الرصيف، لكنه لم يجادله يوماً، فكلّ عرقلة تسبقها حالةٌ تستوجب الرّكض، والنّشل خفّةٌ وتَخَفٍّ، تسانده الحطّة التي تغطّي المنتصف السفلي لوجهه على ذلك. الحقّ على “الختيار”، الذي بدا أنه يعشق كلّ شبر في وسط البلد بعمّان، فلم يلتزم برصيف ثابت حتى يحفظ “عاهد” مكاناً له.
يسترزق من الشحادة، وهي تتطلّب الخفة أيضاً، فتجده في سوق الخضرة يخفي وجهه المليء بحروق الشمس تحت طاقية لمّا ينام، أو يفترش أرضية المدرّج الروماني وشبابيك سوداء تطل من بين أسنانه لما يضحك، وقلّما كان يفعل، إلا إن تعلّق الأمر بسائحة أجنبية ترطن بوجه أحد ممن يعاكسونها.
نشلٌ وقمار وفرض خاوات، هكذا عهدت الناس “عاهد”، فحاروا في السبب الذي جعله يؤوي “الختيار” في بيته، حتى أن مكائد جميلة، زوجته، في التخلّص منه باءت بالفشل، فتَقبّلته أمراً واقعاً، لم يزاحمهما على شيء، فالمطبخ مُستقرُّه، لكنه يكشف الغرفة المجاورة والوحيدة من بابه المخلوع، فاهتدت وعشيقَها إلى وضعِ ستارٍ رفعَ ذراعيه في منتصف الغرفة، وغالباً لم ينسيا إسدالها.
يعرف عن العشيق، ويراه في تقلب وجه الختيار كلما عاد للبيت مساءً، لكنه لا يجرؤ على المواجهة؛ يتخيّلها.. تتخصّر وشفتاها تتحركان كأن صعقة كهربائيّة أصابتهما، ...اقرأ المزيد