في أعالي جبل المقطم القديم، ومن خلفه جبل الدويقة، كانت تستتر بيوتنا، وكثيرا منها ما يحتمي بصخرة هائلة..
نقطن في منطقة تسمى المعدّسة، تلقى في بطنها أوساخ الناس ونفاياتهم في زرايب منشية ناصر..
كأجراس الكنائس الآذنة بموعد صلاة مقدس كان يقرعنا الفجر، وتلقي لساعات خيوط الصبح نداها على جلود أجسادنا الساخنة من عناء التيه في صحراء النوم، نركد مهللين كصفار ضوء شحيح في العتمة، نطل على العالم النائم من أعالي جبالنا، نهبط عليهم كلصوص الليل نسرق قذارتهم، ننحدر من طريق وعرة مهدناها بخطى العادة، في صفوف نعتلي عرباتنا ذات الصناديق الخشبية، تسوقنا حميرنا المقروحة على أزيز احتكاك أخشابها، تجرّنا الحمير على خطواتها المنغومة التي وكأنها لا تبغي التقدم بقدر ما تستحلي إيقاع النغم، الذي يخرس أصواتنا المتعالية ونخفت في إنصات، لتوقظ فينا صوت سكون الوجوم بداخلنا فيغلبنا النعاس، نرتسم على كبد الجبل شرايين متجلّطة سوداء في وجه الزمان..
كنا غلمان خرجنا لخدمة سيدنا لقمان، ذلك الثري الذي تحكي عنه الأساطير القديمة، حقا لم نره ولكنا جميعنا رأيناه في المعلم شفيق..
سخر مني وليم عندما حدثته عن قصته، غير مصدق أن يكون هناك رجل في هذا الثراء، ضحك وضربني على ...اقرأ المزيد
أنـاس
البليدة مدينتي: باب وطني
لم يكن سهلا على وسيم الوصول إلى مهد أجداده وهو لا يعرف عنها إلا القليل لكن تعرفه على سمير جعله يشعر بالأمل بذلك، كان وسيم شابا بالعشرين من عمره أما سمير فكان بالثلاثين.
مدينة البليدة هي مدينة عُرفت قديما أنها مدججة بالورود فلم يكن من سمير إلا أن طلب من وسيم الاستفسار عند صانعي العطور ومن أين لهم بأفضل ورود. بدأت رحلته بشوارع باريس وهو يسأل عن مصدر الورود والأزهار التي يتم استخلاص الروائح الزكية منها إلى أن زار عطارا اشترط عليه العمل لديه لمدة شهر بأكمله دون انقطاع كي يوصله بنهاية المطاف إلى مدينته، فكان له ذلك وهو يجر قدميه كل فجر إلى أن تغيب الشمس وبعد أن اكتمل الشهر أخلف العطار بوعده وتنكر لمساعدة وسيم الذي اشتد حنقه عليه وارتفع صوتهما إلى أن سمع أهل المدينة بقصة وسيم وشوقه إلى التعرف على مدينة أجداده ومن خلال سرده لكل ما يعرفه عنها دله أحد المشايخ للمدينة إلى مكان تم سقوطه منذ قرون وقال له الأندلس هي المدينة التي تبحث عنها فقد عُرفت بالورود والبساتين وكل الروائح العطرة لقد بناها المسلمون بالماضي وأكثروا من الأزهار بكل أنواعها.
توجه وسيم إلى هناك شاما ...اقرأ المزيد
نشر في مجلة “سكون”
يسر فريق القصص العربية أن يعلن أن المجلة الأدبية المرموقة “سكون” نشرت النسخة الإنجليزية لقصة الفائز في المسابقة الأدبية “ألف ليلة وصحوة.”
“سكون” هي مجلة أدبية مستقلة تنشر على الانترنت باللغة الإنجليزية مرتين كل سنة حيث تتناول مواضيع تخص العالم العربي. تهتم مجلة “سكون” بنشر مجموعة من الأعمال الجديدة التي تضم الشعر، والقصص القصيرة، والمقالات الإبداعية، والفن التشكيلي، ومجموعة من الكتب، والمقابلات، وأحيانا أيضا الترجمات التي لا تأتي من قلم المؤلفين والفنانين العرب فحسب، بل أيضا تلك التي تعود للمؤلفين والفنانين في أنحاء أخرى من العالم تتناول مواضيع تخص العالم العربي.
السيدة ريوا زيناتي هي مؤسسة ورئيسة تحرير مجلة “سكون”، وهي كاتبة وشاعرة أميركية من أصل لبناني تعبش في بيروت. نُشرت مجموعتها الشعرية “رصاص وزهور” من طرف “كروبت بريس” (باريس، 2013). ونُشرت روايتها ذات الأسلوب المقالاتي التي تحمل عنوان “الجمل نيتش لا بد أن يموت” من طرف اكسانادو (بيروت، 2013). كما نشرت قصائدها ومقالاتها وترجماتها من طرف العديد من المجلات ودور النشر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعالم العربي. بالإضافة إلى ذلك، تعمل السيدة ريوا زيناتي على تعليم الكتابة الإبداعية بدوام جزئي في جامعة فينيسيا اللبنانية.
مغلق في الأعياد
أعزائي الكتاب والقراء وكل المعجبين بالأدب العربي:
فريق القصص العربية سيذهب في عطلة تمتد من 23 أكتوبر إلى غاية 18 نوفمبر. هذه الفترة الزمنية التي سيتوقف فيه الاتصال بنا ستكون فرصة لنا لتجديد النشاط وتحديث الأفكار التي من شأنها أن تتيح لنا مواصلة العمل من أجل خلق مساحة للأدب في هذا العالم الجامد.
شكرا لتفهمكم وإلى اللقاء قريبا بكم.
سألتك حبيبي
جالسة في مقهى صغير ومعها حاسوبها، تستمع لفيروز “سألتك حبيبي لوين رايحين ..خلينا خلينا وتسبقنا سنين” تتفحص ايميلها بين الحين والآخر، كان المقهى يعرض حرب إسرائيل على لبنان في العام 2006، تذكرت” ياخور” شاب لبناني يافع يقطن جنوب لبنان، هو شقيق لصديقتها اللبنانية “ريما” ولانها كانت تحدثها بين الحين والأخر بدأت هى تتحدث إليه كل يوم، بل كل ساعة واحياناً كل دقيقة، فأرتبطت به ارتباط وثيق، وتعلقت به، وكانت النية أن تراه هناك، ليعيشا أجمل اللحظات، وقتها اشتد الحصار وبدأت الحرب اللبنانية وصفت له مدى عشقها لفيروز، ومدى ارتباطها الوثيق بجبال الأرز بلبنان، والأماكن السياحية هناك، قالت له:
-مرحبا.
-كيفك.
-اشعر بغصه داخلي، اخشى عليكَ من الحرب هُناك، أمازلتَ بخير.
-نعم. ولكن يكفيكِ أن تسمعي صوت الطائرات والصواريخ، أن تستيقظي على أطفال تموت، وامهات مشردة، لابأس، يكفي إنني بخير، لم يتبق إلا أيام وننتصر.
كانت كلمة “النصر” بالنسبة إليه وإلىَ طوق نجاة، أن اراه وارى لبنان الحبيبة، فلي هناك ذكريات جميلة، طفولتي، وشبابي، ولكن أبي كان يرى أن وجودنا بمصر وتركنا لبنان هو هروب من مصير محتوم علينا، أمي كانت تخشى علينا ولأنني فتاتها المدللة قررت أن نعيش في ...اقرأ المزيد
أنا ما عدت هنا، وداعا
البرد قارس هذا اليوم في شوارع طنجة، لم أعد أشعر بأطرافي. أفترش الأرض، مسألة موتي ربما أصبحت مسألة وقت فقط. أعاني من الأرق لكن ليس كأرق الأغنياء الذين يعانونه إن خسروا صفقة أو خسروا بعضا من أموالهم. أما إذا تركتهم حبيباتهم فقد ينتحرون شنقا. لا شأن لي بالأغنياء الآن، فليفعلوا ما يحلوا لهم أو ليذهبوا للجحيم. بالأمس اغتال البرد صديقي وأخي في الشارع “العربي” كنا معا نتشارك السرير ذاته المكون من ورق جرائد وكرطونة ونتغطى بلحاف لا يقي من أهوال برد شوارع طنجة لأنه مهترئ وقديم. بالليل يتركنا المجتمع وتتركنا السلطات لنفترش الشوارع. كم هم كرماء معنا! لكن عندما تطلع شمس النهار الدافئة حيث نكون أحوج ما نكون للبقاء تحت أشعتها يقومون برمي جرائدنا وضربنا ورفسنا للنهوض والاختباء، مصلحة الوطن فوق كل اعتبار! ونحن نعكس الوجه القبيح لهذا الوطن ونزعج بذلك المسؤولين والأجانب على حد سواء. إلى متى هذا النفاق؟ في رمضان يحدث الشيء نفسه تبحث السلطات عن المفطرين في الشارع لزجهم في السجون لكنها لا تبحث عن الجائعين في سائر أيام السنة لإطعامهم. إلى متى هذه اللمبالاة وإلى متى سياسة ازدواجية المعايير!
متشرد أنا وربما هذه الليلة ستكون آخر ...اقرأ المزيد
الغريق يتنفّس
وقفت تحدّق ببندقيّته المعلّقة على حائط الذّكرى ..أيقظت ماضيها فأنفتح لها بابه..ما إن تخطت عتبته حتّى انطلقت خلف أسراب اليمام. كانت حركة السّحاب تتسارع في سماء الظهيرة..تعثرت خطواتها فجأة وهي تسمع صوت الطلق قريبًا منها. دوّت بصرخة من خلجان أعماقها وهي ترتعش..كانت تعلم أنّ رصاصة الصيّاد لا تخطئ الهدف؛ كأنّما أصابتها بدل تلك اليمامة الغارقة في دمائها. فجأة أحسّت بيد تلامس كتفها، إستدارت فلم تجد أحدًا، تنفّست بعمق..تأوّهت من مدخنة قلبها..كان ذلك طيفه الّذي أخرجها من أوجاع الذّكرى. إستفاقت و يدها تخلع باب الكوخ الّذي ظلّ يعزف نشيد البرّية الموحشة. إنطلقت حتّى أدركت رموش الشّمس، راحت تغرس أمنياتها..توقد أشواقها لتتجاذبها برودة القمر ليلًا، تأخذها بعيدًا حيث أنصاف البشر. قريبًا من صخرة الإنتظار، حطّت البومة لتنذر بشؤمها، خاطبتها وهي متوجّسة ممّا يحمله الغد:
-أغربي من هناك وخذي شرّك معك..وضعت يدها فوق القلب الصّغير الّذي كان ينبض.
في أحشائها..أحسّت ببعض الإطمئنان، تحرّكت شفتاها بشيء من الدّعاء و راحت تجرّ ثقل البعد و الحرمان عبر أزقّة الوحدة، في لحظة بدأ السّواد يزحف و يخفي ملامح القدر حتّى تشرق شمس المجهول.
في الدّاخل قابلتها من فتحة السّقف سماء ملبّذة بلا نجوم..تهاوت من رحمها ...اقرأ المزيد
محطة مصر
رزاز المطر الخفيف ونصف قرص الشمس البرتقالى، يصنعان من يناير الذى يطل من خلف الساعات القليلة المتبقية على إنتهائه قديسا أرخى إزاره على أكتاف القاهرة ليمنحها الدفء ثم ًشرع فى مباركتها …..
خطوات المارة، صفارات المارقبين، أصوات الباعة الجائلين و أجارس إقلاع القطارات تشعل المكان بموسيقى سعيدة تارة، حفاوة باستقبال غائب، وتارة أخرى لوداع مسافر تتساقط زهور بنفسج.
بردائها الأحمر الأنيق كأيقونة عيد الميلاد، أميرة للتو خرجت من كتب الحكايات، جيئة وذهابا تقطع المسافة الفاصلة ما بين المقهى القديم بيافطته الحديثة، مقاعده البلاستيكية، ومفارش الطاولات بألوانها الصفارء الفاقعة …. وما بين بوابة دخول المحطة.
بعيونها و خصلات شعرها الحائرة تفتش القطارات الاتية و التى لم تأت بعد…
وعيناى هناك مصلوبتان على عتبات عينيها، تشعلان من قلبى بخواراً، يذوبان أملاً فى القرب والمتابعة، تنتظارن أن ترفع الحجب، وترمى لهما الإشارة لأبدأ طقوس الاعتارف و الاغتارف.
لم تكن لترانى …. فعيونها هناك تسأل عمال التحويلة، سائقى القطارات، بائعى الجرائد، مفتشى السكك الحديدية وأشجار الطريق، عن شخص أخر لم يحن وقت وصوله بعد ….
تهرب الشمس من هذا الجو البارد لتتركها هى فى تجوالها كراقصة باليه تتعلق بها عيون كل رواد المحطة، صفارات القطارات، أصوات الحمالين، وتبدأ أزهار الفانيليا ...اقرأ المزيد
جزيرة الله
اليومان الأول والأخير هما دائمًا الأصعب علي الاطلاق .. توجس اللقاء، وحسرة الفراق .. التوقعات القابلة للخذلان، وترقب ألم الاشتياق ..
الليلة الأخيرة كانت مُرهِقة .. أنخفض فيها ضغط دمي، في تناسب عكسي مع ضغط مشاعري وأفكاري. أستيقظُ في معاد متأخر عما أعتدتهُ طوال العشرة أيام السابقة .. أتجمل أمام المرآة أكثر من أي يوم، أقاوم مشاعري وشحوبي بالألوان ..
أقضي اليوم بتركيز ضعيف وذهن مشتت. أفكر في كل شيء ..رحلة العودة وحقائبي الكثيرة الثقيلة التي زادت أكثر من الضعف في الحجم والوزن بسبب الهدايا والمشتريات من سوق أسوان. الأحباء الجُدد رفقاء الورشة الذين سيغادرون، وأغادر، كلٍ إلي محافظته .. وإلي بيته وعمله وأسرته بعد أن ينتهي بنا الحلم الجميل. “ت” الطفلة التي أسرتني بالكلية، حتي لأشعر لأول مرة بسطوة وقسوة البساطة والبراءة، التي تنتزع قلوبنا من احشاءنا، وتنزل بكبرياءنا ومبادئنا إلي التراب لنعترف تحت وطأة اللعب معها بزيف كل شيء أخر.
وأفكر فيها! جزيرة سهيل .. تلك البقعة التي لم تنمحي منها بعد بصمات الله، فقط زاد علي نقش سطحها بصمات بعض البشر الطيبيين. جماعة النوبيين الذين يتحدثون لغة لاافهمها ويفيضون شهامة وكرم ...اقرأ المزيد
الوسادة
ماذا يَعْني ذلك في ليلةٍ صمّاء؟ جَوْلَة قَصيرة على أرض مقتولة تحت سَماء غاضِبة أوْحَت إليه بِرغبة قُسوة لإعادة الأدراج إلى الخَلْف والارتِكان. ثم رُكوب طَريق الانتِظار، الطَّريق المُضاءة ليْل نَهار وصيْف شِتاء، حَيْثُ إمْكانِية التَّأمُّل والإحْساس والمُمارَسة مُتاحة في كل الأوْقات.
أخْبِرْني: أثْناء التَّصْعيد من يَهْتَم لِمن؟ كان الغَسَق قد عمّ كل الأصْقاع لما عادَ إلى مَلجَأه. دَفَع الباب الصَّدِئ إلى الجانِب مُحدثا نَغْمة زَئيرية مُناسِبة للأجْواء البَهيمِية المُعايشة. وَلَجَ داخل الغُرْفة بِخَطَوات مُبَعْثَرة كأن أحَدُهم يجبرُه على القيام بِفِعل مَكْروه. بينما كان يَتَلَمَّس الطّريق صَوْب رُكْنه الأثير مُحاوِلاً إزالة خُيوط العَنْكَبوت المُتَسَلّطة على وَجْهِه، ناداه صَوْتٌ غَريب وسَريع: “أطْفِئوا النّور…” لاذَ إلى الإجابة بِالوُجوم، والتّوَقُّف عن إصدار أي خَشْخَشة مُحاولاً التَّأكّد من مَنْبَع الصَّوْت الذي اخْتَرَقَ أُدُنَيْه بِرُعونة. تَذَكّر أنه لا يوجَد غَيْره في الغُرفة المَهْجورة، لكِن احْتِمال وُجود أحَد المُتَشَرّدين اللَّيْلِيّين من أبْناء الشارع مُؤَكّداً جداً، المُحيط يَعُجُّ بِهم والغُرْفة -كما يتوهَّم هو، أو المرآب المُهمل كما ترى معظم الساكنة- لا تَتَوَفَّر عَلى طِلاء لِحائِطها، لا إنارة ولا قُفْل ولا حتى مالِك مُعَيّن؛ انها مكان ملغوم. أخرجَ الوَلّاعة من جيب سرواله الجينز، وصار يُقَدّحُها ...اقرأ المزيد