دخلت المقام وسلمت عليه، قدم على أحد الخدم يحمل صينية التمر وكوب اللبن، مرحباً بك فى مقام النبى خالد. نبى!!..نعم، ألا تعرفه ..هو النبى العربى الذى أضاعه قومه..انصرف سريعاً ليهتم بباقى الزوار.
كنت فى طريقى إلى مدينة بسكرة بالجزائر لأشترى تمراً طلبته زوجتى، ألحت..أحلم به منذ زمن، علامات الوحم ..لو تأخرنا أكثر من هذا ربما جاء الولد وفى رأسه تمرة.
مندهشاً أعود للمنزل بعلبة تمر وشغف يقودنى للآيباد، أبحث عن هذا النبى المجهول، وجدته.. وفدت ابنته “محياة” على النبى محمد ضمن وفد من عبس فبسط لها رداءه، وقال مرحباً بابنة أخى، وسمعت هى النبى يتلو “قل هو الله أحد” قالت كان أبى يقول مثل هذا، فرد النبى، كان نبياً مثلى ولكن قومه أضاعوه.
جاءت البعثة لليابان بعد طول انتظار، أخيراً سأحظى بالفرصة..عامان درست فيهما اللغة اليابانية وأدمنت أكل السوشى رغم غلاء ثمنه، عالم آخر.. سنسوجى .. المعبد المزركش الألوان يشدنى.
هذا التمثال المبتسم.. لا أمنع نفسى من الإعجاب بخشوع المصلين فى حضرة بوذا ..سلوكهم ينبع من إدراك لحقيقة الإيمان..تقترب منى هذه الفتاة ذات المشية الهادئة بعربية مكسرة تقدم لى طبقاً من حساء الميزو الساخن..تفضل بالهناء..هكذا تقولون فى مصر أليس كذلك؟ ابتسم فى دهشة.. العربية هنا فى قلب طوكيو!
درست توموكو العربية فى مصر.. أحاول مجاراتها فى اليابانية لكننى أفشل بتفوق، دعنى أسألك سؤالاً لماذا تبدو نظرتك لبوذا مختلفة؟ أتابعك منذ فترة وأنت هنا ..لا تبدو نظراتك كبقية السائحين والزوار..إنك تتابعه فى خشوع لو كنت تفهم ما أعنيه.
أسئلتها تنساب كشلال ..حسن يا توموكو.. الجميلة باليابانية.. منذ خمسة أعوام كنت معاراً إلى إحدى جامعات الجزائر للتدريس، وبالصدفة زرت هناك مقام.. لشيخ أو نبى يدعى خالد بن سنان.. فوجئت أننى لا أعلم الكثير عن عالمى، فما بالك بالعوالم الأخرى.
من ساعتها وأنا أعتبر الرموز الدينية القديمة حول العالم مقدسين فقد يكون بينهم نبى لا أعلمه .بوذا، كونفشيوس، زرادشت، مانى.. حسب ديننا يا توموكو جاء إلى العالم أكثر من 300 رسول و25 ألف نبى ..أين هم؟ لا أظن أن رحمة الله اقتصرت علينا فقط..وها أنا أنظر لصفوف المصلين فلا أجد فارقاً بين خشوعهم وخشوعنا ..
تركتها مندهشة كما كنت أنا قبل بضعة أعوام فى بسكرة..سارت فى الطريق كما سرت أنا من قبل.
لا أعرف لماذا لم أقاومك يا سامر، لكن نظرتك إلى بوذا أسرتنى ..جعلتنى أشعر أننى مدينة لك ..ما حكيته لى عن البشر وأصلهم وأنبياءهم جعلنى أشعر أننى قريبة منك لحد لا يقاوم.. أريد أن أذوب فيك.
عدت للقاهرة بعد أن انتهت البعثة..سأموت لو بقيت هناك، هكذا أنذرتنى أمى فى مكالنة عاصفة.. تركت قلبى هناك.. تسألنى زوجتى ما الذى تغير؟ لا أعرف بم أجيب..أخذت منى توموكو شيئاً ولم ترده ..أراها فى حلم وفى حقيقة..أتمثل ابتسامتها قبل النوم ..أدمنت كل ما هو يابانى من أجلها، السوشى لا أتذوقه إلا فى مطعم يابانى حقيقى.
حالة من الألم والإنهاك تشعرنى بفقد كبير ..فراغ لا أدرى كيف أملؤه
فى بسكرة شققت طريقاً أعرفه جيداً، تذوقت التمر وسلمت على صاحب المقام..ها هى كما رأيتها فى منامى تماماً، توموكو جاءت تسلم على خالد بن سنان ..خشوع لا يقل عن خشوعها أمام تمثال بوذا.
بقلم المؤلف محمد عبد العزيز منير