قال كبيرهم، شيخ القرية: بعد غد سيزور قريتنا وفد حكومي رفيع المستوى، لتصل جراحنا إلى مراكز القرار، سنستقبلهم استقبالا عظيما لم تشهد القرية مثله من قبل، ستذبح بقرة فاقع اللون تسر الناظرين على شرفهم …
فقال سفيه القرية: وأين البقرة يا شيخنا العظيم؟
سؤال وجيه، أنت أعقل من هؤلاء الرجال المعطوبين والمغضوب عليهم
وبعد أن فكر قليلا، لمح عجوزا تقاوم عقبة القرية وحمارها الذي ورثته من زوجها العقيم …
فقال بصوت مرتفع على شاكلة أرخميدس: نعم .. وجدتها، وجدتها، وجدتها …
عجوز القرية المسنة، تملك بقرة وهي الوحيدة، سنطلب منها أن تهبها لنا هدية وليمة دسمة للضيوف الكرام…
وقال السفيه: وإن إمتنعت على ذلك ..
وأنت مافائدتك هنا؟ ستتكلف بالمهمة، وإن شاع الخبر بين القرى، فما يقولون إلا سفيها إبن السفيه سرق بقرة فاقع اللون من عجوز القرية ..
سمعا وطاعة أيها الشيخ العظيم
وبعد أن إنتهى مجلس القرية، قصد الشيخ الهرم العجوز وهي لم تنال قسطا من الراحة بعد عمل شاق في الحقول ..
طرق الباب لتفتحه وتجد الشيخ يوسوس في خياله المكر…
وبعد تحية، قرأت فيها ملامح الغدر، وقال لها: “كيو “، بعد غد سيزورنا وفد حكومي رفيع المستوى، ليفك عزلتنا عن المركز، لا مستوصف، لا مدرسة، لا كهرباء …
وما نريد سوى بقرتك كهبة دسمة للوفد الحكومي
إنتفضت في وجهه صارخة، وقالت: كل شيء إلا بقرتي، الحليب، السمن
بقرتي هي طعامي اليومي ولا أحد لي سواها بعد الله القهار
قأوصدت الباب بعنف وتأكدت من إقفاله بإحكام، إنصرف الشيخ المتسلط في سبيل حاله ليعد العدة، وضع خطة ورثها من حرب لاندوشي وإتفق مع السفيه في تدبير أمر البقرة ليلا
بعد غروب الشمس تسلل السفيه الى الحضيرة، وبعد أن نال من العجوز بطعنة أفقدها الوعي، فر بالبقرة بعيدا
ذبحوا البقرة السمينة فائقة اللون، نصبت الخيمة الكبيرة، وإنطلقت دقات الطبول وأصوات المزامير وزغاريد النساء مصحوبة برقصات الشيطان
بعد إنتظار لساعات طوال نزل الوفد من السماء بطائرة الهيلو كوبتير، فإرتفعت الأصوات حتى كاد أهل السماء يسمعها
رحب الشيخ المتسلط بالوفد الحكومي، وبعد وليمة دسمة ورقصات شعبية قام رئيس الوفد ونادى بإعلى صوته وقال: إننا نتأسف كثيرا لكم، نحس بكم أكثر من إحساسنا لعائلاتنا، نحن نعرف تمام المعرفة مآسيكم، وإسترسل خطابه الرنان على إيقاع مطر وقال:
هاتوا شكواكم بصدق في العلن
ولا تخافوا أحدا
فقد ولى ذاك الزمن
فقالت العجوز
يا سيدي
أين البقرة، فقد أكلتها في العلن
بعد أن خطفها الشيخ والسفيه بالقوة
قال الرئيس في حزن
أحرق ربي جسدي
أكل هذا صحيح؟؟؟؟
شكرا على صدقك في تنبيهنا يا سيدتي سوف ترين الخير غدا
مرت شهورا وأعواما، وإنتهت ولاية الحكومة وما رأت العجوز حظيرة، وما شربت حليب.
بقلم المؤلف سليمان الوردي