إِنّهُ فى شِتَاء الْعَامَ 2066 وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُحَدِّدَ فى أى يَوْمٌ نَحْنُ، أَكُتُبُ هذة الْكَلِمَاتِ عَلَى ظُهْرِ إحْدَى الْبرديَّاتِ الْمَحْفُوظَةَ هُنَا فى الدَّيْرَ، لَمْ أَجِدُ مَا أَكَتَبَُ عَلِيهِ فأضطررت لِأَكْتُبَ عَلَى ظُهْرِ الْبرديَّةِ، لَا أَسَتَطِيعُ الْاِنْتِظَار، فَلَا أَدَرَى هَلْ سيسعفنى الْوَقْتَ أَمْ لَا؟، كُلَّ مَا أَعرْفُهُ أَنّهُ عَلَى أُنَّ أَكتب الْآنَ، اِجْتِمَاع الرقْمِ سَتْة مرَّتَيْنِ فى عَامَ وَاحِد كَانَ يُنبئنى بِأَنَّ الْأُمُورَ ستنتهى هُنَا، الصَّقِيع مُسَيْطِرٌ عَلَى كُلَّ شى وَالشَّمْسَ تَوَارَتْ خَلْف السُّحُبِ الْكَثِيفَةِ وَكَأَنّهَا تَأْبَى أَنَّ ترى مَا سَيَحْدُثُ وَكَأَنْ ماسيحدث سيؤذيها كَثِيرًا أَو أَنَّهَا تَتَبَرأَ مِنه.
مُنْذُ ثَلَاث سنوَات قَطَعُوا لسانى وَكُلُّ الْمُحَتمِينَ بِالديرِ، مُنْذُ ذلك الحين وَأَنَا أُصلى.. أُصلى كُلُّ يَوْمٍ.. أُصلى كَثِيرًا كَثِيرًا جدًا أكْثَر مِنَ الْمَفْرُوضِ، لَيْسَ خوفًا مِنَ الْمَوْتِ وَالْحسَابِ وَلَيْسَ اِتِّعَاظًا، لَيْسَ أى مِنْ ذَلِكَ، كُلَّ مَا فى الْأَمَر أَنَّى أُرِيدُ أَنْ يُسَمعَ صوتى… صوتى الْمَحْبُوس بداخلى مُذْ فَقدتُ الْقدرة عَلَى إِخْرَاجِهِ، لَا أُصلى فى الْجَامِع الْمَوْجُود فى صُحِن الدير وَلِكِنى أُصلى هُنَاكَ عِنْدَ الشّجِرَةِ الْمُقَدسَةِ عِنْدَ العليقة التى كلِّمَ اللَّهُ عِنْدهَا مُوسَى، أَشَعْر أَنى هُنَا أَقرب لَدَى يَقِين أَنّهُ يسمعنى، أَعلم أَنّكَ تسمعنى.
خَارِج الأسوار اجتمع مُسْلِمُونَ وَمَسِيحِيونَ وَيُهَودَ مِنْ كُلُّ مَكَانِ مِنَ الشرقِ وَالْغربِ جاءوا يَتَقَاتَلُونَ الْقَادَةَ _ وَالَّذِينَ لَا يَتَعَرضُونَ لأى خَطَرَ حقيقى _ لِهُمْ أَسَبابهم التى لَا تَعْبَأُ بأى إلَه، أَمَّا أؤلئك الصّغَار جاءوا يَقْتُلُوا بَعْضهُم بَعْضًا، جاءوا لِيَقْدُمَ كُلُّ مِنهُمْ الْآخِرَ قُرْبَانًا لِلْإلَهِ لَعَلهُ يَرْضَى، فَهَلْ يَرْضَى ؟!! جَاءَ كُلُّ مِنهُمْ لِيَتَقَرب إِلَى اللَّهِ بأهات وَأَنات وَدُموع، وَدِمَاء الْآخِرِ فَهَلْ تَرضَى يارب، هَلْ تَرضى ؟؟؟؟؟!!!!! وَعَما قَرِيب سيهدموا الدير وَالْمَسْجِدَ وَيَحْرِقُوا الشَّجِرَةَ أيضًا لِتَرْضَى، فَهَلْ تَرْضَى ؟؟!! لَا أَدَرَى هَلْ عَلِمُوا مثلَى أَنّهُ يَسْمَعُنَا هُنَا أَكْثَرُ مِنْ أى مَكَان آخر فأقتربوا بِشَدة لِيُسَمعُوهُ وَكَأَنّهُم يُقَولُونَ لِتَسَمعِ…. لِتُرى…. لِتَرْضَى…. !!!
رغم أَنَّ أَصْوَاتَ الْمعارِك تَتَزَايَدُ كُلُّ يَوْمٍ عَنِ الْيَوْمِ الذى قَبَلَةَ إلا أَنْ أذنى لَمْ تَعِدْ تَسَمعُهَا بِنَفْسِ الْقُوةِ، ذَلِكَ الصوتَ المتداعى مِنَ الزمَنِ الْقَدِيمِ الذى يُسَيْطِرُ عَلَى أذنى يُبَددَ أَصوَات الدَّمَارِ وَرُسُلِ الْمَوْتِ مِنْ حولَى، إِنّهُ صَوْتَ بَائِعَ النعْنَاعِ، حينما كُنّتْ أَرُكْبُ الترام قَدِيمًا كَانَ يَصْعَدُ لِيُنَادَى عَلَى بِضَاعَته وَيُنَادَى قائًلا (موسى نبى عيسى نبى محمد نبى وكل من له نبى يصلى عليه) لَوْ سألتموننى الْآنَ مَاذَا تُرِيدِينَ مِنْ هذة الْحَيَاةَ قَبْلَ الرَّحِيلِ لِقَلَّتْ لَا أُرِيدُ سِوَى بَعْضًا مِنَ نَّعْنَاعِ هَذَا الْبَائِعَ.
المؤلفة، نيرة حامد:
الاسم والسن والبلد والنوع والمهنة ليس هذا أنا ….أنا هى تلك القصة .
ما أهتم بأن تعرفه عنى هو ما قصصته …..هذا أنا