بنتُ الرّومي

Cerez, Belimour, Algeria

هذه القصّة مستوحاة من البحث في تاريخ قصّة القصر المبني على أرض مدينة بليمور (تاماسكاني في الفترة الرّومانية)، وهو يحاكي القصّة الحقيقيّة لبناء وتشييد القصر الجميل..

صبّحك الله بخير يا مدينة سيدي عقبة السّاحرة !، أمّا أنت يا بيلا بنت الرّومي؛ فغنّي وارقصي على أنغام نسيم هذا الصّباح، واطلبي من والدك ما شئت فالزّيت من الزّيتونة والسّمك من البحر، والأرض صارت لك، خلى لك الجوّ فبيضي ونقّري أيّتُها الحسناء !..

نم يا سيدي عقبة في رمسك نوم قريرِ العين لأنّنا سنعودُ غدّا حاملين أحلامنا على أكفّنا وأعيننا على قبرك كي لا تنتهك حرمة موتانا على هذه الأرض..

قصُور المدينة تنتصب شامخة شموخ أهلها رغم نوازل الدّهر ودورة الأيّام.. الجمال السّاحر الفتّان يأسر قلب بيلا الجميلة فتروم من والدها تري بنعله الأسود المتعالي بناء قصر يشبه ما رأت في سيدي عقبة على أرض سيريز، عفوا على أرض تاماسكاني !.. يتلكّأ الوالد، يتردّد لكنّه يرضخ في نهاية المطاف لمطلب ابنته الصّبيحة..

جاء الخمّاسة، بدأوا بالحفر أعلى تلّة مطلّة على غابة من الأشجار الكثيفة، يبدو أنّ القصر سيحتلّ مكانا مواتيا مثلما احتلّ تري وابنته وبني جلدته قلوب جدّي والآخرين حنقا وبؤسا.. أزاحوا بعض الحجارة الكلسيّة المصقولة بعناية فائقة من طرف الرّومان في عهد الملك فيليب، رموا بها من فوق التلّة كما رموا تاريخ أمّتنا بالوهن !.. فجأة توقّف الحفر !.. نادى علاّوة على تري، جاءت بيلا لتطّلع الأمر فوجدت علاوة يمسكُ ملعقة من ذهب وجدها بين ثنايا التراب الذي كان يهدّه بفأسه التي لا ترحم.. جاء تري يجرّ خطاه، وقف على مقربة من ابنته مُعسجرا من فرط الدّهشة..

صاحت بيلا:

-واو هذه الأرض تنبت ذهبا !، أبي لا أريد أن أرحل من هنا !..

قال تري:

-ومن قال أنّك سترحلين يا حبيبتي ؟!..

عضّ علاوة على لسانه من شدّة الغيض، استمرّ في الحفر غير مبال بتري وابنته وكأنّه يريد أن يدفن رأسه في تراب أرضه وأرض أجداده حزنا وكمدا، تمنّى علاّوة لو اختطفه الموت قبل أن يسمع مثل ذلك الكلام.. استمرّت بيلا ووالدها في زهوهما وفرحهما بالكنز؛ اشتدّ غيض علاّوة وفي لحظة كبرياء عابرة غرس فأسه في التراب وعفس تري بشدّة حتّى كاد يقضي عليه، عصره عصرا ثمّ أطلقه خائفا يرتعد من شدّة ما رأى وسمع.. بكت بيلا ما حلّ بوالدها، وراحت تستعطف علاّوة كي يسامحها ووالدها ويغفر لهما ما فعلا !.. عمّ الهدوء المكان بعد الحادثة، وقبل أن يغادر علاوة قال أمام الجميع:

-هذه أرضي وأرض أجدادي، سأحفظها وأرعاها ولن أفرط في شبر واحد منها، هل فهمت هذا يا تري؟..

قال تري خائفا وجلا:

-مفهوم يا علاّوة، مفهوم !..

تمت –

 

بقلم المؤلف أحمد بلقمري