انتقلت إلى هذه الشقة منذ عامين؛ مجرد مُزحة تجعلني أبول في لباسي من فرط الضحك والبكاء، لم تكن سوى غرفة بطرقة متواضعة، أضع فيها طاولة حاسوبي؛ نافذتي الوحيدة المشرعة على العالم، تفضي إلى دهليزٍ ملتوٍ لا طائل من ورائه سوى وجود حمام في نهايته.
كان عليَّ أن أهبط ثلاث درجات لأصل إلى قاعدته التي حال لونها، أرى من جلستي المضطربة منورًا منغلقًا على نفسه من خلال شراعة حديدية مثبتة في أرضية الحمام تجعلني أتلفت ناحيته كثيرًا بخوف وترقب وأنا أقضي حاجتي، لابد أن زوجي أوفر مني حظًا مادام لديه إيرًا يمكنه من التبول واقفًا!
عثرت على هذه الشقة بعد لف ودوران، وجدت الإعلان على موقع بيزوات “شقة لقطة في أحد أحياء مصر القديمة، لراغبي الهدوء والاسترخاء”، اتصلت بالرقم (هذا الرقم غير موجود بالخدمة، من فضلك تأكد من الرقم وعاود الإتصال)، تركت رسالة على الموقع وضغطت “إرسال”، فظهر الرد أتوماتيكيًا (سأنتظرك عند محطة الملك الصالح الثامنة مساءً)، (كيف سأعرفك)، (سأعرفك أنا)، اندهشت.
زوجي كعادته منشغلًا في مشاهدة الأفلام والتسكع، ذهبت بمفردي وبمجرد أن وصلت إلى الباب الرئيسي سمعت صوتًا يهمس خلفي (من هنا)، انتفضت متطلعة إلى الوجه الممصوص والعينين الغائرتين، (كيف عرفتني)، (مهنتي).
ظل يدلف بي من حارة إلى حارة حاجلًا في قامته القصيرة التي تشبه عودًا من الحطب، إلى أن وصلنا إلى بيت يقف وحيدًا في آخر نفق، عافر العجوز طويلًا مع مزلاجه الصدئ، (عنك) تناولت المفتاح وما إن أدرته حتى انفتح القفل بحشرجة مؤلمة، التفتَّ الرجل مبتسمًا (هو مكانك إذن)، قلت بأسى (يبدو ذلك) كان لابد أن أجد مكانًا، الساكن الجديد سيتسلم شقتي غدًا، هكذا دواليك كنا نترك ظلالنا في البيوت تغافل السكان الجدد بتصرفاتنا الصبيانية إلى أن يطردونا بجهامتهم مستعذيين بالله من الشيطان الرجيم.
قلت للعجوز ما يهمني النت، أعمل …، قاطعني: فريلانسر أعلم؛ هنا ضالتك.
لم آخذ كلام الرجل على محمل الجد؛ ولكن ما حدث كان غريبًا، كان من الصعب تفسيره، بمرور الوقت كانت الحوائط تتلاشى بيني وبين العملاء، نازعة عن هذا العالم الافتراضي افتراضيته؛ أصبحوا كما لو أنهم يقبعون تحت سريري، لو مددت يدي للمست وجوههم، كنت أغلق الشاشة وأنا أُبدل ملابسي بلا وعي أو عندما أهرش في منطقة حساسة!
ذات يوم وأنا في جلستي المضطربة على قاعدة هذا الحمام اللعين خُيل إليَّ أن ثمة عينان ترقباني، تقلصت لأستر عورتي، لمحت فأرًا خلف القضبان، قمت بحذرٍ وأنا أرفع لباسي وقطعت الممر بقفزتين ولُذت كعادتي بحاسوبي، علَّني أتلهى به عن فزعي، وفجأة انتباني إحساس باللزوجة؛ ألقيت الماوس “الفأرة” ولكنه لم يكن الماوس كما ظننت، لقد كان الخراء، لم أغسل مؤخرتي من شدة الرهبة، يالا القرف!
أمي كانت تمسك الفئران من ذيولها وتصعقها في الحائط، أين أمي الآن؟ انتبهت لصوت رسالة وأنا في مصيبتي تلك (ديبنكر عذرا سأرسل لك الملف خلال دقائق)، (أوه ما هذه الرائحة)، (أية رائحة يا ديبنكر) (رائحة خراء تفوح من نافذتك)، أغلقت السكايب بسرعة وتلفت حولي في ذهول.
ها أنا الآن أقف أمامكم في الدهليز الملتوي، أذرع المسافة بين الحمام والحاسوب دون أن أتجرأ على الاقتراب من أحدهما، مؤخرتي متسخة كما ترون، وصوت الرسائل يرن في تلاحق مفزع، بينما الفأر لايزال قابعًا في مكانه.
بقلم المؤلفة سناء عبد العزيز متولي