تندةٌ خضراء

Green Canopy, Ain Shams University, Faculty of Medicine, Cairo, Egypt

يفتح كتابا قديما وجده بالصدفة في درج مكتب مهمل ، يقلب في صفحاته الأولى متذكرا أياما خواليا كان بها سعيدا ، تسقط وردة ذابلة -نسى وجودها- مثلما يحدث في الأفلام السينمائية القديمة من بين دفتيه ، فتختمره مشاعر جميلة ذهبت منذ سنوات بلا رجعة.

يكمل بحثه في الدرج الكنز ، فيجد إعلانا لرحلة ، ورقة علمية ملخصة ، شعارات لأسرة طلابية ، و قوائم لانتخابات جامعية.

يصب القهوة التي فشل دائما في صنعها ببراعة في فنجان صغير ، يشتم رائحتها فلا تعطيه الإحساس المرجو ، يصيبه الحنين لأشياء كثيرة انقطعت عنه منذ زمن.

يخطو بخطوات مترددة ، والجا المكان الذي لم يطأه منذ سنين طوال ، تستقبله البوابة بابتسامة واسعة ، متذكرة أيامه عبرها.

تقابله التندة الخضراء ، بأعمدتها الباسقة ، و لونها المريح ، و مظلتها التي يحتمي الجميع تحتها صيفا أو شتاءً.
يحاول أن يجلس على المقعد الأول و لكن المقعد يرفض ! ، يتقوقع على نفسه مجيبا إياه بأن صديقه ليس معه ، و هو تعود على أن يجلسا الاثنان فوقه معا ، دمعة عابرة تترقرق على راحل لم يغادر القلب بعد.

المقعد الثاني يسأله أين قهوته التي تعود أن يشربها و هو جالس عليه ، يبتسم ضاحكا و يذهب ليشتريها.

قبل أن يرتشف رشفته الأولى ، يشمها كالعادة ، كل الروائح المختزنة في عبق الأيام تخرج ، كل أحلامه التي عقدها و قراراته التي اتخذها و هو يشربها سابقا تمثلت أمام عينيه ، يا للزمن ! ، كم مضى من دهور!.

بعد رشفتين من كوب قهوته الكرتوني ، يخرج الوردة الذابلة من جيبه ، ليضعها على الكرسي الثالث الذي تعود أن يجالس فيه حبيبته ، عندما يلمس أوراقها يتذكر شعوره الأول بلمس أصابع فتاة ؛ في نفس هذا الموضع بالضبط ، تتناوشه أحلام المراهقة حين ظن يوما أن بإمكانه أن يحكم العالم ، و تكبله كوابيس الكهولة حين تيقن أنه لن يصبح يوما ما أراد.

بعد انتهاء قهوته أدرك الحقيقة ، كل ما رجاه أن يكون في زيارته لجامعته بعد كل تلك الأعوام .. سراب.

ينظر إلى أعلى ، مواجها قرص الشمس الحارق ، حزينا على أيام كان يستطيع مواجهته فيها .. بتندة خضراء لم يعد لها وجود.

 

بقلم المؤلف محمد محمود سليمان محمود