القَادِمُ مِن السَّمَاء

bab_sharqi_damascus

كَم كانَت تلكَ اللَّيلةُ مُدلهِمَّةَ الظَّلَامِ والشَّرِّ، وسط ساحة ذلكَ الجَامِعِ الكَبِيـرِ، ومع ذلك الأعور الخبيث والّذي كأنَّهُ خرج من قعر زنزانة في الجحيم، لا يقدِرُ عليه أحدٌ من الإنس ينشُرُ الضِّلالَ ويقطع رؤوس الأبرياء وبارعٌ في السِّحرٍ أيَّما براعة والّذي كان قد أعاث الفَسَادَ في الأرضِ ووصلَ إلى ((الليفانت(1)))، هاهنا استفحل اليأس فِي جُزءٍ كبيرٍ من النّاس باستثنائنا وكُنَّا معتكفين بالمسجدِ الكَبير(2) ونحن نرجو الرَّبَّ أن يَمُدّنا بجندٍ من جُنده يقدِرُ على تخليصنا ويفقأ تلكَ العين المتبقية في رأسهِ، وإذ بلجَ رَجلٌ ينزلُ مِن السَّمَاء على شيءٍ يشبهُ المَلاكَ، يضع كفيه على أجنحة ذلك المَلاك الّذي يمتلِئ مسار طريقه إلى تلك المَنارة السَّاحرةِ نورًا وبهاءً على غير مثالٍ سابقٍ، يفوحُ منه ريحٌ يُرعب الضَّالين ويريح المؤمنين، هاهنا ذهبنا راكضين إلى تلك المنارة لنرى مَن هذا يا تُرى؟ وقد ازداد إيمانُنا لا إردايًّا بأنَّ مَن يطلب الخيرَ بصدقٍ ستساعده السَّماءُ دومًا من حيث لا يحتسب، ركضنا وركضنا ونحن نأمل أنْ لا يعترضَ طريقنا ذلك الأعور أو أحد أشياعه الّذن ملؤوا الأرض ظُلمًا وفسادًا، فعندما وصلنـا لتلك المَنارة ودخلنا دون طرقٍ على الأبواب وجدنا ذلك الرّجل ذو الوجه المُنيِرِ واللِّحيةِ المُهذَّبةِ حاملًا سيفًا مُرصَّعًا كُتِبَ عليه {لا تيأسوا من رحمة الرَّبَّ مهما كَثُرَ الظَّلامُ}، وقد وقفنا لحظةَ صَمتٍ فالصمتُ عند الدَّهْشـةِ واجبٌ.

ثُم تكلَّم ذاك السَّمَيدَعُ(3) قائلًا: أهلًا بكم يا أبنائي، ماذا تفعلون هُنا؟

فقلنا: يا سيّدي تالله نحن أولى بالسُؤال فنحن لا نرى كُلَّ يومٍ رَجُلًا ينزِلُ مِن السَّمَاء على متن الملائكة!

فقالَ الرَّجل: صدقتم يا سادة، حسنًا.

أنا ناشِرُ المحبَّة والسَّلامِ، ومالئ الأرضَ الخير والعدل والأمان، عُرِفتُ بالمسيح وبعيسى وبيسوع وبابن مريم، وقد نزلتُ اليومَ بتأييد السَّمَاءِ، بعدما عمَّ الفساد بِيد ذلك الأعور الخبيث!، فقَد قُدِّرَ لي أن أكون مُعيد الأرضِ لحالتها البهيّة، والأعور إلى جحيمه الأبديّ، فإنّني الوحيد القادِرُ على قتله وفَقْءِ عينهِ، مُنهيًا فتنته ومُنذِرًا بقُرب اليومِ الأكبر.

فقلنا مدهوشينَ: السَّلام عليك وعلى أمّك الصّدّيقة.

ثمَّ قال: وعليكم السَّلام، هلّا أبتعدتم عنّي قليلًا أَيُّها الكِرام!، فعندي مُهمةٌ مُهِمّة.

فقلنا: بالطّبع يا رسول الله، تفضَّلْ.

ثُمَّ بدأ يتمشّى عليه السَّلامُ في الشَوارع الرَّئيسة، الّتي يَكثُر فيهـا أشياع ذلك الأعـور فقلنا بصوت مُتوتِّر وخائف عليه: يا رَسُولَ الله، إنَّ أشياعَهُ يتواجدون في هذه الشَوارع وقد يتعرّضون لك ويسبِّبان لك الأذى، فضحك رسول الله وقال: لا تخافوا يا أبنائي وامشوا معي إن شئتم فأنَّ الرَّبَّ معنا، وإذ كان الرَّبُّ معك فلا تخف.

وبينما نحن نمشي خلفه وإذ بنا نرى أشياعه يذوبون كما يذوب السُّكر في الشّاي!

ثُمَّ وصلنا إلى الموقع الّذي كان يقبع فيه ذاك الأعور، وخرج إلينا من ذاك الكوخ العتيق وهو يضحك، فعندما رأى رسول الله ارتعد خوفًا، وبدأ يهرب، فلحقه رسول الله بسُرعةٍ لا مثيل لها، وأمسك سَيفهُ وطعن عينهُ، وإذ بذلك الأعور الّذي ظننا أنّ لا أحد سيغلبه يتحلّل ويذوب كما كان يذوب أشياعه، شعرنا بعد ذلك بشعور عجيبٍ لم نشعرْ به من قبل .. شعورٌ حلوٌ بالنَّصرِ والإيمان، وبدأت الشَّمس تبزغ مُنيرةً الأرضَ كُلَّها على غير مثالٍ سابقٍ.
..
انتهت

هوامش توضيحية:
(1) الليفانت أقصد بهـا المُصطلح الإنجليزيّ (Levantine) الّذي يقصد به بلاد الشَّام.
(2) أقصد الجامع الأمويّ.
(3) تعني السّيّد.

 

بقلم المؤلف عمر خطاب

اختر مغامرتك

أوليس رائعا أن

أ) نعيش معا على قدم المساواة.

ب) نموت جميعا كما لو كنّا نفسا واحدة.