القصة بدأت بانهم فوجئوا بها تقف هناك.. لم يعرف احد كل فعلتها، وحتى هى نفسها لم تدر كيف وصلت إلى هناك بتلك السهولة..
شخصت الابصار إلى سطح المتحف المصرى، بالتحديد فوق مدخله الرئيسى، حيث تقف تلك السيدة مهددة بالانتحار..
اضطرب الواقفون فى الاسفل، جروا فى كل الاتجاهات، و بعضهم صاح محاولا اقناعها بالتراجع..
كانت الاسعار ترتفع و ترتفع لتزيد مشاكلها، و هى بالكاد تطعم اطفالها.. ارملة بلا عمل، و بمعاش ضئيل، لا تفهم شيئا مما يجرى حولها.. تسمع حديثا كثيرا عن قرض صندوق النقد الدولى و تعويم الجنيه، فلا تملك غير التساؤل:
’’هى الناس دى عايزة تخرب بيوتنا ليه؟!‘‘
كان الضغط قد بلغ منتهاه، و اليوم جاء وقت التهور..
ظهر مدير المتحف، و هو يكاد يلطم خديه، يبرطم عن السياحة التى بدأت توا فى التحسن، و عن الدعاية السيئة..
و بعد ثوان ازدادت متاعبه، مع خروج فوج سياحى من المتحف، و توقفهم لمشاهدة ما يجرى.. رغم غليانه، كان يفكر انهم ربما لن يفهموا ما يجرى.. و كأنها قرأت ما يدور فى ذهنه، فاجأه صياحها، و هى تشرح بانجليزية كسيحة كل شىء للسياح المتعجبين، فجعلته جاهزا لينتحرهو نفسه!
و وسط المتجمعين الذين يزدادون، و ينضم اليهم وفد سياحى وصل للتو، كان يمكنك ان ترى سيارة المطافئ تجاهد لتجد طريقها..
كانت تتأمل المسئولين الذين تقاطروا، ببذلاتهم الانيقة، و نظاراتهم الشمسية، و الخطورة على ملامحهم.. لا تعرف ايا منهم، بالنسبة لها هم جميعا مصاصو دماء و كفى..
يتحدثون اليها فى حزم لتنهى الموقف، لكنها لا تتراجع.. تنشق الارض عن مراسل قناة اجنبية، يقف مع مصوره، ليشرح ان تلك السيدة تحاول الانتحار بسبب الظروف الاقتصادية الخانقة.. هنا يزداد توتر المسئولون الذين تنضم اليهم مجموعة اخرى تبدو كرؤسائهم، فيتبخر الحزم، و يبدأون فى التوسل إليها الا تلقى بنفسها، و يسألونها عما تطلب..
تتذكر فيلم (الارهاب و الكباب)، عندما وجد البطل نفسه فى موقع قوة، بعدما اختطف رهائن بالصدفة، و يمكنه طلب اى شىء.. و رغم ان حياته بائسة بالفعل، و لديه الكثير ليطلبه، فانه لا يحار جوابا عندما يسألونه.. هى الان مثله تماما!
تمر الدقائق كساعات، و الاعصاب مشدودة، و الموقف ينحدر إلى سيرك حقيقى.. تنشق الارض عن مراسل اجنبى ثان و ثالث، غير المصريين منهم.. يستشيط المسئولون الذين انضمت اليهم مجموعة ثالثة ترأس الاثنتين السابقتين غضبا، يتساءلون: هل يتكاثرون كالاميبا؟!
تحاول الشرطة إبعاد الجميع عن المكان، لكن التصوير يستمر من خارج الاسوار، كما الكثير من الهواتف الجوالة تسجل ما يجرى تمهيدا لتحميله على الانترنت فورا..
المجموعة الرابعة من المسئولين تصل، و السيدة لا تتكلم.. كانت مستمتعة بما يجرى هنا، و لا تريده ان ينتهى.. المرور يتوقف فى ميدان التحرير بسبب الكتلة البشرية المتضخمة التى تكبر، و العدوى تنتقل إلى الشوارع المحيطة..
لا تكف اجهزة اللاسلكى عن الصراخ ان غرب القاهرة قد اصيب بالشلل، و الشلل يمتد..
هم يطلبون منها من جديد ان تنهى الموقف.. و هى تفكر فقط فى انها لم تعد تعرف كم مجموعة من اصحاب النظارات السوداء قد جاءت، حتى لتشك ان مسئولا واحدا فى هذه البلد لايزال فى مكتبه..
كانت تشاهدهم فى استمتاع.. و هم عاجزون عن فعل اى شىء، و قد فقدوا اعصابهم تماما.. ابتسامتها كانت تتسع، فى حين لا تكاد تتذكر لم جاءت إلى هنا من الاساس!
بقلم المؤلف محمد ابراهيم