أنا باردو

Bardo National Museum (Tunis)

تناهى إلى سمع حمادي صوت منبه السيارة الحاد المباغة. فتراجع إلى الخلف دون أدنى تفكير. تسارعت دقات قلبه. و أصابه صمم مؤقت. زاغ بصره. و جف فمه. رأى السيارة تمر حذوه بسرعة جنونية. لم يصدق أنه نجا من الموت للمرة الثانية في ذلك اليوم. اِمتدت يده لتلامس وجنته حيث لازالت تستقر دمعة. تزاحمت ذكريات هذا المساء متداخلة أمام عينيه. رأى روبارتو الذي عانقه بحرارة. أبصر وجوه ماريا و إميليو و صوفيا و غيرهم تتزاحم حوله مهنئة راضية مدينة له بالعرفان.

داخله شعور بالفخر و السعادة العارمة. أخرج من جيب بنطاله علبة السجائر. أخذ منها سيجارة. لامسها لسانه. فلسعته برودتها المرة. أشعلها. و نفث الدخان بقوة على شكل كريات بيضاء تصاعدت إلى السماء. اِسترخى جسده. و سرت فيه قشعريرة.

تذكر ما حصل له في منتصف ذلك اليوم. كان في الطابق الثاني من متحف باردو برفقة مجموعة من السواح الإيطاليين. كان دليلهم السياحي الذي كان يرشدهم و يخبرهم بكل قصص النفائس التي يحويها المتحف. سمع فجأة أصواتا مدوية. فخيل له أن شيئا ما قد سقط من السقف. أخبر السواح بذلك. لكنهم لم يوافقوه الرأي. و قالوا له ...اقرأ المزيد

بنتُ الرّومي

Cerez, Belimour, Algeria

هذه القصّة مستوحاة من البحث في تاريخ قصّة القصر المبني على أرض مدينة بليمور (تاماسكاني في الفترة الرّومانية)، وهو يحاكي القصّة الحقيقيّة لبناء وتشييد القصر الجميل..

صبّحك الله بخير يا مدينة سيدي عقبة السّاحرة !، أمّا أنت يا بيلا بنت الرّومي؛ فغنّي وارقصي على أنغام نسيم هذا الصّباح، واطلبي من والدك ما شئت فالزّيت من الزّيتونة والسّمك من البحر، والأرض صارت لك، خلى لك الجوّ فبيضي ونقّري أيّتُها الحسناء !..

نم يا سيدي عقبة في رمسك نوم قريرِ العين لأنّنا سنعودُ غدّا حاملين أحلامنا على أكفّنا وأعيننا على قبرك كي لا تنتهك حرمة موتانا على هذه الأرض..

قصُور المدينة تنتصب شامخة شموخ أهلها رغم نوازل الدّهر ودورة الأيّام.. الجمال السّاحر الفتّان يأسر قلب بيلا الجميلة فتروم من والدها تري بنعله الأسود المتعالي بناء قصر يشبه ما رأت في سيدي عقبة على أرض سيريز، عفوا على أرض تاماسكاني !.. يتلكّأ الوالد، يتردّد لكنّه يرضخ في نهاية المطاف لمطلب ابنته الصّبيحة..

جاء الخمّاسة، بدأوا بالحفر أعلى تلّة مطلّة على غابة من الأشجار الكثيفة، يبدو أنّ القصر سيحتلّ مكانا مواتيا مثلما احتلّ تري وابنته وبني جلدته قلوب جدّي والآخرين حنقا وبؤسا.. أزاحوا بعض الحجارة الكلسيّة المصقولة ...اقرأ المزيد

كُلُّ مَنْ لَهُ نبى يُصَلَّى عَلَيهِ

Saint Catherine's Monastery close to Sharm el Sheikh, Egypt

إِنّهُ فى شِتَاء الْعَامَ 2066 وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُحَدِّدَ فى أى يَوْمٌ نَحْنُ، أَكُتُبُ هذة الْكَلِمَاتِ عَلَى ظُهْرِ إحْدَى الْبرديَّاتِ الْمَحْفُوظَةَ هُنَا فى الدَّيْرَ، لَمْ أَجِدُ مَا أَكَتَبَُ عَلِيهِ فأضطررت لِأَكْتُبَ عَلَى ظُهْرِ الْبرديَّةِ، لَا أَسَتَطِيعُ الْاِنْتِظَار، فَلَا أَدَرَى هَلْ سيسعفنى الْوَقْتَ أَمْ لَا؟، كُلَّ مَا أَعرْفُهُ أَنّهُ عَلَى أُنَّ أَكتب الْآنَ، اِجْتِمَاع الرقْمِ سَتْة مرَّتَيْنِ فى عَامَ وَاحِد كَانَ يُنبئنى بِأَنَّ الْأُمُورَ ستنتهى هُنَا، الصَّقِيع مُسَيْطِرٌ عَلَى كُلَّ شى وَالشَّمْسَ تَوَارَتْ خَلْف السُّحُبِ الْكَثِيفَةِ وَكَأَنّهَا تَأْبَى أَنَّ ترى مَا سَيَحْدُثُ وَكَأَنْ ماسيحدث سيؤذيها كَثِيرًا أَو أَنَّهَا تَتَبَرأَ مِنه.

مُنْذُ ثَلَاث سنوَات قَطَعُوا لسانى وَكُلُّ الْمُحَتمِينَ بِالديرِ، مُنْذُ ذلك الحين وَأَنَا أُصلى.. أُصلى كُلُّ يَوْمٍ.. أُصلى كَثِيرًا كَثِيرًا جدًا أكْثَر مِنَ الْمَفْرُوضِ، لَيْسَ خوفًا مِنَ الْمَوْتِ وَالْحسَابِ وَلَيْسَ اِتِّعَاظًا، لَيْسَ أى مِنْ ذَلِكَ، كُلَّ مَا فى الْأَمَر أَنَّى أُرِيدُ أَنْ يُسَمعَ صوتى… صوتى الْمَحْبُوس بداخلى مُذْ فَقدتُ الْقدرة عَلَى إِخْرَاجِهِ، لَا أُصلى فى الْجَامِع الْمَوْجُود فى صُحِن الدير وَلِكِنى أُصلى هُنَاكَ عِنْدَ الشّجِرَةِ الْمُقَدسَةِ عِنْدَ العليقة التى كلِّمَ اللَّهُ عِنْدهَا مُوسَى، أَشَعْر أَنى هُنَا أَقرب لَدَى يَقِين أَنّهُ يسمعنى، أَعلم أَنّكَ تسمعنى.

خَارِج ...اقرأ المزيد

شق الجبانة

Shanway WA Kafr Al Badranah, Ashmoun, Menofia Governorate, Egypt

بنت البندر أرضٌ بور، انقطع حبلها بعد وفاة طفلتها، وزوجها كحبات مطر. يعطيها دمية ابنتها المعطرة، يتحسس خصلات شعرها إلى أن تنام كل ليلة. تتذكر تلك المرة التي التقطت فيها روحها بصعوبة؛ التقط زوجها ثعبان ميت رمته عليها أمه، لأنها متيقنة أن زوجته “مشاهرة”. عندما احتضنت ابنتها تمكن منها اللون الأزرق. قربتها من وجهها وشمت رائحتها، أمسكتها من ذقنها المتيبس. مسحت دموعها من على خد ابنتها… واشتد عويلها حين أخذتها جدتها لتغسلها، قائلة “بنت موت يا عين ستها”.

“أنتِ متشاهرة ولازم تشقّي الجبانة”، مضت عدة شهور ولم تحبل. تلك الكارثة دعتهن لإلقاء ثعبان ميت في حجرها، وقتل كلب في منطقة الجزيرة المهجورة لتمر فوقه… واليوم عليها الذهاب إلى المقابر، لابد أن ترى كفن ابنتها حتى تثمر. وافقت على العرض دون أن تؤمن بتحلل طفلتها، هي شهيدة، ماتت في المشفى المتهالك.

مشت معهم وسط الحقول. رأت خيال المآتة ينعق مع الغربان، ونساء لهن أعين البوم، يرتدين الأسود، وقفت في قلبهن بجلباب أبيض مزين بالتوت. الشمس فوق رؤوسهن، والفراشات فوق “الأناية”، والبوص يحد الترعة بجانبها.

وصلت إلى المقابر، وجدت قاض الغربان فوق الجميزة العملاقة، وجديان سوداء فوق ...اقرأ المزيد

بحجم قطعة سماء

Bayt al-Suhaymi, Cairo, Egypt

تتساقط الشمس فوق رأسها شظيات حارقة، وينصهر أسفلت الطريق تحت قدميها، تلتصق به الخطوات فتتحرك بالكاد. البنايات على الجانبين تضغطها كقوسين تحتبس بينهما حتى تصير مجرد حرف مضغم لا يبين له معنى. كل ما يحيط بها بات جملا مبتورة لا تثير في روحها أي معاني بقدر ما تثير من علامات استفهام وتعجب.

كلما احتكت بها خطوات واقعها الثقيلة التي تسعى للهرب من وطأتها بالتنكر في صورة حجر صلب له سطح خارجي خشن ذو قدرة على المقاومة والصد، كلما علق بسطحها الخشن ذاك بعضا من قذارة تلك القدم الكريهة برائحتها العفنة، وانسدت مسام روحها بالأدران وغدت درجة أكثر حلكة من السواد. ما لم تضعه في الحسبان يوم راهنت على الحجر وخسرت الرهان هو احتمال أن يكون من نصيبها دونا عن كل الأحجار، حجر حمام منسي في ركن رطب مليء بالعفن!

تسعى الخطو حثيثا إلى المكان الذي تنفك فيه الأقواس وتتضح لها المعاني. تستمر في طريقها حتى يتبدل ملمس الأرض تحت قدميها. عوضا عن حرارة الأسفلت التي تحرق نعل الحذاء وتخترقه، تشعر قدمها بوخز تعرجات وبروز الأحجار التي ترسم وجه الشارع العتيق. مع كل خطوة تخطوها في المعز، تبدأ الأقواس التي ...اقرأ المزيد

منازل فوق السحاب

Jabal Yafuz, Yemen

اخرجت رأسي من نافذة المقعد الخلفي ونظرت الى الاعلى لاني رأيت الجميع يشيرون بايديهم وينظرون الى ذالك الاتجاه , اذهلني مارأيت , كانت جبال شامخه بدت وكأنها تصافح السماء لم يلفت انتباهي ارتفاعها بقدر ماشدني لونها الاخضر التي ترتديه , اوقف والدي السياره وطلب منا النزول بقوله اننا سنكمل السير الى قريتنا الواقعه في قمة احدى هذه الجبال مشيا على الاقدام , كانت هذه اول زياره لي للقريه التي عاش فيها والداي طفولتهم .

بدانا السير صعودا بعد ان تمكنا من الحصول على حمارا لكي يحمل اغراضنا فهناك حيث تقف سيارة والدي هي اخر نقطه في امتداد طريق اسفلتي من مدينة الحديده الى هنا في هذا الوادي المتاخم لجبل ,,يفوز
,,
كنت اصعد على مدرجات صغيره غير منتظمة يحيط بها مدرجات زراعيه كبيره متسلسلة بناها المزارعون بايديهم تعكس مدى عزيمتهم وقوة اصرارهم , النسيم العدب يداعب اشجارها التي اعلى غصن في احداها يلامس جدور اخرى اعلى موقعا منها , رائحة الطين الممزوجة بمخلفات الابقار كانت البعد الرابع في ذالك المشهد المسيطر , هنا بالقرب مني فتاة صغيره ترعي اغنامها وهناك على يميني نساء يجمعن الحصاد ورجال يحملون اوعيه مصنوعه من العزف .

احسست بالتعب من الصعود اشعر ...اقرأ المزيد

من الذي فتح الصنبور

The Egyptian Forensic Medicine Authority in Cairo, Egypt

ما هذا الصوت؟ يبدو كصوت مياه تتدفق من صنبور، غريبة أنا تأكدت من جميع الغرف ولا يوجد إلا أنا والجثث في المبني، أرهف السمع بعض الشيء وقام ليعرف من أين يأتي الصوت، إنه من داخل المشرحة التي بها الجثث، ولكنني أغلقت الأبواب بالأقفال بنفسي وتأكدت أنه لا توجد صنابير مفتوحة، فتح الباب ودخل، كانت هناك جثة لشاب تلقي طلقة بالخطء في رأسه، توجه إلي الصنبور وأغلقه، ظل يقلب نظره لعل أحد يكون مختبئ، ولكن لا يوجد احد، إذاً من الذي فتح الصنبور؟

المشرحة تلك الكلمة التي تثير في أذهان الجميع عالم العفاريت والظلام الدامس الذي تتخلله أصوات تترامى نحو المسامع لتدق ناقوس الخطر بهجوم احدها على كل من يحاول اختراق ذلك العالم.

مشرحة زينهم ذلك المبنى الكبير القابع في القاهرة والذي يخيم عليه الصمت، له بابان، أولهما يطل على شارع رئيسي، يعبر منه موظفو الطب الشرعي والعاملون إلى داخل المشرحة، وثانيهما مخصص لدخول وخروج الجثث من وإلى المشرحة، وهذا الباب مفتوح على شارع جانبي ضيق، وبمجرد المرور عبره تجد نفسك إزاء أبواب ذات لون كان أبيض، على ما يبدو، لكن بفعل الزمن أصبح متعدد الألوان.

وعند ...اقرأ المزيد

صديقي العزيز: الرفيق شمشون

Man leaned over green container, Directorate of Tourism, Latakia, Siria.jpg

متى بدأت قصتي مع شمشون؟ لا أستطيع التحديد على وجه الدقة, فقصتي معه مرتبطة بشباك غرفتي الراسخ في مكانه منذ ولادتي, والذي لطالما كان مكاني المفضّل للشرود. أقف خلفه بينما أشرب كأس الحليب في الصباح الباكر, وأتسلّى بمراقبة العابرين, أولئك المبكرون على الحياة والذين هم غالباً طلاب وموظفون يمشون بخطوات ثقيلة في الشوارع, التي لا يزاحمهم عليها, إلّاعمال النظافة و(النبيشة) الذين يأتون على دراجاتهم الهوائية لجمع الفوارغ البلاستيكية من حاويات القمامة. في المشهد ذاته يعبر أحياناً الرياضيون بخطواتهم الحيوية, متسببين بالإخلال بتوازن المشهد الصباحي المنذور للكادحين. وخلف النافذة ذاتها لطالما حلا لي الوقوف بينما أسرّح شعري قبل الخروج من البيت وكذلك وأنا أتحدث على هاتفي الخليوي أو أشرب القهوة عصراً.

في لحظة ما من طقس النافذة اليومي تسلّل شمشون إلى يومياتي وأصبح صديقي. رغم أن مفردة صداقة ليست ملائمة تماما ً لأننا لم نتبادل الحديث يوماً كصديقين, لأنّ شمشون لم يكن من ذلك النوع الذي يحبّ الكلام. اكتشفت ذلك يوم قرّرت أن أشاركه فطوري, ولففت له عروسة من البيض المسلوق والبندورة, وحين وصلت إلى مكان جلوسه ...اقرأ المزيد

أريدك في الأرض …قبل السماء….

Entrance to the walled city, Oujda, Morocco

كل الحكاية.. بدأت حينما عزمت ليلى على تعلم الكتابة و القراءة … ليلى تجاوزت الأربعين بسنين قليلة، لازال زوجها مجنونا بها، يمطرها بكلمات العشق ، يستبد به جمالها ويأسره جسد لم يتأثر بعسر و جهد الإنجاب المتكرر ثلاث مرات. كانت ليلى تعيش كل السعادة مع المجنون …فجأة تغيرت أشياء كثيرة ، فقدت إحساسها بالحياة .. أصبحت تستعجل الموت .. تهرب من دفء العلاقة الحميمية ، تتقرب أكثر من الله و تبتعد عن زوجها أكثر فأكثر كلما عادت من مركز محو الأمية .

كان المركز يستقطب نساء من مختلف الأعمار،كن يتعلمن به كتابة و قراءة الحروف و من باب الصدقة الجارية كن يتلقين دروس وعظ و إرشاد ، قالت لهن المرشدة في درسها الأسبوعي :” أتعرفن أن للمرأة تاريخ صلاحية …. ؟!.. يستهلكه الزوج بنهم .. عندما ينتهي ذلك التاريخ.. ينتهي كل شيء بالنسبة لها ….” ضج القسم بضحكات وتصادمت في الفضاء علامات استفهام و تعجب،فأضافت:” بعد تجاوز المرأة سن الأربعين ، ينتهي تاريخ صلاحيتها … تدخل سن اليأس فيصبح حرثها مجرد عبث.. عليها إذن أن تبتعد رويدا رويدا عن زوجها و تتقرب من الله فتكثر ...اقرأ المزيد

الأنباريين وقدمي المعلقة

Kadhimiya, Baghdad, Irak

نحن نولد بقدمين غير أن أحدهما تقف في المكان الذي ننشأ فيه، بينما الأخرى تظل معلقة، بأنتظار قفزة تغير خريطة مستقبلنا.

حين أطلقت صرختي الأولى في هذا العالم ، كانت صرخة تسجل في منطقة تدعى الأنباريين..جزء صغير جدا بحجم حبة العدس تراه في خريطة بغداد. هناك في تلك المنطقة نشأت واقفة بقدم واحدة ، جاهدة للتطلع بوثبة للغد. نشأت أثمل بعبق الجدران الخشبية المزخرفة لشناشيلها، و الزجاج الملون الذي يغطي شبابيك بيوتها. غرتني جدرانها القديمة بقدم تاريخها لتكون لوحتي أرسم عليها شغب طفولتي. أزقتها الضيقة الأثرية المتخمة بحكايات تتوارثها الأجيال، تكاد تكون سحرا مضببا يفوح منها البخور كل مساء، يتناغم مع هديل حمام الوقواق .

خيوط الفجر فيها، يرسم لوحته بأذان لضريحي تجاورهما .. الأمام موسى الكاظم وحفيده الأمام محمد الجواد ( عليهما السلام). ولبركتهما تزدان الأنباريين بحمام الهاشمي.. حمام كانت الملكة عالية تأتي بوحيدها فيصل الثاني، ملك العراق السابق لمعالجته من وعكته الصحية ( الربو).

حين يتنفس الصباح فيها، يطرق السمع زمجرة لفتح أبواب الدكاكين ..منها مخبز، عطارة، حدادة.. وغيرها من يتألف مع صوت أمراة تتشح السواد، تضع صينيه فوق رأسها، تصيح ( قيمر)بينما تتجول ...اقرأ المزيد