حدث كل شيء بسرعة.. حتى أنه لم يجد الوقت الكافي ليبتعد و لو نصف متر آخر قد يجنبه خسارته الأكبر، في حين كانت المدينة تقدّم آخر ضحاياها، و توقع شهادة عجزهم الطبّي على ورقة واحدة تحمل أكثر من عشرين اسما.. كأي مقبرة جماعية تحترف المدن العربية طقوس افتتاحها، تماما كمرقص شرقي جديدٍ مقابل للمسجد الوحيد الذي تحاصره الحانات من كل جانب.
كان شارع “ديدوش مراد” الذي يحتفظ قسرا بتسميته الفرنسية القديمة “les R4” يستيقظ كعادته على صوت آذان الفجر.. يخلع بتكاسل متعمّد معطف السواد الذي تدثر به ليلة كاملة، و يقعد إلى جانب بائع التبغ العجوز دائم الشكوى. أو يلتقط مع طيور الحمام فتات الخبز المتساقط من نوافذ نصف مشرعة تطلّ من إحداها سيدة في الأربعين لم تكلف نفسها عناء تسريح شعرها.. تنفض سجادها المطرّز بنمنمات مغربية بارزة، غير آبهة لنوبة العطاس التي تصيبها. و على شرفة مقابلة، سيدة أخرى تفتتح يومها بعادة صباحية مغايرة تماما.. فمن تحت شرفات البيوت السكيكدية أنت أمام احتمالين لا غير، إما أن تتعود استنشاق ذرات الغبار التي يتحسس أنفك منها.. و إما أن تحترف العبور الرشيق تحت الشرفات تجنبا ...اقرأ المزيد