موعدٌ في الجنة..

Skikda, Algeria

حدث كل شيء بسرعة.. حتى أنه لم يجد الوقت الكافي ليبتعد و لو نصف متر آخر قد يجنبه خسارته الأكبر، في حين كانت المدينة تقدّم آخر ضحاياها، و توقع شهادة عجزهم الطبّي على ورقة واحدة تحمل أكثر من عشرين اسما.. كأي مقبرة جماعية تحترف المدن العربية طقوس افتتاحها، تماما كمرقص شرقي جديدٍ مقابل للمسجد الوحيد الذي تحاصره الحانات من كل جانب.

كان شارع “ديدوش مراد” الذي يحتفظ قسرا بتسميته الفرنسية القديمة “les R4” يستيقظ كعادته على صوت آذان الفجر.. يخلع بتكاسل متعمّد معطف السواد الذي تدثر به ليلة كاملة، و يقعد إلى جانب بائع التبغ العجوز دائم الشكوى. أو يلتقط مع طيور الحمام فتات الخبز المتساقط من نوافذ نصف مشرعة تطلّ من إحداها سيدة في الأربعين لم تكلف نفسها عناء تسريح شعرها.. تنفض سجادها المطرّز بنمنمات مغربية بارزة، غير آبهة لنوبة العطاس التي تصيبها. و على شرفة مقابلة، سيدة أخرى تفتتح يومها بعادة صباحية مغايرة تماما.. فمن تحت شرفات البيوت السكيكدية أنت أمام احتمالين لا غير، إما أن تتعود استنشاق ذرات الغبار التي يتحسس أنفك منها.. و إما أن تحترف العبور الرشيق تحت الشرفات تجنبا لما قد يتقاطر من ...اقرأ المزيد

ظل امـــــــرأة

jpg (9)

تلحف الشتاء سرابيله ودلقت برودته على روابي الرّيف، الأرض التي تعبق الطيبة من طينها..من عرق أهلها.
بين وهاده تواضعت بيوت طينية لاتكاد تخفي ما بداخلها بعدما طفحت أسرارها بين أهلها، يلوكونها رغيفا ليومياتهم المرهقة بمخاض الفتنة الذي شكّل مع
الفقر متلازمة عيشهم، قريبًا منهم كان النهر يتلوّى في عنفوان حاملا بين ضفتيه أحجيات معلقة بين الوهم والحقيقة، تزهر في منتهاها سذاجة أحلامهم. تحت حمرة سقف عتيق ظلّل الشوق حناياه، نام الحلم طويلا ليصحو على فجيعة.

عاد إليهم بعد غربة تُوشِّح ظله امرأة ــ بعدما أغواه بريق التمدن الزائف ـــ فخرب عشًّا دافئًا لأطفال ظل ريشهم ينمو في طمأنينة وهم ينتظرون خلف أحلامهم المؤجلة عودة والد سيحضن شوقهم..سيضيئ بحضوره ليل غربتهم الطويل..من بعيد مد الأمل يديه ليعانقهم، ليعبّد دربًا تختزل مسافات الإنتظار.

أخيرا سيخلو لهم وجه أبيهم الذي ظلوا ينحتونه شوقا على صخور البراري، ثم يدسّونه بين ذكرياتهم، ويحفظوه بعيدا في أعماقهم حتى تحين مواسم اللّقاء، لكن جمر الغيرة المنبعث من هشيم العمر الضائع أحرق لهفتهم فتكدّر ماء الفرحة في عيونهم.

فتح على نفسه أبواب الحرج وهو يطلّ على أهله ليلا يتبعه ظلّ امرأة متحضّرة، رافقت دربه من العاصمة أين يعمل، طبعت ...اقرأ المزيد

البليدة مدينتي: باب وطني

captu214

لم يكن سهلا على وسيم الوصول إلى مهد أجداده وهو لا يعرف عنها إلا القليل لكن تعرفه على سمير جعله يشعر بالأمل بذلك، كان وسيم شابا بالعشرين من عمره أما سمير فكان بالثلاثين.

مدينة البليدة هي مدينة عُرفت قديما أنها مدججة بالورود فلم يكن من سمير إلا أن طلب من وسيم الاستفسار عند صانعي العطور ومن أين لهم بأفضل ورود. بدأت رحلته بشوارع باريس وهو يسأل عن مصدر الورود والأزهار التي يتم استخلاص الروائح الزكية منها إلى أن زار عطارا اشترط عليه العمل لديه لمدة شهر بأكمله دون انقطاع كي يوصله بنهاية المطاف إلى مدينته، فكان له ذلك وهو يجر قدميه كل فجر إلى أن تغيب الشمس وبعد أن اكتمل الشهر أخلف العطار بوعده وتنكر لمساعدة وسيم الذي اشتد حنقه عليه وارتفع صوتهما إلى أن سمع أهل المدينة بقصة وسيم وشوقه إلى التعرف على مدينة أجداده ومن خلال سرده لكل ما يعرفه عنها دله أحد المشايخ للمدينة إلى مكان تم سقوطه منذ قرون وقال له الأندلس هي المدينة التي تبحث عنها فقد عُرفت بالورود والبساتين وكل الروائح العطرة لقد بناها المسلمون بالماضي وأكثروا من الأزهار بكل أنواعها.

توجه وسيم إلى هناك شاما كل ...اقرأ المزيد

الغريق يتنفّس

2

وقفت تحدّق ببندقيّته المعلّقة على حائط الذّكرى ..أيقظت ماضيها فأنفتح لها بابه..ما إن تخطت عتبته حتّى انطلقت خلف أسراب اليمام. كانت حركة السّحاب تتسارع في سماء الظهيرة..تعثرت خطواتها فجأة وهي تسمع صوت الطلق قريبًا منها. دوّت بصرخة من خلجان أعماقها وهي ترتعش..كانت تعلم أنّ رصاصة الصيّاد لا تخطئ الهدف؛ كأنّما أصابتها بدل تلك اليمامة الغارقة في دمائها. فجأة أحسّت بيد تلامس كتفها، إستدارت فلم تجد أحدًا، تنفّست بعمق..تأوّهت من مدخنة قلبها..كان ذلك طيفه الّذي أخرجها من أوجاع الذّكرى. إستفاقت و يدها تخلع باب الكوخ الّذي ظلّ يعزف نشيد البرّية الموحشة. إنطلقت حتّى أدركت رموش الشّمس، راحت تغرس أمنياتها..توقد أشواقها لتتجاذبها برودة القمر ليلًا، تأخذها بعيدًا حيث أنصاف البشر. قريبًا من صخرة الإنتظار، حطّت البومة لتنذر بشؤمها، خاطبتها وهي متوجّسة ممّا يحمله الغد:

-أغربي من هناك وخذي شرّك معك..وضعت يدها فوق القلب الصّغير الّذي كان ينبض.

في أحشائها..أحسّت ببعض الإطمئنان، تحرّكت شفتاها بشيء من الدّعاء و راحت تجرّ ثقل البعد و الحرمان عبر أزقّة الوحدة، في لحظة بدأ السّواد يزحف و يخفي ملامح القدر حتّى تشرق شمس المجهول.

في الدّاخل قابلتها من فتحة السّقف سماء ملبّذة بلا نجوم..تهاوت من رحمها قطرة فأنبتت صبرًا..عانق الألم ...اقرأ المزيد

اختر مغامرتك

لم تكن تستهويها فكرة وضع

أ) تذكار دائم لخشونة زوجها الراحل.

ب) سبب لبقاءها على قيد الحياة.