يُونُس

Niniveh, Irak

يا ذا النون عُذرًا.. استعجلتُ أمري فكان في التأخيرِ بعضُ الجزاء، ظللتُ أحسبُ الساعات بين حاضر ومستـقبل آت، فهمتُ رحلتك فانتابتني ضحكة ندم بطعم البـكاء، وضعـتُ آمالى على نار الغفلة مع طول الرجـاء، قلبتُ مع عقارب الساعة في استعجال واسترخاء، صاحبني جهلي عام بعد عامِ إلى أن أذن بما شاء، الأمسُ والغدأ، الليل والنهار بأمـرهِ كل لديك سـواء، تأدبتَ بالمعجزاتِ إلى أن أسعدت الأرض باللقاء، يا ابن متى: نُسبت إلى أمك وعيسى بن مريم البتول، عليكما السـلام من السـلامِ الحى القـــيوم، أُرسلت في نينوى إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدون، استعـجلت علـيهم وأســأت باللهِ الظُـنون، فذهــــبتَ مُغاضـبًا إلى قــدرك الـمحـتوم.

اسـتهم أهل السفينة ثلاث وأنت المقصود، أُلقيت في اليم وكنت من المُدحضين، فالتقـــمك الحـُــــــوت وأنت مُلــيم، سبحان من كان أمره بين الكاف والنون، أمر الحوت ألا يخدش لك لحمًا ولا يُهشم لك عظمًا، فأنت ليس له رزقًا لكن بطنه لك سجنًا، شق بك البحار حتى وصل إلى قاع القرار، سمعت تسبيح الدواب حتى حصى البحار، ظننت موتًا ثم أدركت حياة: حين بدأت رجلاك بالحراك سجدت في إنكسار، في ظلمات ثلاث قلت للمولى: سجدتُ لك في موضع لم يبلغه أحد من ...اقرأ المزيد

طلل عصري: في رثاء المكان…

Chemaia

سمعت الخبر وانا اجلس بمقهى الوردة الحمراء: سقوط الحاج جيفارا بإحدى حفر شارع المسيرة الخضراء….هنا أمران لابد من الوقوف عندهما أولا و قبل أي شيء أخر: أولهما اسم المقهى، وثانيهما اسم الحاج…

*مقهى الوردة الحمراء: هي إحدى المقاهي العصرية بالبلدة، هذا النوع الذي لم يتجاوز العشرة الى حدود ثمانينيات القرن العشرين…وقد ارتبطت باسم الحاج جيفارا….رغم ان ابنه عمر المهدي هو مالكها الحقيقي وهو صاحب المشروع ومموله…المهدي عمر (يحلو للحاج جيفارة التلاعب بترتيب الاسمين) هو البكر …يعمل بالمهجر الأوربي…بلجيكا بالضبط…اسم له نكهة خاصة عند الحاج…يذكره بالنضال وزمن البطولة…حين ولد عمر المهدي، وذهب الحاج لتسجيله بمكتب الحالة المدنية، اضطر للقيام بمعركة ضد السلطات التي رفضت الاسم….وهو الأمر الذي وقع أيضا حين أراد الحاج تسجيل اسم لمقهاه…رفضوا كلمة الحمراء ووافقوا له على اسم (مقهى الوردة) فقط…لكنه انتفض وقرر كتابة الاسم كاملا(مقهى الوردة الحمراء) متحديا السلطات المحلية ورافعا دعوى قضائية ضدها بدعم من جمعيات مدنية… حقوقية خصوصا..قالوا له (لا داعي لهذه الرموز اليسارية). فقال لهم (سأضع في المقهى صور غيفارا ولينين وعمر والمهدي و…)…ومن هنا سمي بالحاج جيفارا…كان رائدا في إعداد المكان..فبعد ان كان مجرد “كراج” يخلو من أية جمالية أصبح مقهى عصريا بالزليج ...اقرأ المزيد

موعدٌ في الجنة..

Skikda, Algeria

حدث كل شيء بسرعة.. حتى أنه لم يجد الوقت الكافي ليبتعد و لو نصف متر آخر قد يجنبه خسارته الأكبر، في حين كانت المدينة تقدّم آخر ضحاياها، و توقع شهادة عجزهم الطبّي على ورقة واحدة تحمل أكثر من عشرين اسما.. كأي مقبرة جماعية تحترف المدن العربية طقوس افتتاحها، تماما كمرقص شرقي جديدٍ مقابل للمسجد الوحيد الذي تحاصره الحانات من كل جانب.

كان شارع “ديدوش مراد” الذي يحتفظ قسرا بتسميته الفرنسية القديمة “les R4” يستيقظ كعادته على صوت آذان الفجر.. يخلع بتكاسل متعمّد معطف السواد الذي تدثر به ليلة كاملة، و يقعد إلى جانب بائع التبغ العجوز دائم الشكوى. أو يلتقط مع طيور الحمام فتات الخبز المتساقط من نوافذ نصف مشرعة تطلّ من إحداها سيدة في الأربعين لم تكلف نفسها عناء تسريح شعرها.. تنفض سجادها المطرّز بنمنمات مغربية بارزة، غير آبهة لنوبة العطاس التي تصيبها. و على شرفة مقابلة، سيدة أخرى تفتتح يومها بعادة صباحية مغايرة تماما.. فمن تحت شرفات البيوت السكيكدية أنت أمام احتمالين لا غير، إما أن تتعود استنشاق ذرات الغبار التي يتحسس أنفك منها.. و إما أن تحترف العبور الرشيق تحت الشرفات تجنبا لما ...اقرأ المزيد

حيُّ الشُّجَاعِيَّةِ

Family running away in Gaza

صباح الخير أيتها الشهداء، نهاركَ جميل بنَا أيها الوطن ….

قبل أن أقول كل شيء لآلاف البشر الذين يشاهدونني على شاشات التلفاز، علي أن أستجمع كل قطع الذكريات المتشظية هناك، و أن أحفر لها قبرا عاشرا و أقرأ الفاتحة على تلك الأشلاء التي لم تجد قبرا يسعها، ستظل تسافر معي و تطلب الثأر، علي أن أمشي على رؤوس أصابعي، فلعل قلبا صغيرا انتثر هنا فوق هذا الرصيف، علي أن أحني رأسي قليلا و أتجنب النبش العنيف، فهذه أنامل “مريم” بين هذا الركام الرمادي، هذه ألعاب ” ورد” المخزوقة، و التي يخرج الصوف من منخارها، و قليل من الدم، هذه أساور ” نهلة” التي ترج بها سكون الليل، هذه كتب ” الجليلة”، أقلامها، دفاترها… هذه صورة العائلة. و الفانوس الذهبي الذي اشترته ” راما” لتستقبل به رمضان، حين رفعت الآلة الصفراء تلك سقف البيت الذي انهار كلية فاحت رائحة العائلة كلها دفعة واحدة، كدت أسقط، ارتجفت ساقاي و ما عادت تحملانني أكثر من ذلك، تركت كل شيء و عدت أجري و أسقط و أتعثر بين أكوام الركام. حتى وصلت شارع النزار في حي الشجاعية، كان الناس يغادرون ...اقرأ المزيد

الغريبة

Views over Kuwait City at night

الساعة الثامنة مساءً بخطوات سريعة صعدت سلم الطائرة في مطار اسطنبول للعودة الى الكويت … دخلت استقبلتني ابتسامة المضيفة ورددتها وانا انظر الى ورقة الجلوس بيدى، هناك رقم خاص بمقعدي اذكره تماما E 11، وصلت المقعد فكانت فتاة صغيرة تجلس بجانب النافذة كانت منكمشة في مقعدها ولان الجو كان باردا فقد كانت ترتدي الجاكيت المطري حتى الرأس وتبدو ملابسها بسيطة وملامحها من افريقيا … كانت تبدو مجهدة العينين حين التفت نحوها رأيت الأحمرار واضحا ربما من الإرهاق جلست بجانبها منقبضة القلب في صدري مخاوف وقلق سالت نفسي بم تفكر تلك الصغيرة؟ لم يبدو الإرهاق واضحا عليها وهذا الاحمرارفي عينيها؟؟ ماذا يمكن ان تفعل؟ من اي دولة هي؟ ربما كانت من اثيوبيا!! .. يقولون ان هناك قبيلة في اثيوبيا من طقوسها انها تذبح البشر وتقدمه كقربان للآلهة حسب معتقداتها .. وربما كانت تلك الصغيرة من هذة القبيلة وأتت للخليج للعمل.. كانت تمسك بشدة كتاب صغير وتمد بصرها نحو الامام ولم تلتفت وربما لانها لم ترحب بي و تبتسم كما ابتسمت المضيفة ربما لأجل ذلك جال بخاطري انها من قبائل اثيوبية فقد غلب عليها ...اقرأ المزيد

حنين وذكريات

desouk kafr ibrahim Egypt

عدت لتوى من سفرى للخارج ..كم اشتقت كثيرا لبلدتى الصغيره …اصبح كل شىء فيها اكثر بهجه من ذى قبل… الاشجار العاليه واغصانها اليافعه…وعصافيرها الرائعه المغردة ..ولا احدثكم عن هوائها النقى فهو بحد ذاته علاج كبير لكثير من الامراض..كانت اجمل ايام شبابى فى تلك البلده الصغيره..حنين وذكريات كثيره لم تهدأ ثورتها ابدا بداخلى …لم يعكر صفو اجازتى سوى مرض امى الحبيبه..وبحكم عملى كطبيب شاب اوليتها كل اهتمام ورعاية من الممكن ان تحصل عليهم فى بلده صغيره كبلدتنا…لم يكن مرض امى خطيرا وانما مجرد ارهاق صغير..ولكن لهفه الابن المشتاق ولوعة قلبه كانت هى من تزيد المرض فى عيناى.. اهى تلك النهايه ياامى …

كل يوم اتنزه قليلا على ضفاف نهر بلدتنا الصغير .. الهو مع كل شىء طبيعى من حولى..مياه كانت او عصافير صغيره او اطفال يلهون بكل براءه وحب…مخطىء من ظن انى عدت لبلدتى كى اعطيها شىء … فعلى عكس الواقع انا من احتاج الى ان أخذ منها وأخذ منها الكثير والكثير والكثير …إشتد مرض امى وقد ادركت انها النهايه التى كنت اخشاها .. لم يكن لى غيرها ولم يكن لها غيرى … فانا غير متزوج .. وابى ...اقرأ المزيد

كـــاره الحيـــاة

Puente Qasr al-Nil, El Cairo

مصطفى شاب تجاوزالعشرينات من عمره ..خريج احدى الكليات..ارتبط منذ سنوات دراسته الاولى بزميلته هيام .. وما لبث ان تخرج حتى حول علاقتهما الى علاقه رسميه.. فقد تقدم الى خطبتها من والدها الموظف المرموق الذى لم يرحب بالفكره خاصة وان مصطفى لم يعمل بعد ..الا انه امام اصرار ابنته لم يجد بدا من الموافقه
مرت شهور .. ولم يتغير الحال.. يبحث عن عمل مناسب لكن دون جدوى..
ذات ليله ممطره استقبل هاتفه المحمول مكالمه من حبيبته..اخبرته ان والدها يريد فسخ خطبتهما..واخبرته انها ستضطر لقبول رأى والدها بعدما ضاق بيها الخناق..
اصيب مصطفى بمزيج من الذهول وخيبه الامل..حبيبته هى الوحيده التى كانت تسرى عنه وتشد من أزره..ستذهب ولن يعد لها وجود ..شعر ان حياته لم تعد لها قيمه وراودته فكره التخلص منها..ولم تلبث ان تحولت فكرته الى قرار!
خرج من بيته..لم يكن الوقت بالمتأخر ولكن هطول الامطار ساعدت على خلو الشوارع من الماره..استقر به الحال اعلى كوبرى يطل على نيل مصر الساحر.. تردد لحظه..ونظر حوله وكانما يتأكد ان لا احد يراقبه .. ثم اتخذ قراره وألقى بنفسه من اعلى الكوبرى..
-لا حول ولاقوه الا بالله

-اسرعوا بالاسعاف

تلك هى الاصوات التى تناهت الى مسامعه وهو ...اقرأ المزيد

الذاكرة المطاط

قـاع أسـراس، المغرب‭Quaà Asserasse, Marruecos

خارت قوى ركبتاي وأنا أسير على جانب الوادي لبلوغ منزلنا الواقع قرب البئر في بلدة قاع اسراس. مفعول السجائر على المعدة الخاوية جعلني كقطعة ورق تقف في وجه الرياح. فكرة العودة كانت تطرق جمجمتي، لكن عن أي عودة أنا أبحث؟ فأنا كلما تقدمت بقدمي خطوة إلى الأمام عادت ذاكرتي ألف خطوة إلى الوراء.

الآن أنا أقف على بعد بضع خطوات من المكان الذي قصدته. كان الستار متدليا على الباب. تصلني أصوات موسيقى جبلية ورائحة طاجين السمك. كل قطعة في جسدي ترتعش، زادت سرعة دقات قلبي، ماذا سأقول له عندما أراه؟ أو ماذا سيقول هو عندما يراني؟ هل سيتذكرني بعد كل هذه السنين؟
طرقت طرقتين على الباب وقلت السلام عليكم. انقبضت عضلات وجهه وانحبس دخان الكيف في حنجرته، كاد يختنق من فرط السعال، وقع بصري على قنينة ماء فقدمتها له، شربها بسرعة وتعانقنا، رائحته لم تتغير، رائحة العرق ممزوجة برائحة دخان الكيف.

-لقد صرت رجلا يا عماد.

قال وعيناه تتغرغران بالدموع، حقدي الشديد عليه خيّلها لي دموعا مُصطنعة، لم أقل شيئا، فقدت قدرتي على الكلام.

-قالوا لي أنك قد تفوقت في دراستك عكس إخوتك.

قلت: لو كانوا وجدوا ظروفا مناسبة لتفوقوا هم أيضا، وما كان حالهم هو الحال
فلاذ ...اقرأ المزيد

شارع الرحمة

Khorshid_awaed Rd, Al Khodrah, Markaz Kafr El-Dawar, El Beheira Governorate

أخرج من مسجد (الحمد) بعد انتهاء صلاة الجمعة، لا أذكر شيئا من الخطبة، كانت طويلة مكررة، والإلقاء سيئ، مما أعطانى فرصة لأفكر فى لقائى به.

أعبر الطريق المرصوف الموازى لترعة (المحمودية) لأقف على أول (شارع الرحمة)، يفصلنى عنه خمسمائة مترًا وخمسة وثلاثون عاما، وألم أراه يتزايد فى عينيه بعد كل لقاء، غضب يخيفنى حتى بت أخشى لقاءه، أمشى ببطء شديد مخافة أن أقع فى إحدى الفجوات الزمنية بين الصور التى تنطبع على عيني.

على يمينى؛ ولمنتصف المسافة تقريبا يقع السور العالى لشركة الأدوات الصحية والسيراميك الشهيرة، التى غيرت البيئة الجغرافية والاجتماعية للمنطقة، تتداخل الصور الملونة الآنية، وصور الأبيض والأسود القديمة، فتهتز خطواتى، بالتات السيراميك الخاصة بالتجار تستند على سور الشركة، كنت ورفاقى نقفز فوق هذا السور الذى لم يكن بكل هذا الارتفاع لنسرق بعض ثمار البرتقال أو المانجو ونحن عائدون من (كُتاب الشيخ السعيد)، بعضنا يتسلق أشجار النخيل القريبة من السور، البعض يقذف الأشجار بالطوب، فيتساقط البلح الأحمر والأصفر على الأرض بجوار السور، أو فى مياه المصرف الصغير المحاذى له، صفارة عالية نسمعها من الولد (حمدى الأعرج) الذى ...اقرأ المزيد

القَادِمُ مِن السَّمَاء

bab_sharqi_damascus

كَم كانَت تلكَ اللَّيلةُ مُدلهِمَّةَ الظَّلَامِ والشَّرِّ، وسط ساحة ذلكَ الجَامِعِ الكَبِيـرِ، ومع ذلك الأعور الخبيث والّذي كأنَّهُ خرج من قعر زنزانة في الجحيم، لا يقدِرُ عليه أحدٌ من الإنس ينشُرُ الضِّلالَ ويقطع رؤوس الأبرياء وبارعٌ في السِّحرٍ أيَّما براعة والّذي كان قد أعاث الفَسَادَ في الأرضِ ووصلَ إلى ((الليفانت(1)))، هاهنا استفحل اليأس فِي جُزءٍ كبيرٍ من النّاس باستثنائنا وكُنَّا معتكفين بالمسجدِ الكَبير(2) ونحن نرجو الرَّبَّ أن يَمُدّنا بجندٍ من جُنده يقدِرُ على تخليصنا ويفقأ تلكَ العين المتبقية في رأسهِ، وإذ بلجَ رَجلٌ ينزلُ مِن السَّمَاء على شيءٍ يشبهُ المَلاكَ، يضع كفيه على أجنحة ذلك المَلاك الّذي يمتلِئ مسار طريقه إلى تلك المَنارة السَّاحرةِ نورًا وبهاءً على غير مثالٍ سابقٍ، يفوحُ منه ريحٌ يُرعب الضَّالين ويريح المؤمنين، هاهنا ذهبنا راكضين إلى تلك المنارة لنرى مَن هذا يا تُرى؟ وقد ازداد إيمانُنا لا إردايًّا بأنَّ مَن يطلب الخيرَ بصدقٍ ستساعده السَّماءُ دومًا من حيث لا يحتسب، ركضنا وركضنا ونحن نأمل أنْ لا يعترضَ طريقنا ذلك الأعور أو أحد أشياعه الّذن ملؤوا الأرض ظُلمًا وفسادًا، فعندما وصلنـا لتلك المَنارة ودخلنا دون طرقٍ على الأبواب وجدنا ...اقرأ المزيد

اختر مغامرتك

أوليس رائعا أن

أ) نعيش معا على قدم المساواة.

ب) نموت جميعا كما لو كنّا نفسا واحدة.