التعليق الأدبي على قصة “عند بائعة الشاي”

Nel mezzo del cammin

بعد قراءة القصص المتأهلة للمرحلة النهائية، جلست لأكتب انطباعاتي الأولى عنها لكي أقرر أي من هذه القصص أثرت عليّ أكثر. وعندما انتهيت كان لدي شعور بأنني قد تخطيت إحدى القصص ولكن بعد قراءة مراجعاتي أدركت بأن هذا الشعور مردهُ هو أنني قد ذكرت إحدى القصص بشكل عابر في البداية وكنت قد ذكرت بأنني لم أستوعب خلاصتها. لقد كان اسم هذه القصة “عند بائعة الشاي.” إدراكي لتلك الحقيقة جعلني أشعر بأن القصة جعلتني أحس بنفس شعور الشخصيتين الرئيسيتين في القصة. فهما يظهران في القصة وهما جالسين في ساحة عامة ويتبادلان كلمات قليلة لتبادل الأفكار. لا يبدو عليهما بأن بإمكانهما فهم عالمي بعضهما البعض من خلال الحديث الذي يتبادلانه ولكن يبدو بأنهما قادران على التواصل مع بعضهما أو، على الأقل، إثارة انطباعات غامضة وعابرة لدى الشخص الآخر عما يريدان التعبير عنه وهو شيء يمكن أن نصفه بأنه يمثل بصمةً أو لحناً أو الشعور بأننا نسينا شئياً ما.

هذا ما أعادني إلى النص، الشعور بأنني قد نسيته. وبالتالي قرأت القصة مُجدداً يحدوني الفضول ذاته الذي يدفعنا لكتابة القصص؛ لنعبر بالكلمات عما نتصوره في عقولنا من أفكار نفيسة كالجواهر البكر الفريدة التي يُقصد بها إضفاء المعنى على أجزاء من الواقع نشعر بأننا ننجذب نحوها ولكننا لم نفهمها بعد.

كتلك اللوحات التي تدعونا أحياناً من زوايا قاعات المتاحف الكبيرة المترعة بالرسومات —والتي لا تتميز بالضرورة بسبب أحجامها وبريقها بل لأنها تبدو وكأنها تعكف على حماية سر ونحن بالطبع يجتاحنا فضول قاتل لمعرفة هذا السر على الفور —هذه القصة ولسبب ما اختارتني بدلاً من أن اختارها وكما لو كنت أمشي وأنا نائم لم يكن بمقدوري سوى تلبية ندائها.

أعتقد بأن الهدف الحقيقي لجميع الأعمال الفنية والأدبية هو أن تتحول إلى واقع يمكن لكل من يطلع عليه التحقق منه ولكن في الوقت ذاته لا يملكه أحد بغض النظر عن المحاولات المحمومة للخروج بخلاصات للتحقق من فهمنا للواقع. هذه الأعمال يجب أن لا تستهدف شخصاً محدداً بعينه ولكن يجب أن تكون كتلك الرؤى التي لا يمكن تحقيقها والتي تغري كل أولئك الذين لا زالوا ينظرون ليسمحوا للعالم بمفاجأتهم.

للحياة إيقاعها الذي يشي للشخص بالوقت المناسب للانسحاب دائرة الراحة وخوض غمار المجهول وغير المتوقع فيضفي ألواناً زاهيةً جديدة على فضاء الواقع الذي اعتاد الشخص عليه وبالتالي فقد أصبح مملاً ورتيباً. تلك هي الحياة، على الأقل، مع بريق وسحر وهي الحياة التي تحصل فيها على انطلاقة مفعمة للعيش وهي الحياة التي تزج بك في طرق المجهول وتقنعك بأن تلتفت مرةً بعد مرة لمواصلة فهم ما يحيط بك وأن تستمتع بكل لحظة فكل منها لها نكهتها الفريدة. إن الاندفاع في المجهول بحثاً عن قواسم مشتركة مع غريب ظهر في حياتنا للتو هو سر الحياة. أعتقد بأن هذه القصة تلامس جذوة إنسانيتنا التي تتجلى في العادات القديمة قدم الدهر والتي يحافظ عليها البشر وتتمثل في فتح حوارات لا متناهية، تتراوح من تجاذب أطراف الكلام إلى حوارات متطاولة، هدفها الرئيسي الترويح عنا وتشتيت انتباهنا عن عدم جدوانا كبشر.

وعلى الرغم من أن الرسالة التي تقدمها القصة تبدو بسيطة إلا أنها تؤكد على حقيقة عالمية منسية على مستوى العالم ألا وهي أن هناك فرق بين ما يدركه المرء في قرارة نفسه وما يُصرح به علناً لأن هناك شيئاً لا يمكن فهمه ومحفوف بالمخاطر بخصوص ما يجعل الحياة فاتنة ومجنونة وتستحق العيش، والسعي وراءها لا يعتبر مقبولاً عموماً. يستطيع المرء فقط أن يصغي لموسيقاها ويتبع ألحانها كلاً حسب وتيرته فلا نجد رفاقاً سوى بائعات الشاي، العرافات، اللواتي يتنبأن بالمستقبل وقد خُلقن من نفس المادة التي تصنع منها العطور، ولكن لا أحد يستمع إليهن، مهما تعبن من تكرار توسلاتهن “أخبرتك بهذا”. يعيد التاريخ نفسه مرات ومرات: نعاني بسبب خساراتنا ولكننا نتابع المضي قُدماً حتى تحين اللحظة التي نلتفت فيها للوراء لنكتشف بأننا تُركنا بمفردنا. ولكن الغد سيكون يوماً جديداً وسنعود لأعمالنا، لبيع الدخان، وهو العمل الذي نكسب منه قوتنا.

 

نسخة مترجمة من الإسباني.

بقلم المؤلف ريكاردو تابيا بيجاميل