سألت قدميها: لماذا تحملانى إلى هنا؟ وسألت قلبها: لماذا تداوم على تعذيبى؟
جولتها اليومية على الشاطىء فى برج رشيد، فى المكان ذاته الذى كان يطيب لهما دوما ان يلتقيا فيه، و يكتبان حروف حبهما على الاحجار.
اصدفة هى انه نفس المكان الذى تنطلق منه قوارب الهجرة غير الشرعية إلى اوروبا؟! ام تراها كانت نبوءة للمستقبل؟
كان الحب يكبر يوما بعد يوم، اما الزواج فكان فكرة خيالية بمتطلباته العالية، و ديون الاسرة.. قال لها: “سأذهب إلى هناك، بضع سنوات فقط و اعود، ترتاح عائلتى و نتزوج!”
ذعرت و رفضت تماما.. ” اخاف عليك من الهواء، فكيف بالبحر الغادر؟!”
لكنه كان مصرّا، بالنسبة له، هذا هو المخرج الوحيد لازمتهما.. تمسّك بأن يجرب حظه، فاقترض مبلغا من قريبه، و اضافه إلى المبلغ القليل الذى ادخره للزواج.
لم تفلح توسلاتها ووعودها بالصبر والتحمل فى اثنائه عن السفر، وفى اليوم الموعود ودعته بقلب جريح وعينين زائغتين.
كانت تطمئن نفسها بأن هذا يحدث للاخرين فقط، اما الحبيب فسوف يسلم قطعا، لكن الخبر الصاعق الذى انخلع له قلبها لم يتأخر.. لم تستطع ان تصدق انه يرقد الآن فى جوف البحر الغادر!
تقف امام البحر و الحزن يفتت قلبها، تلقمه بالاحجار، و تسبّه..
تسأله فى كمد:
” لماذا تبتلع فقط اجساد الفقراء؟ بينما الكبار تهدهدهم و تمايلهم فى يخوتهم الفخمة؟!”
لمحت ذلك اليخت يتهادى من بعيد على صفحة البحر الهادئ الامواج، شعرت ببركان يثور داخلها و هى تراه..
صرخت فى البحر: لم لا تُغرق هذا ايضا؟! لم لا تبتلعه فى جوفك الواسع؟!
و الذى حدث بعدها امر خيالى، كأنما استجاب البحر لها.. اضطرب بشدة و تلاطمت امواجه، و صار ظلمات فى بحر لجى يغشاه موج من فوقه موج، فقط فى النقطة التى يبحر فيها ذلك اليخت، و فى ثوان انقلب ذلك الاخير و عاد اثرا بعد عين..
كانت مأخوذة، و هى ترى ما يحدث، فكأنما تحولت إلى (بوسيدون)، اشارت إلى يخت اخر يتهادى على الناحية الاخرى، من جديد اطاعها البحر فابتلعه ايضا.. شعرت بسعادة وحشية و هى تراهم يغرقون..
لكن اليخوت تزايدت، لتملأ صفحة الماء، تتراصّ جنبا إلى جنب و تتساند، حتى لتشعر ان اللون الازرق قد اختفى تماما، ليحل محله لون اليخوت، لوحة موزاييك عملاقة على امتداد البصر..
امرته ان يغرقهم جميعا، لكن البحر لم يقدر هذه المرة، فقد هزمته اليخوت المتراصة!
بقلم المؤلف عمرو ابراهيم