الجاكيت

Aden, Yemen

عندما كنت طالبا في إحدى الثانويات بمدينة عدن كنت أرى نفسي في المستقبل كرجل يرتدي البدلة الرسمية الأنيقة (جاكيت) ويحمل حقيبة يد ويضع نظارة شمسية فخمة وربما تسريحة شعر مميزة! لم أكن أعلم ماذا سأكون لكن كانت صورة مرحة وكنت استمتع بتخيلّها.

عندما دخلت جامعة عدن اخترت التخصص الذي اختاره معظم زملائي، خلال سنوات الدراسة كنت أجمع المال كلما أُتيحت لي الفرصة وذلك حتى أتمكن من شراء البدلة الرسمية التي أحلم بها، وما إن تخرجت من الجامعة حتى أسرعت إلى أفخم محل لبيع البدلات الرسمية وحققت حلمي.

شعرت حينها أني قد دخلت في مرحلة جديدة، مرحلة أن أكون شخص مهم، شخص له حضور ومستقبل واعد، وكنت مؤمن تماماً أن البدلة الرسمية (الجاكيت) جزء كبير من هذه المكانة الاجتماعية، بل هي كل تلك المكانة الاجتماعية والمستقبل الواعد.

ارتديت البدلة فور عودتي إلى المنزل، وكم كنت سعيدا بها! وكم وقفت طويلاً أمام المرآة! وكم أخذت من الصور التذكارية فيها، أنا الآن على أعتاب النجاح! يا للروعة! وبعد مراسيم الابتهاج تلك وضعت البدلة بالدولاب لتنتظر، وأنتظر أنا اللحظة المناسبة لارتدائها والتباهي بها.

مرّ الأسبوع الأول، ثم لحقه الشهر الثاني، ثم مرت السنّة ولم تأتي تلك الفرصة، انتظرت السنة الثانية، وحتى الثالثة ولم تأتي المناسبة التي تستحق ارتداء البدلة الرسمية مطلقاً، لم احصل على وظيفة ولم أبني مشروعي الخاص ولم أهاجر كالكثير من زملائي. بل بقيت في مدينتي عدن، أشرب الشاي في مقاهيها الشعبية، وأصطاد السمك من ساحلها قرب الميناء التاريخي الشهير ميناء عدن.

في كل مرة افتح فيها دولاب ملابسي وأبصر (الجاكيت) أسأل نفسي: متى سوف أرديك يا (جاكيتي) الأنيق؟ حتى قررت في أحد الأيام أن أرتديه حتى من دون مناسبة، فأخرجت الجاكيت وأزلتُ ما عليه من غبار وارتديته، كان الجاكيت أكبر مقاساً بقليل مما هو عليه قبل ثلاث سنوات، لم أتعجب لذلك؛ فقد نحف جسدي من كثرة انتظار الفرصة التي لم تأتي.

وقفت أمام المرآه وسرّحت شعري بالطريقة التي كنت أتخيلها، انتعلت الحذاء الأنيق الذي اشتريته مع البدلة، خرجت من المنزل ووضعت نظاراتي الشمسية بكل ثقة. شعرت حينها بالمرح، وبصراحة عشت اللحظة.

كان الجميع ينظر إليّ باستغراب، وبعضهم بتهكم وسخرية، لكن الأفضل بين الجميع هو من كان يُهنئني لأنه اعتقد أني قد حصلت على عمل أو مهمة عظيمة! وقد جعلني ذلك أكثر مرحاً، وشعرت لأول مرة منذ سنوات بالرضى عن نفسي! مع علمي اليقين انها مجرد كذبة كذبتها وصدقتها.

عدت للمنزل أكثر ابتهاجاً، لكن سرعان ما زالت تلك البهجة؛ فالتظاهر بالثراء والمكانة لا يجعلك ثرياً. لكن في الوقت ذاته أدركت أن القيام بخطوة مهما كانت بسيطة نحو ما تريد لهو أكثر أسباب الرضى عن النفس. لقد كانت خطوتي بسيطة لكنها علمتي أن خلق الفرصة خير من انتظارها، وأن عيش اللحظة هو ما يجعلنا سعداء.

 

بقلم المؤلف منير محمد بن وبر