قالت: شكراً

Nablus, West Bank

قالت: شكراً.

جبلٌ عال معتم ومهجور قبالة الجبل المأهول بالناس والضحكات والصخب، في طريق لم يعبد شُق لمساعدة أهل المدينة العارفين على أن يتجاوزوا أزمة الطرقات، لقلة المارقين فيه يعوي الخواء. 
من هناك كانت المدينة تعج بالأضواء المرمية كجثة بيضاء حيناً ما بين عيبال وجرزيم وحيناً كعرس مزركش يمر عبر جنازة، أما الغيوم فتقمصت لون الطرقات والشهداء ودموع الامهات الثقيلة، حمراء بلون مثلث العلم الذي ابتلع زيتوننا وسلامنا، قريبة حد الهيام، عصية حد الملام. 
قبل الوقت بسنين كنت تلميذاً للصمت والاغتراب، باحثاً عن ملجئ اخبئ فيه وحدتي؛ أسير أميالاً صعوداً، أبلع البرد لارمق الغيمات الحمراوات هرباً من مدينة تحترف الحلوى والقسوة، تضيء السماء والنفوس ملؤها الظلام.

قالت: شكراً.

يومها اشتعلت أنوار الدنيا بعيني كأقصى الفرح؛ كالبكاء. 
كانت طالبة في السنة الأخيرة بذات الجامعة التي تعلمتُ فيها أن امضغ عقلي جيداً وأن ارثى لكل إرث، تملك ذات اليأس من مدينتنا الحمراء الطافحة بالعيون، ولها شغف العشق.
وكما العَلم ارتكنا الى الجانب المعتم في ذاك الطريق المقفر فوق الجبل، نبحثُ عن مكانٍ آمانٍ للحب.

تبسمتُ حباً؛ إن الامكان لا تقسو علينا إن نحن اهدرنا وحدتنا فيها ستبادلنا الدفئ يوماً.

قالت: شكراً.

ضحكَ قلبي. إن للدنيا دروبٌ لا يعلم كُنها ...اقرأ المزيد

أخذ القلب ولم يعده

Khenifra, Morocco

لم أعرف متى بدأت قصة حبي لنهر “ام الربيع” الذي يخترق مدينتنا “خنيفرة”. هل كان ذلك في إحدى المرات التي جلست بقربه مع أسرتي ، لتمضية أمسية ؟هل وقع ذلك أول ما تذوقت سمكاته ذات الطعم المميز؟أم هل لأني كلما شعرت بالضيق، أقف بجواره فأتصور أنه يقبل تسلم همومي ومن تم يحملها بعيدا إلى مكان ما فلا تعود إلي أبدا؟

أحببت النهر فتعودت الوقوف على قنطرة من القناطر الخمسة المقامة داخل المدينة .هناك كنت ألتقي فتاة بشكل متكرر، بعد فترة ، تبادلت معها الحديث ، فعلمت أنها تدعى”نسرين” ،طالبة في السلك الثانوي، تعشق النهر مثلي، تقطن بجوار النهر لكنها تحب رؤيته أكثر من هذه القنطرة.

أحد أيام فصل شتاء ممطر. فاض النهر عن مجراه، دخل المنازل المجاورة وأخرج منها الأغراض، أفزع الناس في منامهم، قطع أوصال المدينة وأسقط إحدى القناطر المقامة عليه.

كرهت “نسرين” النهر لأنه آذى منزلها وطلبت من عائلتها الرحيل عن البلدة بأسرها .

لم أحب لصديقتي أن تترك بلدتها، لم يرق لي أن تعيش بعيدا عن أقاربها وأن تتغرب عائلتها ، فكرت أن أجعلها تنسى الصدمة فطلبت من أهلها السماح لها بتمضية العطلة معي ومع عائلتي.

هكذا ...اقرأ المزيد

ملاك

“قصتي لعلها حدثت, أو لعلها لم تحدث, ولكن أحداثها انبثقت من أوجاع خيالي وأنا أرقب بعين دامعة أخبار المجزرة المروعة التي هزت قرية المبعوجة. القرية التي أذهلتني بروعة جمالها يوم مررت فيها خلال زيارتي إلى سوريا.”

جلست بهدوء أهدهد ملاكي الصغيرة التي أتمت أعوامها الثلاثة قبل أيام قليلة. صوت بكائها المرتجف بدأ يهدأ على عكس أصوات الصراخ أسفل الشارع. دوى إنفجار آخر ارتج له البيت بشدة, وعلا معه بكاء صغيرتي من جديد. مسحت بيدي على شعرها الحريري وأنا أغني لها بصوت خفيض. عيناها الواسعتين ترتجفان وسط لآلئ الدموع المتساقط منهما وهي تشد بيدها الصغيرة على أصبعي طالبة منه الأمان. لقد بدأ الهجوم في عتمة الليل. دوي القذائف قذفني من سريري لأسقط على ركبتي أمام سرير مسكينتي الصغيرة.

لطالما كان بكاؤها يقطع نياط قلبي. لا أزال أذكر يوم ولادتها كيف حملتها بيدين مرتجفتين. يومها قالت لي أمي أن علي أن أؤذن في أذنها اليمنى, ولكن قلبي لم يكن ليتحمل صوت بكاؤها الناعم. مع آخر عبارات الأذان التي بالكاد نطقت بها كانت دموعي تنهمر كالسيل على خدي. ربما كنت قاسي الملامح بعد سنين صقلت جسدي في مصانع الحديد, ولكن دموع الأطفال كانت تمزق قلبي.

أخذت أغني بأعذب ...اقرأ المزيد

السيدة “د”

Markaz Tama, Sohag Governorate, Egypt

حملت أوجاعها المتسلسلة في طرف ثوبها المُبتل، لترحل بعيداعن بُقعة العفن التي عانت فيها من أوجاع الروح،وسقطت فيها من أعلى قمة المُنحدرمرات ومرات؛سقوطها كان مدوي لدرجة أن شياطين الجن استعاذت بالله من فعل بني الإنس.

نفسها محبطة إلى أبعد الحدود، تفكيرها في الانتحاريطرُق بابها كُل ليلة، ولكنها كانت تستعيذ بالله من كُل شر يسكن في مُحيطها وبالأخص الأنثى التي تُشاركها المنزل وتدعى (روحية) ؛ المرأة الغامضة المستيقظة ثُلثي الليل تنظر إلى النجوم ، وتمتماتها الغريبة التي كانت تخترق حيز الروح المؤمنة بالخرافات؛ فكل نساء القرية كُنً يحضرن إليها من أجل فك الأعمال المُعلقة في صدورهن مُقابل ، كوز من الذرة أوحفنة بسيطة من القمح الذي لا يراه الجميع هنا إلا من العام للعام ،أو بضع أمتار من (الجاز) لتُنير اللمبة (رقم سبعة) القابعة في منزلها التي رمادها يُغطي على بنورتها الخافتة فتصيب المنزل بكآبة أكبر من الكآبة المُنتشرة على جدران المنزل المهجور الذي مات أهله بسبب مرض غريب ، جعل الأجساد تهترئ، منزل منذ القدم لا يُولد فيه ولد ذكر إلا ويموت.

ولأنها تخشى المواجهة دائما، فلم تتحدث معها كثيرا فكان شاغلها الشاغل أبنائها الصغار الذين رحل عنهم الأب بعد ...اقرأ المزيد

وادي الكوف

Wadi el Kuf, Lybia

في ليلة مظلمة رغم اكتمال القمر‘ اجتمع أقوى السحرة والعرافين على وجة الأرض في مكان سري أسفل وادي الكوف؛ كانت ليلة ينتظروها كبار السحرة فحسب تقاليدهم الشيطانية يجب أن تنفتح بوابة إبليس هنا هذه الليلة قبل بزوغ الفجر وفقا لكتبهم الصفراء كل الف عام تنفتح البوابة في مكان ما لتنبعث القوة منها ‘ هناك مؤشرات يربطون بينها وبين انفتاح البوابة والتي لم يوفق سلفهم في فتحها أقوى هذه المؤشرات انعدام الإنسانية وموت الضمير اتجاة القضايا الواضحة والتي يرى فيها الظلم ولا يتحرك أحد لرفعه الليلة يجب أن يستمر الحال على ماهو علية يجب أن لا يصدر من إنسان عمل خير ولو بسيط ‘ كان السحرة يباركون المكان ويقرؤون طلاسمهم وتعويذاتهم وسط ذلك الاجتماع كان السحرة الأبرز ثلاثة : ساحر بوذيّ ‘ و الثاني يهوديّ‘ والآخر داعشيّ كل منهم انتظر بفارغ الصبر انفتاح بوابة إبليس وسط صخب السحرة وأقوالهم الشيطانية قال البوذي بعض طلاسمه متقربا إلى الشيطان وبضحك مخيف: لقد قتلنا المسلمين وأكلنا أطفالهم و صمت العالم ‘واليهودي قال وهو يقرأ تعاويذه :لقد قتلنا الفلسطينيين وأحدثنا التصدعات في المسجد الأقصى ثم راح يهز رأسه وجسده ويقول: وصمت العالم عنا بل ...اقرأ المزيد

ذاكرة شارع …

Bordj Bounaama, Tissemsilt Province, Algeria

صباح خريفي جميل، يذكّرك و أنت خارج من منزلك بمناظر لا تراها العين إلا و أنت سعيد كل السّعادة،… صباح يغشاه ضباب خفيف أضفى على المكان هدوء و وقارا لا تلمحه إلا في جلابيب الزّهاد والنّساك…صباح خريفي كله ترقّب لما سيأتي بعد الصباح، علّها الشمس الدافئة التي تبثّ أشعتها لتصل إلى أبعد قطب في الأرض كل الأرض، فتنير الطريق و تفتح بكل تجبّر و قوة أستار الضباب و تقطّعها إلى أجزاء متناثرة ستحملها الريح بعد ضعفها… و في ذات الصباح الخريفي، كان “خالد” قد استعد للتجوّل في أزقة الحي الشعبي القديم، علّه يلتقط شيئا جديدا من كل ذلك الكم الهائل من القديم الذي يلفّ المنازل كما يلف الأشياء المعروضة للبيع أو المعروضة لتزيين الواجهات، أو من كل ذلك القديم الذي صار يؤرق يومياته العابسة، فلا يعدو أن يميّزه الإسفاف و الحزن الذي ألمّ به مذ رحل عنه أعز مخلوق في الوجود، بل أعز مخلوق كان لوجوده معنى في وجود خالد، تاركا كل شيء كما كان منذ أن فضّل الرحيل إلى الأبد، و كأن يوم الرّحيل هو نفسه اليوم الخريفي الذي يعيشه خالد… لقد انتظر ...اقرأ المزيد

نداء الحياة

Classroom in Tazakht, Morocco

دخلَ المدرسة من البوابة الصغيرة ثم عرّجَ على جناح الإدارة. لَمَحْتُهُ قادما صوب حجرة الدّرس عندما تبيّنَ له غياب المدير. من خلفي يهمس أحد التلاميذ: هوذاك والد زياد! أستقبله بحفاوة، فيتمتم بكلمات قليلة و صوت خفيض؛ تماما كابنه لمّا يردّ على أسئلتي. أب خمسيني، قصير القامة، متين البِنية لكن كسير الطّرف! بصوت تُمازجه بُحّة حزن استفسرني عن موعد قدوم رئيس المؤسسة، و رغبته في الحصول على انتقال لابنه في أقرب وقت ممكن. أوشكت أن أجيبه: غير ممكن! لكن لا سلطة لي في هذا الأمر. تكلّفت ابتسامة و رددت عليه: سيدي، كيف تحرمنا من شمعة تُضيء عتمة هذا الفصل؟ هذا ظلم سيدي و لن نأذن لك بذلك! أشرق وجهه قليلا فأجاب بذات الصوت الذي تُمازجه بُحّة: ما باليد حيلة أستاذ! تزاخت* قرية جميلة لكن حقول الورد التي تجذب السياح من بقاع مُختلفة هي نفسها تدفعني لمغادرة المكان! أنا و زوجتي نُعاني من هذا الربو اللعين في فترات مختلفة من السنة و تحديدا إبان موسم جني الورود. ثم أضاف و الغصّة تحبس أنفاسه: لقد قضيت مع والدي عمرا مديدا في تهيئة الأرض، و كرّسنا الجهد ...اقرأ المزيد

الثقب

Pothole in Lotissement Zerktouni, Marrakesh

ما إن اقتربنا من الوزاني حتى تغيرت ملامح سلمى، لا أحب انكسارها أمامه، و نظرة الفزع في عينيها تحيلني بركان غضب. هذه المرة لن أهادنه ولن أصبر عليه، لن أسلمه سلمى كعادتي وأتراجع.

الوزاني ثقب صغير في طريق إسفلتي بأطراف مراكش عند مدخل الحي حيث تقطن سلمى، والاسم كُنية طريفة نسبة لرئيس البلدية الذي ولد في عهده ثقبا صغيرا استحال بعدها إلى حفرة بعيدة القرار. وسلمى، آه من سلمى ! جمعتنا ملاعب الصبا ومقاعد الدرس وأحلام اليافعين، وفترة خطبة امتدت لسنين ثمان. بعد سنوات الدراسة، حصلت على الشهادة بتفوق، وبحثت بعدها عن وظيفة تمكنني من الاقتران بسلمى. لكن محاولاتي باءت بالفشل. كان الوزاني وقتها قد تدرج ليصبح وزيرا، فشيد مسجدا باسمه و حماما عموميا ومقهى لبث مباريات الكرة، لكنه أبدا لم يلتفت للثقب. نذر الوزاني نفسه لخدمة أهله ومواليه فكانت كل وظيفة في مدينتي تذهب إليهم. ثلاث سنوات صرفتها عبثا أتبارى لنيل وظائف كانت تذهب مباشرة الى مرشحين بربع مؤهلاتي. مرشحون كثير منهم لم يكلف نفسه حتى مشقة الحضور إلى مركز الامتحان. في كل مرة كان ينتابني من الحسرة ما لم تطقه رغبتي بالحياة والحب. ...اقرأ المزيد

دمّ العذراء

Fouka city, Algeria

أستيقظُ متأخرا. مثل صيّب شهوة عارمة أيقظني. أتحسسُ مفاصلي، أرطبّ شفتيّ بلساني وأفكر في أن اليوم ليس باليوم العادي، سألتقي “لويزة” بعد العصر. أول مرّة تعدني فيها امرأة بأن تغدق عليّ بشيء من لحمها ودمها، مجرد التفكير في هذا يجعل مسحة تحفز عاتيّة تجتاح جسدي. قالت أننا سنلتقي في “ليبانغالو” وأنا رحبتُ بغبطة وحماس، بلغتُ العشرين والمرء في هذا العمر تسكنه جذوّة ملحاحة لاختبار رجولته، في العشرين لا يصبح الالتفات للخلف ممكنا لاسيّما في هذا المدينة المنتفضة، إما الضحالة أو التميّز على قول كولن ولسون.. نزلتُ سلالم العمارة المسكونة بالصدأ، نثرتُ نظراتي المتقدة على جزء المدينة الظاهر أمامي، ساعة الساحة الكبرى تُشير الى الثانية بعد الظهر، تقل حركة الساكنة في هذا الوقت من شهر ايلول، يركب الأطفال مدارسهم ويتجه البعض إلى دوالي العنب بالقرب من “دواودة” لقطفها.. أمرّ على ماخور المدينة القديم، مبنى كولونيالي مهدّم في بعض جنباته تصرّ السلطات على تطهيره من مريديه المكبوتين، بينما يناور هؤلاء لاستبقائه، لم ألجه يوما برغم دعوات الأصدقاء الحثيثة، لا أحبّ تلكم الفتيات اللاتي يضعن أصباغاً كثيفة على وجوههن فيُمسين مثل جنيات بحر مَجّهن من أعماقة مطرودات. أُراكم الرغبة وأنا أمرّ قُبالة حي بانوراما الآيل للسقوط، يرقب الشيوخ والنساء المارين بفضول، ...اقرأ المزيد

“الاروى” دهشة المكان والانسان

The Arui Cave in the Tafilah Governorate, Jordan

كثيرون مروا من امامها وكثيرون ناموا في جوفها بحثا عن الدفء في ليالي تشارين الباردة …. كانت تمد لهم يدها بحنو ودفء عجيبين …… انها ” الاروى ” القابعة منذ الازل على حد سيل ” جميلة ” وعلى مقربة منها من الناحية الغربية مراح ” جميلة ” وشلالتها المطلة من عل ، اما على الحد الجنوبي منها فيقع “مقرص سلمان ” الذي امتدت له ذات ليلة ليلاء ناب افعى لتناله بمقتل .

كان الصيادين حينما يرونها من اعلى الجبل يستبشرون خيرا ، لأن ليلتهم ستكون ذات طعم خاص ، حيث الماء الزلال الذي يسعى بين اقدامها رقراقا منعشا ، وحيث الحطب الذي جرفته السيول ينبيك بان البرد لن يكون له مستقرا ولن يأخذ مأخذه من الاجساد التي هدها التعب ، في رحلة البحث المضني عن ” البدن ” الذي يوغل في عناده وتيهه وغطرسته بل وكبريائه المجبولة في وجهه العنيد العصي على الصيادين الاغرار والمتمرسين معا .

كثيرون اقاموا امامها متهجدين في محرابها ، تحفظ الذاكرة منهم على الاقل المرحومين باذن الله ” محمد ابن عباس واحمد ابن عباس ومحمود الحمران وابراهيم ” عفن ” ...اقرأ المزيد