تعليق على قصة “عند بائعة الشاي” بقلم ميلاغروس أوريغي نافاريتي

Mare Nostrum

سأقوم بتحليل قصة “عند بائعة الشاي” من منظور تحليل نفسي، لأن هذا هو مجال تخصصي. أعتقد بأن هذه القصة تتناول مسألة مدى قدرتنا كأفراد على تحدي المألوف للبقاء والمُضي قُدماً. أعتقد بأن هذا موضوع مهم لأن كبح جماح الفردية يمكن أن يُثير مشاعر الفقدان والتي بدورها يمكن أن تتسبب بمُعاناة نفسية.

أعتقد بأن هذه القصة ثورية من ناحية أنها تعرض اندفاع الإنسان الذي يحثُنا على مُخالفة الأعراف المُجتمعية التي غرسناها في عقولنا. لقد فهمت المكان الذي تجلس فيه الشخصيتان الرئيسيتان لاحتساء الشاي على أنه يرمز لمستنقع حزن قدرنا أن نغرق فيه تدريجياً عندما شعورنا بالهجران.

يدعونا هذا الكاتب السوداني للإصغاء للحن الخفي الذي تعزفه قصصنا، يدعونا لتحمل المسؤولية المُلقاة على عاتقنا تجاه ما سيؤول إليه مستقبلنا. إن الشعور بالذنب لعدم القيام بما هو كاف لتغيير مسار حياتنا ولنكون في مكان آخر لهو الذي يدفع شخصيتي القصة للنسيان. أعتقد أن السبيل الوحيد لكسر لعنة نبوءة تحقيق الذات التي تقود المرء لسرد قصته مرات ومرات بدون توقف هو أن يُدرك بأنه مجروح وأن يعثر على كلمات ينفث احباطه من خلالها.

أليست القُدرة على رؤية ما يعتبر جميلاً ومُشرقاً فقط آلية دفاع ...اقرأ المزيد

ذهاب إياب

Umm al-Qaywayn, UAE

أول يوم تشرق فيه الشمس علي في الإمارات.. لم يضيع أخي كمال وقتا، أول ما أخذني إلى الشارقة وهناك اكتشفت أن له علاقات واسعة وحميمة في كل الإمارات تقريبا، وذلك لعمله المهم في جريدة الخليج..
الشارقة فتاة خجولة حيية تتسم بالوقار والجمال ترتدي ثوب العلم والثقافة.. بينما دبي تضج بالحرية والحياة لموقعها التجاري المهم، الطريق إلى أم القيوين وعر محفوف بالمخاطر، وأول هذه المخاطر “الهجن” التي ترعى في الخلاء بلا صاحب ولا راع.
بدأت سحابة من اليأس تجتاحني بددها أخي كمال:
أ تيأس من أول يوم..
عندما وصلنا إلى البيت أخبرتنا سهام زوجته أنه تم تعييني في بنك أم القيوين الوطني..
فجأة تحول كل شيء إلى الاتجاه المعاكس.. اختفاء مستندات مهمة من درج مكتبي، إلغاء المدير تعاقدي، وترحيلي إلى مصر..
انتبهت على صوت بجانبي في طائرة العودة، كأنه يحدثني:
مقدر ومكتوب..
التفت لأجد رجلا عجوزا له لحية بيضاء خفيفة.. سألته بصوت خافت:
أتحدثني..
هز رأسه دون أن ينظر إلي:
اقرأ المزيد

التعليق الأدبي على قصة “عند بائعة الشاي”

Nel mezzo del cammin

بعد قراءة القصص المتأهلة للمرحلة النهائية، جلست لأكتب انطباعاتي الأولى عنها لكي أقرر أي من هذه القصص أثرت عليّ أكثر. وعندما انتهيت كان لدي شعور بأنني قد تخطيت إحدى القصص ولكن بعد قراءة مراجعاتي أدركت بأن هذا الشعور مردهُ هو أنني قد ذكرت إحدى القصص بشكل عابر في البداية وكنت قد ذكرت بأنني لم أستوعب خلاصتها. لقد كان اسم هذه القصة “عند بائعة الشاي.” إدراكي لتلك الحقيقة جعلني أشعر بأن القصة جعلتني أحس بنفس شعور الشخصيتين الرئيسيتين في القصة. فهما يظهران في القصة وهما جالسين في ساحة عامة ويتبادلان كلمات قليلة لتبادل الأفكار. لا يبدو عليهما بأن بإمكانهما فهم عالمي بعضهما البعض من خلال الحديث الذي يتبادلانه ولكن يبدو بأنهما قادران على التواصل مع بعضهما أو، على الأقل، إثارة انطباعات غامضة وعابرة لدى الشخص الآخر عما يريدان التعبير عنه وهو شيء يمكن أن نصفه بأنه يمثل بصمةً أو لحناً أو الشعور بأننا نسينا شئياً ما.

هذا ما أعادني إلى النص، الشعور بأنني قد نسيته. وبالتالي قرأت القصة مُجدداً يحدوني الفضول ذاته الذي يدفعنا لكتابة القصص؛ ...اقرأ المزيد

الطلقة ما قبل الأخيرة

Aleppo, Syria

كان محتمياً بما تبقى من ركام المنزل , عيناه تحدقان في المدى المرسوم أمامه تترقبان أي حركة تثير الدهشة كانتا كلما لاح شيء في هذا الأفق تزداد أحداقه لمعاناً , يتربص الوقت منتظراً اللحظة المناسبة مثل الصقر تماماً عندما يريد الصيد لا يشغله شاغل عن فريسته , يحبس أنفاسه ويرصد عدد الثواني بين الشهيق والزفير , يستطيع أن يرسم سداً عاتياً من التركيز أمام سيل الأفكار التي ترتطم بجدار مخيلته بين الفينة و الأخرى , في هكذا لحظات يستطيع أن يشتلع قلبه من بين أضلاعه فلا يكاد نبضه يُسمع وحتى تلك الخفقات التي تبقيه على قيد الحياة لا تسطيع أن تمنحه البقاء على قيد الإنسانية , لم يستطع أن يبعد فكرة الموت عن مخيلته فهي الوحيدة التي تنجح مراراً وتكراراً بأن تخترق جدار التركيز الذي بناه , قي تلك اللحظات يرتسم في ذهنه مشهد النهاية هل هي من رصاصة طائشة متهورة أو من شظايا قذيفة ,كانت هذه المشاهد تداهم مخيلته تجعله رهينة كل لحظة التي يعتبرها هي الأخيرة .

ماهي إلا بضع ثواني يتسلل إلى مسمعه صوت هدير يقترب شيئاً فشيئاً , يبتلع لعابه ...اقرأ المزيد

ترشيح نص الشاون 1936 في مسابقة ألفي ليلة وصحوة

في “الشاون 1936” نجح الكاتب بصياغة قصة تحكي أكثر مما سُرد في النص. إنها تحكي المدن العتيقة، وتحكي الإرث المعماري الجميل، تحكي الجبل وقوة أجيال مضت رصفوا بيوتهم على حواف الجبال، وتحكي الجوع والفقر والبؤس وحياة التشرد لأجيال تبعتهم. تحكي الحروب، الاتجار بالبشر، استيراد الجيوش، واستغلال حاجة البؤساء وتفصيل الأحلام الزائفة تمامًا على مقاساتهم لبلوغ أهداف الساسة.

لقد وُفق الكاتب في سرد القصة على لسان راوٍ عليم. الراوي الذي، بخفة ودون تشتيت، يتنقل بين سرده لما يحدث خلال هرب البطل، وبين الولوج إلى مخيلة البطل وسرد أفكاره. لم يركز الكاتب على سبب مطاردة البطل من قبل شخصين، لم يركز على هويتهما ولا على هويته، بل جعل الحدث والمونولوج الحاصل في عقل البطل يوضحان أسباب كل شيء، ويرسمان هويته وهوية مطارديه. فالبطل شخص فقير وبائس، يقتات على كل ما توفره له حيلته، فربما كان هربًا من محصلي دين، أو ربما بائعي طعام قام بسرقة قوت يومه منهما، فهذه هي حياته هو المعتاد على الهرب لدرجة أنه يفكر خلال جريه بترف ويحلل الأمور بمنطقية لا يمكن أن تحصل إلا في عقل شخص يجلس متأملاً لا هاربًا، لكن ...اقرأ المزيد

كِسْرةٌ ودينارٌ

بسم الله الرحمن الرحيم

Amman, Jordan

خرجَ من المخبزِ حاملًا في يده كيس خُبزٍ، بيته بعيد إلى حدٍّ ما، لم يبقَ في جيبه سوى دينارٍ، كان بإمكانه أن يوقِفَ سيّارة أجرة أو (سرفيسًا) من السرافيس التي يعجّ بها أحد الأحياء المكتظّة في شرقيّ العاصمة الأردنية عمّان، فينقد سائقه ذلك الدينار، ويستريح من عناء المشي؛ وكأنّ الشّرْق دائمًا فيه سمة الانتكاس والارتكاس في كلّ شيْء.
لكنّ إغواء الشّمس الدافئة بعدَ أيّام من الصقيع والبرد جعله ينتعل الأرض ويمشي، مرّ ببيته القديم الذي كان أحدَ أفراد أسرته المكوّنة من أربعة عشر فرْدًا. جالت بخاطره صُوَرٌ شاحبة لذكرياتٍ عفّى عليها الزمان، كأنها بقايا آثارٍ لسُحُبٍ خلّفها مرور طائرة في جوّ السماء!، يتذكّر تجمّعَ أسرته حول وجبة الغداء بعدَ كلّ صلاة جمعة، كانت الجمعة تجمعهم، ثمّ بعد ذلك يتفرّقون، كلٌّ إلى همومه!
يتابع سيره، وأشعّة الشّمس تداعب ظهره، كأنّها تدلّكه، فيشعر بالانتشاء.
هنا، بيتُ العمّ حمدان (أبو حسن) القديمُ، كان بيتًا زاخرًا بالقوّة والعطاء والبأس، كان العمّ حمدان فيما خلا من السنين رَجُلًا يُعْتدُّ به، صاحبَ كلمة مسموعة، وجيهًا في أسرته وأهل بيته، ولكنّ الأشياء لا تثبت على حالها، أصيب بمرضٍ عُضالٍ أقعده طريح فراشه ووحدته، ...اقرأ المزيد

عند بائعة الشاي

فائز المسابقة الأدبية “ألفا ليلة وصحوة”

Khartoum, Sudan

“هل نسيت شيء ما ؟”. سألت نفسي وأنا أجلس لإحتساء كوب من الشاي بعد جولة مضنية في سوق الخضروات. تأكدت من تمام أغراضي ثم تنفست بعمق. كان الرصيف يعج ببائعات الشاي. و روائح النعنان والقرنفل، طغت على عشوائية المكان فبدى ملهماَ ومستدرجاَ للمارة. لم يكن هنالك الكثير من الزبائن هذه المرة. لم أجد شيء جدير بالإهتمام لألقي عليه نظراتي الهائمة. فالصباح مازال يطلق أنفاسه، والعودة الى المنزل في مثل هذا الوقت، هي أبعد ما يتمناه شخص عاطل عن العمل من أمثالي. بدأت أطالع لافتات المحال التجارية التي تطوق المكان،كنت مخلصاَ في حفظها عن ظهر قلب. تارةَ أراقب المرضى وهم يتباطؤن نحو الصيدلية، وتارةَ أخرى تجذبني حوارات بائعات الشاي فأخوض في الحديث معهن دون إستئذان. كان يجلس بجواري شاب ملتحٍ ، تتدلى جدائل شعره من على رأسه كحبال التيل، يرتدي بنطالاً كان قد أنزله الى ما أسفل عظم الحوض بكثير، فبعد أن استقر جيدا على كرسيه، قام بترتيب قبعته ثلاثية الألوان ثم أدخل سماعات صغيرة في أذنيه وأخذ يترنح ببطء وبإيقاع متزن حتى أثار فضولي فتبسمت قائلاً: أيمكنني أن أطرب معك قليلاً؟ أجاب ...اقرأ المزيد

نِهَايَةُ مدينة.. نِهَايَةُ سَعْدَة

وصل إلى المرحلة النهائية للمسابقة الأدبية “ألفا ليلة وصحوة”

إدلب التي كانت عروس التين والزيتون في الشمال السوري، باتت أَرضُها دَوَّامةَ فوضى، وَسَماؤُها مظلَّةَ طائراتٍ قاتلة.

والآن.. كما يَنْسَلُّ نورٌ خائِفٌ من فُرجةِ البابِ إلى غرفةٍ ظلماء، يَنْسَلُّ من نفسي أملٌ واهنٌ ألَّا تكون نهاية مدينتي الخضراء كنهاية سَعْدَة؛ مؤلمة، غامضة.

سَعْدَة امرأة شارفت على الستين، لا يعرف أحد أصلها، لكنها كانت نقطة علاَّم في خارطة الناس في مدينتنا إدلب.

وجهها متعدد التضاريس، كأنه القمر كما يُرى بالمنظار الفلكي.

تغطي رأسها بخرقة كالحة، من أطرافها تطل خصلات شعرها الأشيب الذي لم يعرف المشط يوماً.

كانت تعتني بما يزيد على الخمسين قطاً، وهي في الوقت ذاته لا تملك إلا خربة صغيرة.

عندما تحصل على بعض المال كانت تدسه في صدرها، ولا أحد يعلم بعد ذلك أين تذهب به، لكن التخمينات كثرت عندما هدمت جرَّافة البلدية خربتها من أجل إنشاء بناء جديد، يومها كانت سَعْدَة غائبة في إحدى جولاتها، تجمهر الناس لمراقبة المشهد المؤلم لقططها المذعورة، هجمت الجرَّافة على الخربة كما يهجم النمر على فريسته، تحطمت الجدران الواهنة بضربة واحدة، تناثرت النقود، اندفع الناس بجشع وتعاركوا.

في ذلك المساء وقفت حزينة على الأطلال مع ...اقرأ المزيد

عذراء نيبور

وصل إلى المرحلة النهائية للمسابقة الأدبية “ألفا ليلة وصحوة”

نعم بدأ الشك ّ يذبح خاطري يقبع بين فخذي مروءتي ، لم تعد نهود حكاياتي متلهفة للبوح عن بروز نتوءات كلماتي ، ما عاد إلّا الصمت ينصت لفكّي الليل ، وهو يطبق آخر تراتيله على وجعي .

سأتقيأ نفسي ذات يوم من يدري ، ربما العالم ، يدري ! نعم تحققت ُ من الأمر ، جميعهم يدرون ؛ لأن الكلاب ما عادت تحرس وحشتي ، لم اسمع نباح الأمنيات ، ولم أعِ طرقا تقصي حقائق شهوتي .

اسرار الليل ما عادت شفرة أثيمة ، عرفتها النجوم ، وصرّح بها ديك البدو المتنبئ لأقدام المارة كل فجر ..

انا خائفة ، كما الفجر حين ينطوي بين قدميّ النهار الأليم ، أحاول كل ليلة أن أفتح شبابيك غرفتي لأرى الكون .. لكنني لم ار َ إلا الظلام ، يتقوّس ظَهْر الليل وجسدي عاطل عن النوم .

كل ُّ شيءٍ صعب في عالمنا، قد لا تسع الفكرة لأنْ نستلقي عراة في باحة الحمّام النسائي ، كثرة النساء القادمات إلى الحمّام يقلل من الضغط النفسي لكهولة عصرنا الذكوري المتسلط على أنوثتنا .

ما ...اقرأ المزيد

ساحة الزلزال

وصل إلى المرحلة النهائية للمسابقة الأدبية “ألفا ليلة وصحوة”

تسكننا الأمكنة وتعشش في روحنا، نسجل فيها ذكرياتنا وتسجلنا كمشاهدي السينما على كوة قطع التذاكر، وعندما نرحل عنها، نرحل تاركين نتفاً من روحنا هنا وهناك. يمر الزمان و يحدث أن نعود ذات يوم لنراها سجلت ذكريات أخرى لعابرين آخرين.

نظرت إلى الساحة وقلت لنفسي الحمد لله أن جدي وجدتي رحلا قبل هذه الحرب الملعونة. الفوضى والحجارة المهدمة يملآن المكان….كل ما في الساحة رمادي اللون، حتى أخضرها رمادي، غطى الأسود بقايا الجدران. غص قلبي عندما تذكرت ما كتب صديقي على الجدار بخط عريض ” لو كان ذنبي أن حبك سيدي، فكل ليالي العاشقين ذنوب” لتبقى شاهداً على حبه لبنت الجيران.

في تلك الساحة التي تقع على مرمى عيني بيت جدي تماما. جدي وجدتي على المقعد الخشبي الطويل المغطى ببساط ملون منسوج من أقمشة بقايا ثياب العائلة. (لهذا البساط رائحة الأولاد). قالت جدتي وهي تروي أصص الحبق -الذي تصعد رائحته إلى رأسي كلما ذكرتها-.

يراقبني جدي أنظر لعناقيد العنب المتدلية فوق رأسي فيقول: (كل عنقود يصل إليه رأسك هو لك) ثم يضحك ضحكة مجلجلة تشبه ضحكة الله وكان أقرب العناقيد حينها يبعد ...اقرأ المزيد