“الاروى” دهشة المكان والانسان

The Arui Cave in the Tafilah Governorate, Jordan

كثيرون مروا من امامها وكثيرون ناموا في جوفها بحثا عن الدفء في ليالي تشارين الباردة …. كانت تمد لهم يدها بحنو ودفء عجيبين …… انها ” الاروى ” القابعة منذ الازل على حد سيل ” جميلة ” وعلى مقربة منها من الناحية الغربية مراح ” جميلة ” وشلالتها المطلة من عل ، اما على الحد الجنوبي منها فيقع “مقرص سلمان ” الذي امتدت له ذات ليلة ليلاء ناب افعى لتناله بمقتل .

كان الصيادين حينما يرونها من اعلى الجبل يستبشرون خيرا ، لأن ليلتهم ستكون ذات طعم خاص ، حيث الماء الزلال الذي يسعى بين اقدامها رقراقا منعشا ، وحيث الحطب الذي جرفته السيول ينبيك بان البرد لن يكون له مستقرا ولن يأخذ مأخذه من الاجساد التي هدها التعب ، في رحلة البحث المضني عن ” البدن ” الذي يوغل في عناده وتيهه وغطرسته بل وكبريائه المجبولة في وجهه العنيد العصي على الصيادين الاغرار والمتمرسين معا .

كثيرون اقاموا امامها متهجدين في محرابها ، تحفظ الذاكرة منهم على الاقل المرحومين باذن الله ” محمد ابن عباس واحمد ابن عباس ومحمود الحمران وابراهيم ” ...اقرأ المزيد

اكتب لي

The Treasury, Petra, Jordan

قالت اكتب … اكتب عن مدينتك، اكتب لي عن الناس، عن النساء، نساء بلدك جميلات، فهل من سبيل للمنافسة؟ قالت.
حاولت أن أرد عليها، فوضعت يدها على فمي، وأشاحت بنظرها إلى الخزنة الكبيرة، التي كنّا نجلس على مصطبة خشبية أمامها في البتراء، تأملتها بصمت، وقالت: اكتب عن المكان، عن لهب الشموع وتناغمه مع صوت ناي البدوي المنلفت من اقصى الخزنة. اكتب عن تلك النبتة، التي تنط من بين الصخور في أعلى نقطة في واجهة الخزنة، لأنها الشاهدة الوحيدة على أول امتعاض لي، وأنت تسرق قبلةً مني. 
 اكتب على راحة يدي، بقلم كحلتي الأسود. قالت هذا، وهي تمد كفها لي، وراحت بيدها الأخرى تبحث في حقيبتها الجلدية عن الكحل. كانت تخجل وهي تخبرني عن جهاز سمعها، الذي تحاول أن تخفيه تحت خصلات شعرها المنسدلة على طرفي أذنيها الرقيقتين. كانت تذوب في الخجل.
وهي تردد: اكتب لي… 
ورحت أكتبُ على كفها، وأجيبُ على أسئلتها. بينما كانت تقرأ رسم الكلمات على شفتي عند لفظها، حتى ظهر القمر بوجهه الكبير، من خلف جبل، كان يلقي بظلاله على الفسحة الأمامية للخزنة، حيث تنتشر الشموع. وبدا الأمر غريبا، عندما شاهدت كلماتي تتلاشى ...اقرأ المزيد

كِسْرةٌ ودينارٌ

بسم الله الرحمن الرحيم

Amman, Jordan

خرجَ من المخبزِ حاملًا في يده كيس خُبزٍ، بيته بعيد إلى حدٍّ ما، لم يبقَ في جيبه سوى دينارٍ، كان بإمكانه أن يوقِفَ سيّارة أجرة أو (سرفيسًا) من السرافيس التي يعجّ بها أحد الأحياء المكتظّة في شرقيّ العاصمة الأردنية عمّان، فينقد سائقه ذلك الدينار، ويستريح من عناء المشي؛ وكأنّ الشّرْق دائمًا فيه سمة الانتكاس والارتكاس في كلّ شيْء.
لكنّ إغواء الشّمس الدافئة بعدَ أيّام من الصقيع والبرد جعله ينتعل الأرض ويمشي، مرّ ببيته القديم الذي كان أحدَ أفراد أسرته المكوّنة من أربعة عشر فرْدًا. جالت بخاطره صُوَرٌ شاحبة لذكرياتٍ عفّى عليها الزمان، كأنها بقايا آثارٍ لسُحُبٍ خلّفها مرور طائرة في جوّ السماء!، يتذكّر تجمّعَ أسرته حول وجبة الغداء بعدَ كلّ صلاة جمعة، كانت الجمعة تجمعهم، ثمّ بعد ذلك يتفرّقون، كلٌّ إلى همومه!
يتابع سيره، وأشعّة الشّمس تداعب ظهره، كأنّها تدلّكه، فيشعر بالانتشاء.
هنا، بيتُ العمّ حمدان (أبو حسن) القديمُ، كان بيتًا زاخرًا بالقوّة والعطاء والبأس، كان العمّ حمدان فيما خلا من السنين رَجُلًا يُعْتدُّ به، صاحبَ كلمة مسموعة، وجيهًا في أسرته وأهل بيته، ولكنّ الأشياء لا تثبت على حالها، أصيب بمرضٍ عُضالٍ أقعده طريح فراشه ووحدته، وله ...اقرأ المزيد

هي من الشمس و هو من القمر يلتقيان فقط فوق الغيوم

Wadi Rum in Jordan

في كل شهر كان الملتقى فوق الجبال الحمراء، حيث السكون و الليل البارد … كانت احلامهما كبيره ..كبيره جدا كان كل شئ امامهما مزهرا بالوان عيونهما الغضة ….حتى انتهى الربيع.

وقفت واثقة على قمة ذاك الجبل الوردي الذي طالما احتضن خطواتها الخائفة، تأملت السراب و استنجدت بالسماء، ياااه كم هو صعب التنفس يااه كم تضيق بنا الدنيا رغم رحابتها و كم تتسع لنا في حين اخر رغم ضيقها.

تذكرت يوم حدثها اول مرة يوم طارت بها الدنيا و ما عادت تشعر بقدميها يلامسان اي شئ … يوم احست بنشوة غريبة كنشوة السكر فهي هنا و ليست هنا هي في مكان ما بين السماء و الارض في بعد اخر كانت مبتسمه و في داخلها طاقة جباره…. يومها تسلقت الجبل بسرعه وقفت حيث لا يراها احد و دارت دارت حول نفسها و اغمضت عيناها و تاهت في غفوة الاغماءه … كانت ترى شيئا جميلا لا يرى و تسمع صوتا غريبا وحدها تسمعه، … في صدرها خفقة غريبة لا هي حزن و لا هي فرح هي بين ذاك و ذاك… من كل احساس اجتمع جزء فما عادت تدري اهو غصه اهو فرحه ...اقرأ المزيد

حكاية باتر

سوق البخاريّة القابع في وسط البلد بعمّان

هناك بين الممرّات الضّيقة و في أثناء اكتظاظ الأزقّة والشّوارع يجرّ عربَته الممتلئة بأنواع الكعك المخبوز بعناية، يمَضي مع عربته النّاطقة بتفاصيل خفيّة تشي بذكريات مفعمة بطعم اللّذة والكفاح، ينطلقُ كلّ فجرٍ ليلتقط رزقه المبعثر في أحياء المدينة الحالمة، ويدفع عربته المغطّاة بناموسيّة صغيرة متّجهاً نحو سوق البخاريّة القابع في وسط البلد بعمّان.

يقضي أبو باتر ذو السّتين عاماً نهاره بابتهاج يزيّن قَسمات وجهه الذي بدت عليه آثار الكدّ، ويطالع من يقابله بابتسامة عريضةٍ تُفصِح عن البهجة والرّضا، يتنقّل في جنبات السّوق الواسع الذي يروي حكايات تمازج حضاريّ حيث تنتشر المحلاّت المزيّنة بالمنسوجات القديمة، والمطرّزات الزّاهية، والتّحف النّادرة.

هكذا يمضي أبو باتر نهاره متنقّلاً هنا وهناك، مترنّماً بألطف العبارات: (يلا يلا الي بدو يفطر ويروق ..يجي من هالكعك يذوق) (اترك الي بايدك وسيبو … كلّ واحد يجي يآخذ نصيبو) (يلا تعالي يا تولاي هالكعك بدو أطيب كاسة شاي) فتهيم الأمّهات بأطفالهن ويقبلن لشراء قطع الكعك المخبوزة باحتراف.

يتعمّد الرّجل السّتينيّ الوقوف أمام دكان الأنتيكة لينتهز فرصة القاء التحية للعمّ كامل الذي سرعان ما يبتسم ابتسامةً عريضةً ويردّ التّحيّة بصوته الحادّ: أهلاً أبو باتر ...اقرأ المزيد

وأخيراً

Sabeel AlHoriyat, Amman, Jordan

كم تعرقل بقدمَي “ختيار” متمدّد على الرصيف، لكنه لم يجادله يوماً، فكلّ عرقلة تسبقها حالةٌ تستوجب الرّكض، والنّشل خفّةٌ وتَخَفٍّ، تسانده الحطّة التي تغطّي المنتصف السفلي لوجهه على ذلك. الحقّ على “الختيار”، الذي بدا أنه يعشق كلّ شبر في وسط البلد بعمّان، فلم يلتزم برصيف ثابت حتى يحفظ “عاهد” مكاناً له.

يسترزق من الشحادة، وهي تتطلّب الخفة أيضاً، فتجده في سوق الخضرة يخفي وجهه المليء بحروق الشمس تحت طاقية لمّا ينام، أو يفترش أرضية المدرّج الروماني وشبابيك سوداء تطل من بين أسنانه لما يضحك، وقلّما كان يفعل، إلا إن تعلّق الأمر بسائحة أجنبية ترطن بوجه أحد ممن يعاكسونها.

نشلٌ وقمار وفرض خاوات، هكذا عهدت الناس “عاهد”، فحاروا في السبب الذي جعله يؤوي “الختيار” في بيته، حتى أن مكائد جميلة، زوجته، في التخلّص منه باءت بالفشل، فتَقبّلته أمراً واقعاً، لم يزاحمهما على شيء، فالمطبخ مُستقرُّه، لكنه يكشف الغرفة المجاورة والوحيدة من بابه المخلوع، فاهتدت وعشيقَها إلى وضعِ ستارٍ رفعَ ذراعيه في منتصف الغرفة، وغالباً لم ينسيا إسدالها.

يعرف عن العشيق، ويراه في تقلب وجه الختيار كلما عاد للبيت مساءً، لكنه لا يجرؤ على المواجهة؛ يتخيّلها.. تتخصّر وشفتاها تتحركان كأن صعقة كهربائيّة ...اقرأ المزيد

قبر

Baqaa refugee camp in Jordan, North of Amman

ساعات باقيات وتقف على عتبات العيد.
ماذا أعددت لهذا اليوم!؟ هل تزمجر في وجوه الأطفال لاعنا اليوم الذي جاءوك فيه؟!!
يتحلقون أمام علب الحلوى، يرفضون العودة حتى تشتري لهم.
هذا العيد ينكأ جراحك التي يعجز العام على مداواتها.. تتكالب سهامه على قلبك.. يضيع منك التفكير وتلوذ بصمت أخرس، يقطعه دخان سيجارتك التي تمجها في سماء غرفتك المسقوفة بالصفيح.
هل اختصرت شيئا تدسه في أيدي أخواتك، أم حسبت حسابك لطبخة تشبع أطفالك الذين تحرث الحسرات قلوبهم ولا تجيب على تساؤلهم الملحاح: لماذا لا تشتري لنا خروفا يا أبي؟
يكفيك طير دجاج تُسكت نظراتهم، وتوقف مصمصة شفاههم أمام بيت الجيران.
هذا الدجاج، لن يقوى وابورك على إنضاجه، ستحرق زوجك دقائق اليوم، تدكه حين تموت ناره في زحمة صراخ المتحلقين، يعلو صراخهم على زعيق الباعة يروجون لألعاب العيد.
ستحرن زوجك، ولن تذهب لبيت الجيران تستلف طنجرة الضغط.
إنها من دم ولحم، ولن تسمح لزوجات الموسرين غمز جانبها،
قد يفرجها الله عليك، وتجد أخواتك غادرن بيوتهن فتوفر على نفسك هذه الليرات.
إن قدر لك أن توفر بضع ليرات، فلن تتوانى عن شراء فستان لزوجتك، وستفرك ...اقرأ المزيد

الزهزقة

Snow in Irbed, Jordan

وقف فلان مقابل زجاج الموبايل، ناظراً نحو جنح الليل، إطار ثلج أحاط الشارع المظلم. على ذمة موبايله. الكهرباء مقطوعة منذ أسابيع، و المتبقي من التكنولوجيا في منزله هو موبايله الذي كلفه ثلاثمئة دينار، راتبه الشهري. توجه الى المطبخ متبعاً الإنارة الرديئة من الشموع المترامية. داس على شمع ذاب لتوه، لعن الشمع و النيران، و ضحك على الموقف. قُل ما تشاء عن فلان لكنه يرى الفكاهة في كل شيء، عندما رأى زوجته تخونه و عندما شتمه ابنه وراء ظهره أمام الجميع، كل شيء مضحك بالنسبة لفلان. ضحك ثم لعن الكثير من الأشياء قبل وصوله الى الثلاجة التي لا تُبرِّد، ليلتقف زجاجة ماء لا تروي، ليطفأ عطشاً لا يُشبَع. ضحك عندما رأى انعكاسه على شاشة موبايله، و ضحك وجهه القبيح له، ثم كتب على موبايله ما حصل للتو. توجه الى غرفة النوم و أمسك كتابه المفضل، الكتاب المهترئ، توسده و شخصت عيناه أمام ضوء موبايله الساطع.

استيقظ أمام شاشة تلفاز معتمة حدقت به بلمحة من العتاب، مر طيف ابتسامة و وقف ليغلق التلفاز. عندما وصل اكتشف أنه لا داعي لذلك. طيف الابتسامة أمسى ضحكة، ...اقرأ المزيد

في زمن من أزمان المدينة الوردية

e

كنت أشعر برغبة ملحة في الجلوس على الرمال الصحراوية المالحة، وبريق من شعاع الشمس الوليدة ينسل من بين الصخور المتلاقية أذرعها على صفحة من قوارير، لم يخطر في بالي أن أمشط هذه المدينة الواسعة من إلى على ساقيين نحيلتين وشعري الأشقر ينسدل على كتفي، وقد واريت جزءه العلوي، للتو أسقط الزمن بين يدي مخطوطات العالم القديم، عندما وقعت عيناي عليها في إحدى دور المزاد العالمي مخطوطة لدوي 1830.

رأيتها، نعم مخطوطة صفراء بالية لكنها توثق هذه الحقيقة الماثلة أمام عيني والقائمة منذ 400 قبل الميلاد، شعرها الأرجواني متوقد وقد وارت بعضه بقطعة قماش عليها ما يشبه النجوم الحمراء، جعلت أبث كل خواطري إلى تلك المسدلة شعرها الأرجواني قبالتي من البيوت المعلقة وهي تصف للمرأة حسنها وجمالها وقد قبلتها الخالة على خدها الأيمن لتغدو ثنايا وجهها مبتلة بحمرة وردية.

انحنت تمام جمالها أشعة الشمس الذهبية لتزينها ببريق فريد، كان فتيل حبها أول ما صرخ بين أضلعي ووقفت أمامها مبهورا كما وقفت أمام صفحة البتراء، التي فاقت مثيوغليفا الصور، عندما طرقت المكعبات الثلاث ووادي الجن، كانت المسلة تتراقص على شمالي وأنا أهز ما علق في ذاكرتي من بقايا المخطوطة.

سكرت بطعم الرطوبة وقنوات الماء القراح وهي تختزل المدينة بأكملها حتى هذا السيق ...اقرأ المزيد

أبيلا التاريخ

img-20141223-wa0005

في يوم من أيام الربيع الأردني الجذاب، قادنا الشوق إلى منطقة مجاورة، قد غصت بأنواع النباتات الربيعية المزهرة الجذابة الزاهية، جلسنا قبالة منطقة أثرية لا أجمل ولا أروع، أخذني التفكير بعيدا غاص في أعماق تاريخ وجغرافية الأرض، وقد مر عليها آلاف السنين لا بل ملايين، استوطنتها شعوب مختلفة وكثيرة. واستذكرت أيضا بصفتي مدير مدرسة سابق، استضافت في الثمانينيات من القرن الماضي، فريق آثار أمريكي مدة شهرين كل سنة بعد سنة طيلة عقد، كانت مهمته أن اكتشف ما نشاهده الآن من آثار وفسيفساء وكنائس.
أبى من كان معي إلا أن يذهب إلى أرض الواقع، ويلاحظ بعينيه هذه الجهود العملاقة التي بنت الكنائس والمغاور والكهوف، فضلا عن الجسر أعجوبة في البناء الهندسي الدقيق، الذي يربط بين الجبلين، التي تقبع على سفحيهما أبيلا (قويلبة).
وصلْنا بعد أن قطعنا الطريق مع قليل من التعب وقلوبنا وعيوننا مشدودة نحو المنطقة، التي تنبئ عن حضارة بيزنطية قديمة كانت مزدهرة. تسمّرت عيوننا، وذُهلنا عندما أدركنا ضخامة الأعمدة ودقة صنعها، ووقفنا كأن على رؤوسنا الطير لهول ما رأينا. حقا إنها مدينة وتستحق أن تكتشف وتستحق أن يزورها كل من يرغب قراءة التاريخ من خلال ...اقرأ المزيد

اختر مغامرتك

حمدا لله على وجود علماء الآثار الأمريكيين بين ظهرانينا.

أ) فهم موهوبون بشكل اسثنائي في إنقاذ ذاكرتنا الجماعية من الوقوع في دائرة النسيان.

ب) يبدو أنهم حريصون على تجميل المواقع الأثرية لإرضاء السياح وجذبهم.