المَطحَنَةُ

Rio Martin Tanger Tetuan Morocco

انتصب صالح الطَّحَّان أمام باب المَطحنة، متأملا ناظرا إلى ألأفق العابس، الذي أشعل في نفسه شهوة الانتصار. موقنا أن هذا العام قد يكون عام خير وبركات.

واسترحم ربه أن يهب الأرض من ماء السماء وتينع الغلال، فالسحب الداكنة التي كانت تتجمع، كانت تندفع مسرعة نحو القرية وهطل المطر. ورنا إلى السهل الشاسع وقد تحولت البذرة إلى نبتة، تطل من تحت تربة ندية مبللة، ودفق ماء النهر وساح في البراري، وأسعد هذا الأمر الطَّحَّانَ ومطَّ شفتيه واستبشر خيرا.

بدا الطَّحَّان سعيدا متفائلا، فمَطحَنة الحبوب ستشتغل هذا العام والحقول ملآ بالغلال، وقد يأتي محصول جيد ويطلب من الطحال خدمات، وعقد صفقات من اجل طحن الحبوب.

وستتحرك مروحة المَطحَنة التي ظلت ساكنة لمدة طويلة، وحيث لم يكن هناك ماء يدفع بها إلى الدوران، وتدور بتلك السرعة التي يمكن من خلالها سحق الغلال والحبوب، وقد مرت سنوات عجاف لا مطر فيها ولا ماء.

وكانت السماء شحيحة، ولم تنفجر مياه العيون ولا تدفق ماء النهر. وما ساحت مياه الجداول التي كانت تنساب في الوديان وقريبة من القرية، وبمطحنة صالح الطَّحَّان، محركة مروحة كبيرة تمد المَطحَنة بقوة الدوران.

واستعان الطَّحَّان ببغال مدربة على الدوران، لكنها كانت ...اقرأ المزيد

طلل عصري: في رثاء المكان…

Chemaia

سمعت الخبر وانا اجلس بمقهى الوردة الحمراء: سقوط الحاج جيفارا بإحدى حفر شارع المسيرة الخضراء….هنا أمران لابد من الوقوف عندهما أولا و قبل أي شيء أخر: أولهما اسم المقهى، وثانيهما اسم الحاج…

*مقهى الوردة الحمراء: هي إحدى المقاهي العصرية بالبلدة، هذا النوع الذي لم يتجاوز العشرة الى حدود ثمانينيات القرن العشرين…وقد ارتبطت باسم الحاج جيفارا….رغم ان ابنه عمر المهدي هو مالكها الحقيقي وهو صاحب المشروع ومموله…المهدي عمر (يحلو للحاج جيفارة التلاعب بترتيب الاسمين) هو البكر …يعمل بالمهجر الأوربي…بلجيكا بالضبط…اسم له نكهة خاصة عند الحاج…يذكره بالنضال وزمن البطولة…حين ولد عمر المهدي، وذهب الحاج لتسجيله بمكتب الحالة المدنية، اضطر للقيام بمعركة ضد السلطات التي رفضت الاسم….وهو الأمر الذي وقع أيضا حين أراد الحاج تسجيل اسم لمقهاه…رفضوا كلمة الحمراء ووافقوا له على اسم (مقهى الوردة) فقط…لكنه انتفض وقرر كتابة الاسم كاملا(مقهى الوردة الحمراء) متحديا السلطات المحلية ورافعا دعوى قضائية ضدها بدعم من جمعيات مدنية… حقوقية خصوصا..قالوا له (لا داعي لهذه الرموز اليسارية). فقال لهم (سأضع في المقهى صور غيفارا ولينين وعمر والمهدي و…)…ومن هنا سمي بالحاج جيفارا…كان رائدا في إعداد المكان..فبعد ان كان مجرد “كراج” يخلو من أية جمالية أصبح مقهى عصريا بالزليج والكراسي ...اقرأ المزيد

الذاكرة المطاط

قـاع أسـراس، المغرب‭Quaà Asserasse, Marruecos

خارت قوى ركبتاي وأنا أسير على جانب الوادي لبلوغ منزلنا الواقع قرب البئر في بلدة قاع اسراس. مفعول السجائر على المعدة الخاوية جعلني كقطعة ورق تقف في وجه الرياح. فكرة العودة كانت تطرق جمجمتي، لكن عن أي عودة أنا أبحث؟ فأنا كلما تقدمت بقدمي خطوة إلى الأمام عادت ذاكرتي ألف خطوة إلى الوراء.

الآن أنا أقف على بعد بضع خطوات من المكان الذي قصدته. كان الستار متدليا على الباب. تصلني أصوات موسيقى جبلية ورائحة طاجين السمك. كل قطعة في جسدي ترتعش، زادت سرعة دقات قلبي، ماذا سأقول له عندما أراه؟ أو ماذا سيقول هو عندما يراني؟ هل سيتذكرني بعد كل هذه السنين؟
طرقت طرقتين على الباب وقلت السلام عليكم. انقبضت عضلات وجهه وانحبس دخان الكيف في حنجرته، كاد يختنق من فرط السعال، وقع بصري على قنينة ماء فقدمتها له، شربها بسرعة وتعانقنا، رائحته لم تتغير، رائحة العرق ممزوجة برائحة دخان الكيف.

-لقد صرت رجلا يا عماد.

قال وعيناه تتغرغران بالدموع، حقدي الشديد عليه خيّلها لي دموعا مُصطنعة، لم أقل شيئا، فقدت قدرتي على الكلام.

-قالوا لي أنك قد تفوقت في دراستك عكس إخوتك.

قلت: لو كانوا وجدوا ظروفا مناسبة لتفوقوا هم أيضا، وما كان حالهم هو الحال
فلاذ بالصمت ونظر ...اقرأ المزيد

أحلام لا معنى لها

Casa Blanca

كانت الساعة تشير الى العاشرة والنصف ليلا وكان حنين وحده يقف بشارع معتم وحوله حقائبه، شيء غريب كان يجذبه إلى مكان محدد ومقصود، العمارة التي كانت تشعره بالألفة والراحة، كان مفعما بمشاع ساخنة، وعبر المدخل أمد رأسه ..
هاهو الآن في قلب البيت يجر أحاسيسه كخيط من شعاع ليرتمي في حضن حياة ويغوص في نهر الأحلام، أما هي فقد كانت تبحث فيه عن ذلك الجانب الوديع من شخصيته كانت تعرف انه سيعود يوما ما وأنه لا يستطيع الاستغناء عنها، لذلك كانت شديدة التفاؤل والانشراح، فتماوجت بين ذراعيه وأحست أن جاذبية الحياة قد ازدادت سرعتها لما التقت الشفاه في قبلة تحمل حرارة الاشتياق والحنين ..
في الصباح كانت تتكئ بأحد مرفقيها على المنضدة شابكة أصابعها على بطنها، نظرت في عينيه مباشرة والسعادة تغمرها، لم تستطع أن تحبس ابتسامتها وهي تتأمل وجهه الجميل ثم اغرورقت عيناها من فرط إحساسها أنها ليست بمفردها، وكم كانت تحب وجوده الذي يجعلها تطلق فيه مشاعرها وأحلامها بكل شجاعة، وهكذا بدأت تنسج خيوط هذا الحلم الجميل متيقنة تحقيقه لكن سرعان ما تبددت أمنيتها وانهارت لبناتها على شفا حفر من التعاسة والحزن العميق والصدمة القوية حين نظر إليها ...اقرأ المزيد

البقرة

habitants-d-imilchil

قال كبيرهم، شيخ القرية: بعد غد سيزور قريتنا وفد حكومي رفيع المستوى، لتصل جراحنا إلى مراكز القرار، سنستقبلهم استقبالا عظيما لم تشهد القرية مثله من قبل، ستذبح بقرة فاقع اللون تسر الناظرين على شرفهم …
فقال سفيه القرية: وأين البقرة يا شيخنا العظيم؟
سؤال وجيه، أنت أعقل من هؤلاء الرجال المعطوبين والمغضوب عليهم
وبعد أن فكر قليلا، لمح عجوزا تقاوم عقبة القرية وحمارها الذي ورثته من زوجها العقيم …
فقال بصوت مرتفع على شاكلة أرخميدس: نعم .. وجدتها، وجدتها، وجدتها …
عجوز القرية المسنة، تملك بقرة وهي الوحيدة، سنطلب منها أن تهبها لنا هدية وليمة دسمة للضيوف الكرام…
وقال السفيه: وإن إمتنعت على ذلك ..
وأنت مافائدتك هنا؟ ستتكلف بالمهمة، وإن شاع الخبر بين القرى، فما يقولون إلا سفيها إبن السفيه سرق بقرة فاقع اللون من عجوز القرية ..
سمعا وطاعة أيها الشيخ العظيم
وبعد أن إنتهى مجلس القرية، قصد الشيخ الهرم العجوز وهي لم تنال قسطا من الراحة بعد عمل شاق في الحقول ..
طرق الباب لتفتحه وتجد الشيخ يوسوس في خياله المكر…
وبعد تحية، قرأت فيها ملامح الغدر، وقال لها: “كيو “، بعد غد سيزورنا وفد حكومي رفيع المستوى، ...اقرأ المزيد

تافوغالت التاريخ والـﺫكرى

Taforalt, mountainous landscape in the North of Morocco

انتهى الحفل بالنادي الثقافي بعد تكريم عدد من المتقاعدين من رجال التعليم بمدينة أبركان، حمل معه شهادة شكر واعتراف لمسيرة طويلة في التدريس، ومصحفا عنوان هويته ومعتقده. ركب سيارته واتجه نحو مدينة تافوغالت التي لم تفارق مخيلته وإحساساته رغم التدافع اليومي والمتواصل لانشغالات الحياة. أحس بزهو على طول المنعرجات والمنحدرات وهو يسرق لحظات متعة من الطبيعة الخلابة لجبال بني يزناسن. ركن سيارته على بعد أمتار من قبر جده، وتقدم في هيبة وشغف وهو يردد:
السلام عليكم أهل الدار الأخرى أنتم السابقون ونحن اللاحقون، اللهم ارحمهم واغفر لهم.
جثم على ركبتيه قرب القبر. قرأ ما تيسر من أيات الله الكريمة. رفع كفيه بالدعاء.
وفي المساء، جلس بمكتبه. أخرج ورقة وقلما. فك أغلال مخيلته وكتب:

– كم كانت صلاتك للوطن قدسية، وكم كانت نقاوة سريرتك متعلقة بالرب والطريقة، وكم كانت تراتيلك، وهجرتك، وطيبوبتك تعطر كل الأمكنة لتترك بصماتها التاريخية في النفوس والأجيال رغم ضنك العيش وخفافيش الظلام. ترقد في الثرى بعدما تركت وصيتك تنتظر الوفاء والإنجاز وأنت تراهن على عروق غرستها، داعيا لها بالنبات والثبات في صلواتك صبحا ومساء.
نم قرير العين، فلا زالت كلماتك ترنّ في أﺫني وأنت ...اقرأ المزيد

الموقع الأثري لمدينة وليلي

Volubilis Marruecos

قصص الترحال و المغامرات هي قصص لطالما عشقها الإنسان و أحبها فمن منا لا يحب السفر و ٱكتشاف حظارات و ثقافات دول و مدن عالمنا الكبير

القصة التي سأرويها لكم هي قصة عن مدينة أسطورية و أثرية تقع في المغرب و تحديدا غرب مدينة مولاي إدريس زرهون، هذه المدينة هي مدينة وليلي و قد زرتها منذ سنوات عدة أثناء سفري و ترحالي لبعض مدن المغرب الجميل، تعرف المدينة بأراضيها الشاسعة و الخصبة و شموخ مبانيها القديمة التي تعود إلى حقبة زمنية سحيقة كما تشهد آثارها على تعاقب عدة حضارات كالرومان والأمازيغ والبزنطيين وغيرهم من الأعراق المستوطنة على مدى عصور لهذه الحاضرة و التي صنفتها مُنظمة اليونيسكو سنة 1997 تراثا عالميا

قلت عنها أنها أسطورية لأنها تحكي بعض مغامرات هرقل البطل الشهير حيث يقال أنه صارع أفعى “الهيدرا” اللاذعة، وقاتل بشراسة طيور “ستيمفالوس” و تغلب عليهم، فسكان المدينة الأصليين يحفظون عن ظهر قلب مثل هذه القصص الخيالية الجميلة و يروونها للسياح الأجانب الذين يأتون من جميع بقاع العالم لزيارة هذه المدينة الأثرية الرائعة. حاملا حقيبتي الظهرية وآلة التصوير الصغيرة تجولت بين جدرانها الأثرية القديمة و إلتقيت ببعض السياح الألمان الذين حدثوني عن مدى ...اقرأ المزيد

أنا ما عدت هنا، وداعا

Tanger (1)

البرد قارس هذا اليوم في شوارع طنجة، لم أعد أشعر بأطرافي. أفترش الأرض، مسألة موتي ربما أصبحت مسألة وقت فقط. أعاني من الأرق لكن ليس كأرق الأغنياء الذين يعانونه إن خسروا صفقة أو خسروا بعضا من أموالهم. أما إذا تركتهم حبيباتهم فقد ينتحرون شنقا. لا شأن لي بالأغنياء الآن، فليفعلوا ما يحلوا لهم أو ليذهبوا للجحيم. بالأمس اغتال البرد صديقي وأخي في الشارع “العربي” كنا معا نتشارك السرير ذاته المكون من ورق جرائد وكرطونة ونتغطى بلحاف لا يقي من أهوال برد شوارع طنجة لأنه مهترئ وقديم. بالليل يتركنا المجتمع وتتركنا السلطات لنفترش الشوارع. كم هم كرماء معنا! لكن عندما تطلع شمس النهار الدافئة حيث نكون أحوج ما نكون للبقاء تحت أشعتها يقومون برمي جرائدنا وضربنا ورفسنا للنهوض والاختباء، مصلحة الوطن فوق كل اعتبار! ونحن نعكس الوجه القبيح لهذا الوطن ونزعج بذلك المسؤولين والأجانب على حد سواء. إلى متى هذا النفاق؟ في رمضان يحدث الشيء نفسه تبحث السلطات عن المفطرين في الشارع لزجهم في السجون لكنها لا تبحث عن الجائعين في سائر أيام السنة لإطعامهم. إلى متى هذه اللمبالاة وإلى متى سياسة ازدواجية المعايير!

متشرد أنا وربما هذه الليلة ستكون آخر ليالي في ...اقرأ المزيد

الوسادة

20150420_121630

ماذا يَعْني ذلك في ليلةٍ صمّاء؟ جَوْلَة قَصيرة على أرض مقتولة تحت سَماء غاضِبة أوْحَت إليه بِرغبة قُسوة لإعادة الأدراج إلى الخَلْف والارتِكان. ثم رُكوب طَريق الانتِظار، الطَّريق المُضاءة ليْل نَهار وصيْف شِتاء، حَيْثُ إمْكانِية التَّأمُّل والإحْساس والمُمارَسة مُتاحة في كل الأوْقات.

أخْبِرْني: أثْناء التَّصْعيد من يَهْتَم لِمن؟ كان الغَسَق قد عمّ كل الأصْقاع لما عادَ إلى مَلجَأه. دَفَع الباب الصَّدِئ إلى الجانِب مُحدثا نَغْمة زَئيرية مُناسِبة للأجْواء البَهيمِية المُعايشة. وَلَجَ داخل الغُرْفة بِخَطَوات مُبَعْثَرة كأن أحَدُهم يجبرُه على القيام بِفِعل مَكْروه. بينما كان يَتَلَمَّس الطّريق صَوْب رُكْنه الأثير مُحاوِلاً إزالة خُيوط العَنْكَبوت المُتَسَلّطة على وَجْهِه، ناداه صَوْتٌ غَريب وسَريع: “أطْفِئوا النّور…” لاذَ إلى الإجابة بِالوُجوم، والتّوَقُّف عن إصدار أي خَشْخَشة مُحاولاً التَّأكّد من مَنْبَع الصَّوْت الذي اخْتَرَقَ أُدُنَيْه بِرُعونة. تَذَكّر أنه لا يوجَد غَيْره في الغُرفة المَهْجورة، لكِن احْتِمال وُجود أحَد المُتَشَرّدين اللَّيْلِيّين من أبْناء الشارع مُؤَكّداً جداً، المُحيط يَعُجُّ بِهم والغُرْفة -كما يتوهَّم هو، أو المرآب المُهمل كما ترى معظم الساكنة- لا تَتَوَفَّر عَلى طِلاء لِحائِطها، لا إنارة ولا قُفْل ولا حتى مالِك مُعَيّن؛ انها مكان ملغوم. أخرجَ الوَلّاعة من جيب سرواله الجينز، وصار يُقَدّحُها في كل رُكن يعبُر ...اقرأ المزيد

استدراج

ملامح بارزة وخبر مشاع و بصمات على خبز ابيض لم تمسسه نار، ودراجات هوائية بعدد الإخوة والنسوة في هذا البيت الرمادي، أو كما يبدو من لون الابواب المفتوحة إلى أقاصي الزوايا خلف الوشاح الأبيض، كترحيب مبتور إلا من همس الرياح التي تدفع الوشاح و تسحبه، كمروحة يد تأمر بالدخول والنزول الى أرذل المقام على شرف الجلوس الأرضي و أوامر الطهي المضاف. هنا تتشكل النواة ما قبل الأولى هنا تتشكل بوادر النبوغ والكفاح.
اخد يعالج دراجته من حامل الدواسة الذي يعاني من فقدان بعض الفقرات الحديدية، في القرص الدوار الذي يبعث باستقامة حامل السلسلة، لم تنفع معه محاولة الضرب التي عادة ما ترسخه دون حاجة لتعديل ميكانيكي. لم يكتفي بفشل العلاجات الأولية في بعث الدوران على أشده، بل قرر اجراء عملية جراحية ميكانيكية ميدانية عبر تفكيك حامل الدواسة و من عليه لإصلاحه جذريا، عوض ان يختار واحدة من الدرجات المركونة في البيت.
يعيد تركيب الهيكل الدوار بنجاح ويقود دراجته إلى شفة الزقاق، في اختبار عملي إلى مآرب رتيبة. يعود قبل انقضاء فترة بزوغ الشمس ليبصم على حضوره في وليمة الفطور بشعار لا تنازل عن شاي الصباح.
بسط جناح دراجته ...اقرأ المزيد

اختر مغامرتك

كل الناس ضدي،

أ) وأنا الذي يبتسم دائما مع الجميع.

ب) ولذلك أحاول دائما أن أرسم الابتسامة على وجهي.