الحلم المقدس

Checkpoint al sur de Sheikh Zuweid, en la Península del Sinaí

صوت الطلقات المتتالية تدوي كالرعد… الحرارة الحارقة تجتاح كل شيئ.. والرياح تبعثر الرمال.. في مشهد كابوسي في تلك البقعة من سيناء، نقطة حراسة بجنوب الشيخ زويد.. الأكياس الرملية تحوط المبني الصغير كحصن.. في قلب المبني الصغير تسمع صوت اللهاث والأنين المكتوم.. تقترب فتري الجندي الهزيل المكوم ممسكا ببطنه والدماء تغرق سترته ويده وأخذت تقطر علي الملاط المترب.. زميل هزيل آخر متكوم بجواره فاقد الحياة.. ونصف جمجمتة مفقود غارق في بركة اللون الأحمر المرعب.. نظر المصاب برعب وتساؤل للضابط الشاب الذي رقد منبطحا امامه يعصر بكفيه بندقيته الآلية برعب كانه يحلب منها الأمان…انهمرت دفعة اخري من الرصاصات تطايرت لها الشظايا الأسمنتية عليهم كمطر من الجحيم…فهتف الجندي المصاب بصراخ امتزج فيه الألم بالخوف.. فصرخ الضابط الشاب بفحيح مكتوم:
– تماسك ايها الجندي.. هم مجرد جرذين يطلقون النار من فوق التبة ..تماسك ..امسك بندقيتك وتعامل مع الهدف
غلبه القهر والألم فقال بين دموع وشهيق:
– لا استطيع يا سيدي سامحني..سأموت ككلب شوارع دون ثمن..
زحف الضابظ الشاب بسرعة تزامنت مع ثلاثة طلقات انطلقت نحوهم.. وأقترب حتي صارت انفاسه تلفح وجه الجندي ثم ...اقرأ المزيد

حكاية باتر

سوق البخاريّة القابع في وسط البلد بعمّان

هناك بين الممرّات الضّيقة و في أثناء اكتظاظ الأزقّة والشّوارع يجرّ عربَته الممتلئة بأنواع الكعك المخبوز بعناية، يمَضي مع عربته النّاطقة بتفاصيل خفيّة تشي بذكريات مفعمة بطعم اللّذة والكفاح، ينطلقُ كلّ فجرٍ ليلتقط رزقه المبعثر في أحياء المدينة الحالمة، ويدفع عربته المغطّاة بناموسيّة صغيرة متّجهاً نحو سوق البخاريّة القابع في وسط البلد بعمّان.

يقضي أبو باتر ذو السّتين عاماً نهاره بابتهاج يزيّن قَسمات وجهه الذي بدت عليه آثار الكدّ، ويطالع من يقابله بابتسامة عريضةٍ تُفصِح عن البهجة والرّضا، يتنقّل في جنبات السّوق الواسع الذي يروي حكايات تمازج حضاريّ حيث تنتشر المحلاّت المزيّنة بالمنسوجات القديمة، والمطرّزات الزّاهية، والتّحف النّادرة.

هكذا يمضي أبو باتر نهاره متنقّلاً هنا وهناك، مترنّماً بألطف العبارات: (يلا يلا الي بدو يفطر ويروق ..يجي من هالكعك يذوق) (اترك الي بايدك وسيبو … كلّ واحد يجي يآخذ نصيبو) (يلا تعالي يا تولاي هالكعك بدو أطيب كاسة شاي) فتهيم الأمّهات بأطفالهن ويقبلن لشراء قطع الكعك المخبوزة باحتراف.

يتعمّد الرّجل السّتينيّ الوقوف أمام دكان الأنتيكة لينتهز فرصة القاء التحية للعمّ كامل الذي سرعان ما يبتسم ابتسامةً عريضةً ويردّ التّحيّة بصوته الحادّ: أهلاً أبو باتر طيّب الله ...اقرأ المزيد

وأخيراً

Sabeel AlHoriyat, Amman, Jordan

كم تعرقل بقدمَي “ختيار” متمدّد على الرصيف، لكنه لم يجادله يوماً، فكلّ عرقلة تسبقها حالةٌ تستوجب الرّكض، والنّشل خفّةٌ وتَخَفٍّ، تسانده الحطّة التي تغطّي المنتصف السفلي لوجهه على ذلك. الحقّ على “الختيار”، الذي بدا أنه يعشق كلّ شبر في وسط البلد بعمّان، فلم يلتزم برصيف ثابت حتى يحفظ “عاهد” مكاناً له.

يسترزق من الشحادة، وهي تتطلّب الخفة أيضاً، فتجده في سوق الخضرة يخفي وجهه المليء بحروق الشمس تحت طاقية لمّا ينام، أو يفترش أرضية المدرّج الروماني وشبابيك سوداء تطل من بين أسنانه لما يضحك، وقلّما كان يفعل، إلا إن تعلّق الأمر بسائحة أجنبية ترطن بوجه أحد ممن يعاكسونها.

نشلٌ وقمار وفرض خاوات، هكذا عهدت الناس “عاهد”، فحاروا في السبب الذي جعله يؤوي “الختيار” في بيته، حتى أن مكائد جميلة، زوجته، في التخلّص منه باءت بالفشل، فتَقبّلته أمراً واقعاً، لم يزاحمهما على شيء، فالمطبخ مُستقرُّه، لكنه يكشف الغرفة المجاورة والوحيدة من بابه المخلوع، فاهتدت وعشيقَها إلى وضعِ ستارٍ رفعَ ذراعيه في منتصف الغرفة، وغالباً لم ينسيا إسدالها.

يعرف عن العشيق، ويراه في تقلب وجه الختيار كلما عاد للبيت مساءً، لكنه لا يجرؤ على المواجهة؛ يتخيّلها.. تتخصّر وشفتاها تتحركان كأن صعقة كهربائيّة أصابتهما، تعيّره ...اقرأ المزيد

فتوش

img_0170-2

“أي تشابه بين هذه القصة والواقع مقصود للغاية ! ”

1

زارني دياب في المنام، وطلب أن أعد له صحن فتوش، فاتصلت بأم سامي، لتساعدني بإعداد هذا الطبق.

2

بدأت المرأتان بإعداد الفتوش للشاب الذي مات قبل شهرين، في مساء ذلك اليوم كتبت أم سامي على حائطها الفيسبوكي:”أفكر بالضيوف الكثيرين الذين نعد لهم موائد وأغاني ورقصات قلب ولكنهم لا يأتون، بل يؤكدون غيابهم القاسي. تذكرت اليوم ملامح القصائد التي قرأتها عن الغياب والحضور، ثم انهمكت في إعداد الفتوش لدياب الذي لم ألتق به… أعرف كيف قتل، وأعرف ملامحه من خلال صورتين إحداهما معلقة على حائط بيته والثانية يحتفظ بها ابني سامي”.

3

سمت بكرها سامي تيمناً بأخيها الذي نقل إلى سجن تدمر الصحراوي في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، تَخيّلَت مراراً سامي الكبير وهو يرفع سامي الصغير عن الأرض، ويأخذه في جولة في الحارة، وفي عام 1998 (بعد مضي أربعة عشر عاماً وأربعة أشهر وثلاثة أيام على اعتقال سامي الكبير) جاء من يمحو أي أمل بقوله: “العمر ألكن” …
مات سامي بلا جنازة ولا كفن ولا قبر ولا تاريخ محدد ولا شاهدة ولا نظرة وداع . تجمعوا يومها في ...اقرأ المزيد

قبر

Baqaa refugee camp in Jordan, North of Amman

ساعات باقيات وتقف على عتبات العيد.
ماذا أعددت لهذا اليوم!؟ هل تزمجر في وجوه الأطفال لاعنا اليوم الذي جاءوك فيه؟!!
يتحلقون أمام علب الحلوى، يرفضون العودة حتى تشتري لهم.
هذا العيد ينكأ جراحك التي يعجز العام على مداواتها.. تتكالب سهامه على قلبك.. يضيع منك التفكير وتلوذ بصمت أخرس، يقطعه دخان سيجارتك التي تمجها في سماء غرفتك المسقوفة بالصفيح.
هل اختصرت شيئا تدسه في أيدي أخواتك، أم حسبت حسابك لطبخة تشبع أطفالك الذين تحرث الحسرات قلوبهم ولا تجيب على تساؤلهم الملحاح: لماذا لا تشتري لنا خروفا يا أبي؟
يكفيك طير دجاج تُسكت نظراتهم، وتوقف مصمصة شفاههم أمام بيت الجيران.
هذا الدجاج، لن يقوى وابورك على إنضاجه، ستحرق زوجك دقائق اليوم، تدكه حين تموت ناره في زحمة صراخ المتحلقين، يعلو صراخهم على زعيق الباعة يروجون لألعاب العيد.
ستحرن زوجك، ولن تذهب لبيت الجيران تستلف طنجرة الضغط.
إنها من دم ولحم، ولن تسمح لزوجات الموسرين غمز جانبها،
قد يفرجها الله عليك، وتجد أخواتك غادرن بيوتهن فتوفر على نفسك هذه الليرات.
إن قدر لك أن توفر بضع ليرات، فلن تتوانى عن شراء فستان لزوجتك، وستفرك في ...اقرأ المزيد

الزهزقة

Snow in Irbed, Jordan

وقف فلان مقابل زجاج الموبايل، ناظراً نحو جنح الليل، إطار ثلج أحاط الشارع المظلم. على ذمة موبايله. الكهرباء مقطوعة منذ أسابيع، و المتبقي من التكنولوجيا في منزله هو موبايله الذي كلفه ثلاثمئة دينار، راتبه الشهري. توجه الى المطبخ متبعاً الإنارة الرديئة من الشموع المترامية. داس على شمع ذاب لتوه، لعن الشمع و النيران، و ضحك على الموقف. قُل ما تشاء عن فلان لكنه يرى الفكاهة في كل شيء، عندما رأى زوجته تخونه و عندما شتمه ابنه وراء ظهره أمام الجميع، كل شيء مضحك بالنسبة لفلان. ضحك ثم لعن الكثير من الأشياء قبل وصوله الى الثلاجة التي لا تُبرِّد، ليلتقف زجاجة ماء لا تروي، ليطفأ عطشاً لا يُشبَع. ضحك عندما رأى انعكاسه على شاشة موبايله، و ضحك وجهه القبيح له، ثم كتب على موبايله ما حصل للتو. توجه الى غرفة النوم و أمسك كتابه المفضل، الكتاب المهترئ، توسده و شخصت عيناه أمام ضوء موبايله الساطع.

استيقظ أمام شاشة تلفاز معتمة حدقت به بلمحة من العتاب، مر طيف ابتسامة و وقف ليغلق التلفاز. عندما وصل اكتشف أنه لا داعي لذلك. طيف الابتسامة أمسى ضحكة، عويل ...اقرأ المزيد

في زمن من أزمان المدينة الوردية

e

كنت أشعر برغبة ملحة في الجلوس على الرمال الصحراوية المالحة، وبريق من شعاع الشمس الوليدة ينسل من بين الصخور المتلاقية أذرعها على صفحة من قوارير، لم يخطر في بالي أن أمشط هذه المدينة الواسعة من إلى على ساقيين نحيلتين وشعري الأشقر ينسدل على كتفي، وقد واريت جزءه العلوي، للتو أسقط الزمن بين يدي مخطوطات العالم القديم، عندما وقعت عيناي عليها في إحدى دور المزاد العالمي مخطوطة لدوي 1830.

رأيتها، نعم مخطوطة صفراء بالية لكنها توثق هذه الحقيقة الماثلة أمام عيني والقائمة منذ 400 قبل الميلاد، شعرها الأرجواني متوقد وقد وارت بعضه بقطعة قماش عليها ما يشبه النجوم الحمراء، جعلت أبث كل خواطري إلى تلك المسدلة شعرها الأرجواني قبالتي من البيوت المعلقة وهي تصف للمرأة حسنها وجمالها وقد قبلتها الخالة على خدها الأيمن لتغدو ثنايا وجهها مبتلة بحمرة وردية.

انحنت تمام جمالها أشعة الشمس الذهبية لتزينها ببريق فريد، كان فتيل حبها أول ما صرخ بين أضلعي ووقفت أمامها مبهورا كما وقفت أمام صفحة البتراء، التي فاقت مثيوغليفا الصور، عندما طرقت المكعبات الثلاث ووادي الجن، كانت المسلة تتراقص على شمالي وأنا أهز ما علق في ذاكرتي من بقايا المخطوطة.

سكرت بطعم الرطوبة وقنوات الماء القراح وهي تختزل المدينة بأكملها حتى هذا السيق ...اقرأ المزيد

ذاكرة البحر

2012-03-13

كنت في طريقي المعتاد يومها، إلا إن البحر كان يبدو مختلفاً.
وقفت أتأمله. كان الجو عاصفاً، إلا إنه كان في أبهى حالاته، كلوحة من درجات الأزرق تغطيها السماء بزرقتها الخاصة، يتخلل هذه الزرقة سحب وأمواج بيضاء تزيد اللوحة سحراً وتناغماً.
أنظر للبحر فيغمرني الاسترخاء. وعلى الرغم مني، أغوص في ذكرياتي، فيأتيني منها ما اعتقدت أني نسيتها، أو أخرى جاهدت كثيرا لأنساها.
كم أنت غريب أيها البحر! منذ آلاف السنين تستمع إلى حكاياتنا وتشهد معنا حيواتنا، إلا إنك ما زلت ساحرا ومهيبا. ترى كم شخص وقف في هذه البقعة قبلي ليحدثك كما أفعل الآن؟
**********
وقف الإسكندر على شاطئ البحر في هذه المنطقة من أرض مصر ينظر إلى الأفق مفكرا في الشاطئ الأخر.
نظر للمياه وزفر متذكراً النصر الذي حققه منذ أن بدأ حربه ضد الفرس. كم يتوق للعودة إلى مقدونيا ويشتاق إلى حياته التي كانت. لكن الأقدار لا تأتي دائما بما نبغي، فها هو قائد جيوش في حرب لا يعلم متى تنتهي.
وعلى الرغم من انتصاراته إلا انه مازال يتوق للعودة. يستزيد دائما من الانتصارات لعلها ترضيه بلا فائدة. وبكل ما يحمل في أعماقه من حنين للشاطئ الآخر، تلفت حوله متأملا تلك المنطقة وفكر “ربما تكون هذه ...اقرأ المزيد

الزيتونة والغريب

image

وضع يديه تحت رأسه وهو ينظر إلى السقف الذي بدأ ينقلعُ طلاؤه، بعد أن ألقى بجسده المنهك على فراش بارد زاده تعبا.. كان في عينيه بريق من حنين، أو لعله حزن أثقل كاهله، فغاب ببصره بعيدا حيث كان صغيراً..استيقظ باكرا ذلك الصباح، فشعر بنغصة في قلبه لكنه لم يأبه لها، خرج إلى الحي، ودَّ لو يلعب مع أصدقائه لكن شيئا ما منع حركة قدميه، نظر إليهم طويلا وهم يركضون ويضحكون، فمر بجانبهم وسار بخطوات ثقيلة نحو النهر الذي طالما حدثه بأحلامه.. للحظة شعر بدمعة تنزل من عينيه ساخنة على خده البارد الذي امتزج لونه بالحمرة والزرقة من تأثير الرياح التي تهب شرقا..جلس واضعا رأسه بين ركبتيه وهو لا يدري لحزنه سببا .. هذه المرة لم ينظر في مياه النهر التي تشق طريقها نحو البحر الواسع، وهو لم يتأمل في سرب الطيور المهاجرة من شجرة لأخرى، ولم يتساءل كعادته من أين يأتي الحليب الذي تحلبه نساء قريته من الأبقار..! لم يفكر في أيٍّ من هذا، بل لم يكن يفكر في شيء..شعر فجأة بصوت في داخله يقول له: “ارجع إلى المنزل”، استجاب في الحال وراح يركض مسرعا والدموع تهطل بغزارة من ...اقرأ المزيد

حضن الأمواج

beach
ها أنا اكتب كعادتي..

أريد البوح بما في داخلي و لكن الخوف يمنعني، أريد أن “أفضفض” بما في قلبي و لكن لا استطيع. لطالما حاولت و لكن كلّما تقدمت خطوة للبوح عن مشاعري و أحاسيسي تصفعني تلك رياحهم القاسية، الجامدة، القوية. لطالما أهلكتني أمواج مشاعري الفائضة التي لا تعرف معنى للهدوء و السكينة لتريحني و لو قليلاً.

ها أنا ابحث عنكَ مجدداً..

فلطالما أحببتُ الكتابة بجانبكَ. و أنتَ كعادتك، تهدأ ثم تغضب فجأة، تبتعد عني ثم تعود إليَّ فجأة. صوتك الهادىء يطمئنني و يهدىء من روعي عندما ألجأ إليكَ مفجوعةً من حالي. لَعبِت بحالي الأقدار و الأيام و حتى الأحلام فأصبحتُ منهكَةً لا أقوى على المقاومة. فكلّما التقينا تأخذني أنتَ إلى مكان بعيد، عالم آخر نملكه نحن و نعيش فيه معاً. عالمٌ حيث اعتدنا فيه على الأمل. كم اشتقت إليك يا مواسيني و إلى أمواجك التي لطالما جذبتني إليك و كأنّك تريد احتضاني لربما يخفف ذلك من أحزاني.

ها أنا اليوم أعتذر لكَ عن كل ما بدَرَ مني سابقاً من هجرٍ و نسيان..

أتيتُ إليك اليوم لأعيشَ في أعماقكَ إلى الأبد، فإنني لم أرى راحتي إلّا معك و بقربك. أتخذتُ قراري ...اقرأ المزيد