فتوش

img_0170-2

“أي تشابه بين هذه القصة والواقع مقصود للغاية ! ”

1

زارني دياب في المنام، وطلب أن أعد له صحن فتوش، فاتصلت بأم سامي، لتساعدني بإعداد هذا الطبق.

2

بدأت المرأتان بإعداد الفتوش للشاب الذي مات قبل شهرين، في مساء ذلك اليوم كتبت أم سامي على حائطها الفيسبوكي:”أفكر بالضيوف الكثيرين الذين نعد لهم موائد وأغاني ورقصات قلب ولكنهم لا يأتون، بل يؤكدون غيابهم القاسي. تذكرت اليوم ملامح القصائد التي قرأتها عن الغياب والحضور، ثم انهمكت في إعداد الفتوش لدياب الذي لم ألتق به… أعرف كيف قتل، وأعرف ملامحه من خلال صورتين إحداهما معلقة على حائط بيته والثانية يحتفظ بها ابني سامي”.

3

سمت بكرها سامي تيمناً بأخيها الذي نقل إلى سجن تدمر الصحراوي في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، تَخيّلَت مراراً سامي الكبير وهو يرفع سامي الصغير عن الأرض، ويأخذه في جولة في الحارة، وفي عام 1998 (بعد مضي أربعة عشر عاماً وأربعة أشهر وثلاثة أيام على اعتقال سامي الكبير) جاء من يمحو أي أمل بقوله: “العمر ألكن” …
مات سامي بلا جنازة ولا كفن ولا قبر ولا تاريخ محدد ولا شاهدة ولا نظرة وداع . تجمعوا يومها في مجلس عزاء صغير، ساده النشيج. بدا سامي لها وكأنه تحول إلى بخار أزرق سماوي وصار جزءاً من زرقة السماء فوق بيتها. وعندما استشهد دياب لم تكن تعرفه ولم تكن تعرف أمه، ذهبت مع صديقتها لتقديم واجب العزاء لأم الشهيد، بدا لها وجه دياب قريباً من وجه سامي، تولت الترحيب بالنساء، صبت القهوة لهن، غنت بصوت تجمع فيه حنان الدنيا، طلبت من النساء أن يزغردن للعريس، تحدثت عن بطولته لأنه لم يمتثل لأمر الركوع لصورة الحاكم. زغردت وزغردت النسوة معها، بدا لهن الله نفسه منشغلاً عن الدنيا كلها وهو يصغي لزغاريد الأرواح المجروحة، وبدت الزغاريد صلاة صادقة تغطي الدنيا.
اعتقدت النساء الوافدات من مناطق دمشق المختلفة، واللواتي يساهمن في تشييع الشباب الذين يقتلهم الرصاص أن أم سامي أخت الشهيد، وكثيرات قلن لأم دياب مشيرات إلى أم سامي “البركة بأختو أخت الرجال!”

4

شوفي يا أم سامي… أنتي اللي علمتيني أنو أبني بطل، وأنت من زفتهُ إلى السماء … الناس كانو عم يقبروه وأنتي كنتي عم تحييه، أنا أحببتك … أنتي أختي … أنا مالي أخت من أمي وأبي.
حدثتها عن طفولة دياب ومراهقته، عن قمصانه، وسهراته مع أصدقائه، عن …وعن …أشياء كثيرة .أتمت المرأتان إعداد طبق الفتوش، وضعتاه على المائدة، كانتا تسترقان النظر إلى الصورة المعلقة على الحائط وتأكلان.
قالت أم سامي: يسلمو إيديكي … كتير طيب هالفتوش.
نظرت كلاهما إلى الصورة على الحائط، قالت والدته: شوفي دياب ما أكل. وقت كان عايش كان كتير يعملا فيني، يطلب أكلة، ولما أعمّلو ياها دور عليه وما لاقيه!
صمتت المرأتان. واحتل وجه الغائب الفضاء.
نظرت أم دياب إلى أم سامي وقالت بارتباك تلميذة: أم سامي… أنت تعلمتي بالمدارس، أنا ما تعلمت. بدي أسألك، خديني على قد عقلي وجاوبيني: بالجنّه فيه فتوش؟

 

بقلم المؤلف جمال سعيد

اختر مغامرتك

انتزاع حياة إنسان أمر مشين، قد يكون راجعا ل

أ) الاعتقاد بأن الموت في نهاية المطاف يعني الصعود إلى السماء بعد ارتكاب العديد من الخطايا.

ب) الغريزة الحيوانية التي تكمن في أغوارنا وتعمينا عن رؤية الفرق بين الخير والشر.