عندما نَفد الوقود!

View from the car window of a road in Cairo, Egypt

نزلت من على السلم في عجالة, و اخذت خطوات سريعة في اتجاه سيارتي, التي كانت تصف بالقرب من بوابة الشركة. كانت خطواتي عشوائية, فأنا بالكاد كنت أرى من وراء الدموع التي تجمعت في عيني و رَفَضَت النزول لتحررني من هذه الغصة التي كنت أشعر بها. ركبت السيارة و استجمعت قواي, و انطلقت لا أعلم الى أين. لم يكن على بالي سوى سؤال واحد, يعيد نفسه مرارا و تكرارا, لماذا أنا؟! لماذا قرروا الاستغناء عن خدماتي الان, و بهذه الطريقة؟! لقد كنت من أكفأ الموظفين و من أكثرهم نشاطا و ذكاءا و تفانيا في العمل. كنت أحصل على التقدير و الاحترام من جميع المديرين. لا يوجد تفسير لما حدث, و لا إجابة لأي سؤال من تلك الأسئله التي تتصارع داخل عقلي. و لكن السؤال الأهم كان, و ماذا بعد, ماذا الآن, ماذا سأفعل في حياتي؟ لقد كان عملي هو محور حياتي, و الآن تلاشى هذا المحور ليختفي في العدم, ليتركني تائهة لا أعلم ماذا سأفعل.

فجأة توقفت السيارة, و لحسن الحظ أنني كنت أسير ببطأ على يمين الطريق, لقد نفد الوقود.تعطلت السيارة في شارع غير مزدحم, يبعد بضع كيلومترات من مكان عملي, أو الذي كان مكان عملي! كان علي أن أنتظر قليلا, لأفكر ماذا سأفعل. لم تمر دقائق إلا ووجدت سيارة تَصُّف ببطأ بجانبي.

“بحاجة للمساعدة؟”

“لقد نفد الوقود, و يبدو أنني لم أنتبه للإشارة المضيئة سوى الآن فقط, بعد فوات الأوان!”

“هل أنت متأكدة أن المشكلة في الوقود فقط و ليس عطل بالسيارة؟”

“أعتقد ذلك!”

كان شاب في أواخر الثلاثينات, وسيم, أبدى رغبته في المساعده. و بجواره كانت تجلس شابة حسناء, لفت نظري رقة ملامحها, و التي كانت تخفي معظمها خلف نظارة سوداء كبيرة. نزل هو ليفحص السيارة و يتأكد من المشكلة. لم تمض ثوان حتى سمعت جرس هاتف من داخل سيارته, لترد الفتاه, و من ثم أسمع صرخة مكتومة قبل أن تنفجر في البكاء.

“ما الذي حدث؟ من كان على الهاتف؟”

“والدتك يا آدم, تعبت قليلا و تم نقلها إلى المستشفى!”

كان الموقف غريب و غير متوقع. فتح الشاب الباب الخلفي لسيارته و جلس, شعرت أنه ينهار. ثم نَظَرَت لي الفتاة:” أنا لا أستطيع القيادة, هل من الممكن أن تأخذينا إلى المستشفى؟”

كان لابد و أن أركز حتى أستوعب ماذا يحدث, و اختلطت المشاعر بداخلي.

“بالطبع!”

أغلقت سيارتي و أحضرت حقيبتي و جلست بجوار الفتاة متجهة إلى المستشفى. وصلنا في دقائق معدودة لتنزل الفتاة مع الشاب و يركضوا الى الداخل و يتركوني وحدي في السيارة في حيرة و اندهاش. دخلت المستشفى لأعيد لهم مفتاح السيارة, و مع كل خطوة كنت أدعي لهذه السيدة, التى لا أعرفها, أن تعيش في صحة. وجدت الشاب و الفتاة يتحدثون مع الطبيب ليخبرهم أن الحالة مستقرة و الحمد لله.

لم يوافق الشاب أن أرحل, و صمم أن نجلس جميعا لنهدأ و نشرب القهوة, خصوصا بعد ما اطمأن على صحة والدته. تكلمنا كثيرا, و حكيت لهم ما حصل لي في العمل, لينظر لي الشاب نظرة دهشة و ذهول:” أنا مذهول! نحن في أمس الحاجة لموظفين من نفس تخصصك! لا تقلقي فوظيفتك الجديدة جاهزة, نحن بحاجة إلى خبراتك!”

 

بقلم المؤلفة نهى المصري