الرغبة الأخيرة

Argana cafe, Marrakesh

كان الوضع رهيبا للغاية، كأنه نيزكا عملاقا سقط من الفضاء، فأتى على أجمل مكان في مدينة مراكش، كثُرت أسئلة العابرين واشتد لغطهم:”ماذا حدث؟” “هذا يشبه الرّعد” “ربما مستودع قنينات غاز انفجر” ..”الأمر خطير جدا” “يا ربي الستر”.

كنت من بين المتسائلين المتواجدين قرب “جامع الكتبية” أتصفح ذاكرة المرابطين والموحدين الباهرة. عندما سُمع الانفجار، أخذتني قدماي إلى ساحة “جامع الفناء”، حيث تركت صديقي هناك رفقة جاكلين بمقهى” أركانة” المطل على الساحة، يتحدثان في أمور عاطفية من المنتظر أن تختتم بزواج تم هجرة إلى “أمريكا”. كانت هذه هي الرغبة الأخيرة لصديق الطفولة بعد محاولاته المتعددة في الانتحار بسبب فشله في إيجاد عمل داخل وطنه.

رغم التعاسة وبؤس الحياة، ورغم الانكسارات المتكررة التي كانت تلاحق “مراد” مند تخرجه من الجامعة، إلا أن الابتسامة وروح المرح لم تفارقاه مطلقا. قال لي ذات مرة: “أنا أبحث عن حنان الوطن لا عن حنان حنان”، وكان يقصد بذلك اسم الفتاة التي كانت على علاقة به. لم يكن يجد مراد صديقا أخر غيري في مؤانسته، لذلك قرر في ذلك الصباح أن نسافر معا إلى مراكش …

شرع في اختيار ألوان ملابسه…مراكش لا يناسبها إلا سروال الجينز الأزرق وحذاء “البرود كان” مفتوح اللون، فعلى المرء أن يبدو كرجل قادم من الغرب، خصوصا إذا كان لديه موعد مع فتاة شقراء جميلة، تؤدي خدمة وطنية جليلة لتُنقذ شابا في الثلاثين من عمره من الانتحار بسبب البطالة.

صفف شعره، كان لابد من نظرة سريعة في المرآة حتى لا يتم إغفال أي جانب يكشف عن انتمائه إلى بلدة فلاحية فقيرة، اغلب سكانها لاجئون في المدن الكبيرة، بحثا عن خبز يسدون به رمقهم وأفواههم المفتوحة على الدوام؛ طلبا للأكل أو النميمة.

خرج مراد… طرق باب منزلي وطلب مني مرافقته إلى مدينة “مراكش”، لم أتردد في الموافقة مادامت تكاليف الرحلة ستكون على حسابه. أخذنا حقائبنا وانطلقنا إلى المدينة الحمراء، من أمام المحطة طلبنا سيارة أجرة صغيرة:

ــ طاكسي…

ــ ما هو اتجاهكم؟

ــ مقهى أركانة من فضلك…

دخلنا المقهى، وكانت الساعة التاسعة صباحا، مكان هادئ وجذاب للغاية، فهمت حينها سبب تهافت السائحين عليه. في الصفوف الخلفية وجدنا جاكلين تنتظر مراد، قدمت إليها التحية وانسحبت لأثرك لهما خلوة حميمية.

مرت ساعتان على اللقاء العاطفي بين مراد وجاكلين، ليتحول المقهى فيما بعد إلى رماد ودخان بسبب تفجير إرهابي استهدف الأجانب والمواطنين المحليين.

كُتبت هذه القصة بألوان مختلفة على الصفحات الأولى للجرائد الوطنية والدولية، كان بطلها الأول هو: “مراد” الذي جاء لأجل تحقيق رغبته الأخيرة وهي الزواج بالفتاة الشقراء والذهاب إلى أمريكا. أما البطل الثاني فهو: عادل العثماني الذي أتى من مدينة أسفي حاملا: في يده محفظة وعلى كتفه قيثارة، وفي دماغه أمنيته الأخيرة وهي: تفجير أركانه والذهاب إلى الجنة.

عوض أن يعزف العثماني على القيثارة قام بالعزف على أحاسيس الناس ومشاعرهم؛ ترك محفظته الملأ بالمتفجرات المبرمجة مع الهاتف النقال قرب مقعده في المقهى، حمل قيثارته وخرج بعد أن ناصر لغة العنف على لغة الموسيقى والحياة، وكلاهما كان بين يديه. لقد تناحرت الرغبتان: الأرضية والسماوية، فكان مآلهما الموت معا. منذ ذلك الوقت دخل المكان في حداد دام أربع سنوات، لا زوار ولا زبائن ولا “فضوليين” ممن أرادوا الاستطلاع.

 

بقلم المؤلف عبد الرجاء لهديلي

اختر مغامرتك

لا بد من تعزيز آلية التواصل لتحقيق تقدم الأمة التي ترغب في حماية مواطنيها من أن يكونوا تحت رحمة الانتهاكات التي يرتكبها الأفراد الذين يعيشون على هامش المجتمع. ولذلك،

أ) هل ترغب بالزواج مني حتى تعفيني من أن أقتل نفسي؟

ب) هل بإمكانك مساعدتي في العثور على الكلمات التي يعجز لساني على صياغتها؟