البذلة

وصل إلى المرحلة النهائية للمسابقة الأدبية “ألف ليلة وصحوة”

el-hussein-mosque

ميدان الحسين …الساعة الثالثة بعد الظهر
الجو حار خانق، هل هو كذلك أم هي الأملاح الزائدة في جسدي التي تجعلني أتعرق حتى في الشتاء، تحثني أمي علي الإسراع فتتسع خطواتي في ملل، أتأمل واجهة المسجد الحديثة ولفظ الجلالة الذي يعلوها والمظلات الإلكترونية التي تفتح لتقي المصلين من الشمس يوم الجمعة، الميدان منقسم إلي نصفين يفصل بينهما سور حديدي يفتح ويغلق حسب الحاجة، النصف الأول يفترش فيه الباعة الجائلين ببضاعتهم الصينية الرخيصة، والمتسولين، والنساء اللاتي يرسمن أشكالا مختلفة بالحناء والفلاحين الذين قطعوا مئات الكيلومترات للتبرك بآل البيت، والنصف الثاني خارج السور حيث السائحين والمقاهي والمطاعم السياحية والبازارات التي تبيع التراث، أحد العاملين في هذه البازارات ينجذب نحو شعري الأصفر وعيني الخضراء فيحادثني بالانجليزية ثم يدرك إني لست أمريكية أو أوربية فيبتسم ويلقى بعبارة غزل سخيفة، ارتبك وأسرع الخطي لأكون في حذا أمي، توقف أمي أحد المارة لتسائله عن باب الدخول المخصص للسيدات، اسألها عن السبب فتنظر إلي مستنكرة (ندخل يا بنتي نأخذ البركة…شيء الله يا حسين) ثم تسحبني وراءها إلي ناحية الباب.
راحة نفسية انتابتني في المسجد وانستنى جزئيا المهمة السخيفة التي أتينا من اجلها، تشبثت أمي بالحديد المقام حول الضريح وأخذت تتمتم بكلمات غير مفهومة بينما أخذت أنا أقرأ الفاتحة علي أمواتنا وأموات المسلمين، انتهت أمي من تمتمتها فسحبتني مرة أخري للخروج، المحلات التي تبيع الجلابيب البلدي وبدل الرقص والطبل والصاجات تنتشر في المكان، بعد غد سيتم تقييدي داخل ورقة يكتبها المأذون، وبعد بعد الغد سأسافر إلي دولة تسقي أرضيها بالبترول لا بالماء، ذلك الرجل الذي سيصبح زوجي أمام الله ورسوله، ذلك الرجل الذي جاء ليتزوج امرأة لا يعرفها.
لأمي طريقة معينة في التعامل معي، هي لم تجبرني أبدا على فعل شيء، ولكنها تظل مرارا وتكرارا تكرر كلامها بصيغ مختلفة حتى أمل أو أرغب في التخلص من جدالها فأوافق، وعندما تقدم حسين للزواج مني أخذت طوال الوقت تتكلم عن عائلته الكبيرة وثرائه وحسن أخلاقه، ليس هي فقط ولكن أختي وعمتي وبناتها وخالتي وجميع نساء عائلتنا، ظللت معترضة لفترة طويلة إلا أنني في النهاية وأمام كل هذه الضغوط… وافقت.
والدة الرجل الذي لا أعرفه وسيصبح زوجي أمام الله ورسوله طلبت من أمي أن تشتري بذلة رقص، مالت علي أمي هامسة قبل أن يتشاركا في ضحكة خليعة، ماذا يظن هذا المأفون نفسه؟ هارون الرشيد.
تتوقف أمي أمام أحد تلك المحال، أعجبتها بذلة مكونة من لاشيء، فسألت البائع البدين عن ثمنها، قال البائع:

-بثلاثمائة جنية

تصنعت أمي الدهشة وقالت:

-لماذا؟ هذا كثير

انطلق البائع البدين يقول في حماسة مفتعلة:

-بالعكس… أنها فرصه ثمينة بالنسبة إلي ثمنها….أنها أصليه…أنا أشهر من يبيع بذل الرقص في هذه المنطقة… هذه البذلة هي التي ارتداها الفنانة (…) في فيلم العيد الأخير…هذه البذلة بالأخص….

ينتابني إحساس بأن كارثة آتية في الطريق، ذلك الهاجس الذي يلازمني دائما.
مازال البائع البدين يتحدث عن مميزات البذلة كأنه يتحدث عن مميزات سيارة مرسيدس أو طائرة نفاثة

-سأشتريها بمائتين

أفكر في الرجل الغريب عنى الذي سيصبح زوجي أمام الله ورسوله، في أول ليلة وهو يستبيحني، كيف يمكن أن أختبئ في حضن رجل أكره رائحة عرقه؟!
ومازالت أمي تفاصل في الثمن.
أمي تسألني:

-حبيبتي… ما رأيك… هل هناك شيء ناقص؟

-هناك يا أمي أشياء كثيرة ناقصة.

 
المؤلف، عمرو نصر حسن احمد:
مهندس وكاتب وسناريست مصري، أملك من العمر ستة وعشرون عاما ومن الأحلام ألاف من الأعوام

اختر مغامرتك

هل تسمحين لي بهذه الرقصة يا آنسة؟:

أ) لم أفقد صوابي بعد لأرقص معك.

ب) وهل أملك الخيار؟