الرغبة الأخيرة

Argana cafe, Marrakesh

كان الوضع رهيبا للغاية، كأنه نيزكا عملاقا سقط من الفضاء، فأتى على أجمل مكان في مدينة مراكش، كثُرت أسئلة العابرين واشتد لغطهم:”ماذا حدث؟” “هذا يشبه الرّعد” “ربما مستودع قنينات غاز انفجر” ..”الأمر خطير جدا” “يا ربي الستر”.

كنت من بين المتسائلين المتواجدين قرب “جامع الكتبية” أتصفح ذاكرة المرابطين والموحدين الباهرة. عندما سُمع الانفجار، أخذتني قدماي إلى ساحة “جامع الفناء”، حيث تركت صديقي هناك رفقة جاكلين بمقهى” أركانة” المطل على الساحة، يتحدثان في أمور عاطفية من المنتظر أن تختتم بزواج تم هجرة إلى “أمريكا”. كانت هذه هي الرغبة الأخيرة لصديق الطفولة بعد محاولاته المتعددة في الانتحار بسبب فشله في إيجاد عمل داخل وطنه.

رغم التعاسة وبؤس الحياة، ورغم الانكسارات المتكررة التي كانت تلاحق “مراد” مند تخرجه من الجامعة، إلا أن الابتسامة وروح المرح لم تفارقاه مطلقا. قال لي ذات مرة: “أنا أبحث عن حنان الوطن لا عن حنان حنان”، وكان يقصد بذلك اسم الفتاة التي كانت على علاقة به. لم يكن يجد مراد صديقا أخر غيري في مؤانسته، لذلك قرر في ذلك الصباح أن نسافر معا إلى مراكش …

شرع في اختيار ألوان ملابسه…مراكش لا يناسبها إلا سروال الجينز الأزرق وحذاء ...اقرأ المزيد

غيرة مجنونة

Ouargla, Algeria

تحبه الى درجة العبادة وتغار عليه إلى درجة الجنون ها هو اليوم مسافر في مهمة عمل وهي لا تقوى على هذا الفراق المحتم، كيف ستكون بعد لحظات وأنفاسه لا تحلق في سماءها ها هنا وعطره لا يغذي عطش روحها الظمأى.

سيغيب أسبوع سبع أيام وكأنها سبع سنين هما لم يفترقا منذ عقد الهوى بين قلبيهما وكلّله الرب بزواج عطر يبلغ اليوم شهره الثالث كانت السنوات الأربعة التي قضياها معا بالجامعة كافيه يفهم كل منهما الآخر أحبته فلم تعد ترى فيه إلا كل جميل وأحبها وأصبحت له كل الحياة ….

تنتظره كل يوم بنشوة وشوق وحين يعود مساءا تحيطه بكل ما يطمح إليه رجل عائد من عمله منهك القوى حتى لا يكاد يخرج إلا إذا دعاه احد أصحابه أو لإقامة الصلاة في المسجد.

تمتد يده إلى الباب مودعا إياها وتسبقه يداها تضمه إلى صدرها في حنو ووله علها ترتوي من أنفاسه قبل رحيله وقد ترقرقت دموعها على خديها يمسح دمعها وبكل حنان ويقبلها قبلته الأخيرة ويغادر

يمضي الأسبوع ثقيلا مملا تستيقظ لتفكر فيه وتنام لتحلم به وبين اليقظة والمنام لهل معه ألف محطة ترتب ملابسه تجمع أغراضه تقرا رسائله القديمة تحن تتصل به ترسل رسالة قصيرة تقلب دفتر الصور ترحل مع ذكرياتهما معه تبتسم ...اقرأ المزيد

خمود صيفيّ

Beni Hammad Fort, Maadid, Algeria

بقيت هنالك أسير في ظلمة الليل وحيدا و غايتي ضوء تضاءل في الظهور ـ تجاهلت وحش الليل وعفونة المكان ـ كانت الرائحة كريهة جدا لكنها لا تنفك تسآلني التأقلم والطريق على ما يبدو بعيدة جدا وليس في ذلك بُدٌّ من إكمال الطريق. مشيت بضع خطوات إلى الأمام بعيدا من هنا وفي ذاكرتي الكثير عن التي كنت أحبها .. يسآلني الصوت الأجش عن حبيبتي فأجيب بتؤدة و قد هالني الأمر،” أيها الماضي الكئيب ألا تغادرني بعيدا و تمنحني فرصة للتأقلم مع الحاضر”، حكايات النجم المسلوب تظل تفاجئني تُغَيِّرني تمنحني أملا زائفا، ووحش الغابة المخملي يتحين الفرصة للانقضاض رويدك أيها الجاني رويدك …..فلتجبني عن سؤالي غير أني حائر بعض الشيء …

“أحبيبتي نجمة مسلوبة كذلك أم أنا المسلوب”؟ “أحبها” اصرخ بقوة – “لكنك لن تفوز بقلبها وعريسها موجود”،

ولأنَّنِي عالقٌ هنا.. تحملني الخيبة إلى مملكة الحماديين وقد تفاجأت بالصوت الأجش يدعوني من جديد “أيها الحالم في ديار ياقوت لم يحن وقتك بعد فلتجهز آلة العزف التي تحملها”. و بت أدرك أنِّي احمل بين يدي آلة عود لم أتحسسها بينهما من قبل وكيف لي أن أعرف ذلك وأنا في حالة لا يرثى لها ...اقرأ المزيد

تسعة شارع الأمل

Cairo Egypt

الساعة تقترب من الرابعة صباحا، و أنا في سريري لا أستطيع النوم. أعاني من حالة أرق غريبة، نادرا ما كانت تصيبني. السرير، بالرغم من أنه مكاني المفضل، إلا أنه و فجأة، أصبح ضيقا و غير مريح بالمرة. خرجت من الغرفة و اتجهت للتراس الواسع لعل الهواء يساعدني قليلا لتجاوز هذه الحالة المؤلمة، من الأرق و القلق.

هدوء رائع جذاب، لا تقاطعه إلا أصوات السيارات التي تمر كل فين و فين من شارعي أو من الشوارع المجاورة. هذا الشارع، و هذه الصورة، انطبعت في ذاكرتي، فأنا أرى هذا المكان منذ وعيت و منذ تعلمت الإدراك. هذا الشارع و هذا المكان شهد على كثير من أحداث حياتي، الصعبة، القاسية، و الجميلة أحيانا.

تركت الماء ليغلي، لأشرب كوب منعش من الشاي، الذي أضيف إليه ثلاث حبات من القرنفل و ملعقة عسل. أخذت فنجان الشاي، و عدت للتراس. لماذا لا أنام، فالكل ينام، و يستغرق في النوم و يرتاح. بماذا أفكر، و ما هو هذا الشئ الذي قرر أن يسلبني راحتي بكل قسوة. الهواء أنقى من أي وقت، و السماء صافية على غير العادة.

قد لا أكون على استعداد للإعتراف بما يجول في ...اقرأ المزيد

المَطحَنَةُ

Rio Martin Tanger Tetuan Morocco

انتصب صالح الطَّحَّان أمام باب المَطحنة، متأملا ناظرا إلى ألأفق العابس، الذي أشعل في نفسه شهوة الانتصار. موقنا أن هذا العام قد يكون عام خير وبركات.

واسترحم ربه أن يهب الأرض من ماء السماء وتينع الغلال، فالسحب الداكنة التي كانت تتجمع، كانت تندفع مسرعة نحو القرية وهطل المطر. ورنا إلى السهل الشاسع وقد تحولت البذرة إلى نبتة، تطل من تحت تربة ندية مبللة، ودفق ماء النهر وساح في البراري، وأسعد هذا الأمر الطَّحَّانَ ومطَّ شفتيه واستبشر خيرا.

بدا الطَّحَّان سعيدا متفائلا، فمَطحَنة الحبوب ستشتغل هذا العام والحقول ملآ بالغلال، وقد يأتي محصول جيد ويطلب من الطحال خدمات، وعقد صفقات من اجل طحن الحبوب.

وستتحرك مروحة المَطحَنة التي ظلت ساكنة لمدة طويلة، وحيث لم يكن هناك ماء يدفع بها إلى الدوران، وتدور بتلك السرعة التي يمكن من خلالها سحق الغلال والحبوب، وقد مرت سنوات عجاف لا مطر فيها ولا ماء.

وكانت السماء شحيحة، ولم تنفجر مياه العيون ولا تدفق ماء النهر. وما ساحت مياه الجداول التي كانت تنساب في الوديان وقريبة من القرية، وبمطحنة صالح الطَّحَّان، محركة مروحة كبيرة تمد المَطحَنة بقوة الدوران.

واستعان الطَّحَّان ببغال مدربة على الدوران، ...اقرأ المزيد

خشوع فى حضرة النبى خالد

Sidi Khaled Argelia

دخلت المقام وسلمت عليه، قدم على أحد الخدم يحمل صينية التمر وكوب اللبن، مرحباً بك فى مقام النبى خالد. نبى!!..نعم، ألا تعرفه ..هو النبى العربى الذى أضاعه قومه..انصرف سريعاً ليهتم بباقى الزوار.

كنت فى طريقى إلى مدينة بسكرة بالجزائر لأشترى تمراً طلبته زوجتى، ألحت..أحلم به منذ زمن، علامات الوحم ..لو تأخرنا أكثر من هذا ربما جاء الولد وفى رأسه تمرة.

مندهشاً أعود للمنزل بعلبة تمر وشغف يقودنى للآيباد، أبحث عن هذا النبى المجهول، وجدته.. وفدت ابنته “محياة” على النبى محمد ضمن وفد من عبس فبسط لها رداءه، وقال مرحباً بابنة أخى، وسمعت هى النبى يتلو “قل هو الله أحد” قالت كان أبى يقول مثل هذا، فرد النبى، كان نبياً مثلى ولكن قومه أضاعوه.

جاءت البعثة لليابان بعد طول انتظار، أخيراً سأحظى بالفرصة..عامان درست فيهما اللغة اليابانية وأدمنت أكل السوشى رغم غلاء ثمنه، عالم آخر.. سنسوجى .. المعبد المزركش الألوان يشدنى.

هذا التمثال المبتسم.. لا أمنع نفسى من الإعجاب بخشوع المصلين فى حضرة بوذا ..سلوكهم ينبع من إدراك لحقيقة الإيمان..تقترب منى هذه الفتاة ذات المشية الهادئة بعربية مكسرة تقدم لى طبقاً من حساء الميزو الساخن..تفضل بالهناء..هكذا تقولون فى مصر أليس كذلك؟ ابتسم ...اقرأ المزيد

يُونُس

Niniveh, Irak

يا ذا النون عُذرًا.. استعجلتُ أمري فكان في التأخيرِ بعضُ الجزاء، ظللتُ أحسبُ الساعات بين حاضر ومستـقبل آت، فهمتُ رحلتك فانتابتني ضحكة ندم بطعم البـكاء، وضعـتُ آمالى على نار الغفلة مع طول الرجـاء، قلبتُ مع عقارب الساعة في استعجال واسترخاء، صاحبني جهلي عام بعد عامِ إلى أن أذن بما شاء، الأمسُ والغدأ، الليل والنهار بأمـرهِ كل لديك سـواء، تأدبتَ بالمعجزاتِ إلى أن أسعدت الأرض باللقاء، يا ابن متى: نُسبت إلى أمك وعيسى بن مريم البتول، عليكما السـلام من السـلامِ الحى القـــيوم، أُرسلت في نينوى إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدون، استعـجلت علـيهم وأســأت باللهِ الظُـنون، فذهــــبتَ مُغاضـبًا إلى قــدرك الـمحـتوم.

اسـتهم أهل السفينة ثلاث وأنت المقصود، أُلقيت في اليم وكنت من المُدحضين، فالتقـــمك الحـُــــــوت وأنت مُلــيم، سبحان من كان أمره بين الكاف والنون، أمر الحوت ألا يخدش لك لحمًا ولا يُهشم لك عظمًا، فأنت ليس له رزقًا لكن بطنه لك سجنًا، شق بك البحار حتى وصل إلى قاع القرار، سمعت تسبيح الدواب حتى حصى البحار، ظننت موتًا ثم أدركت حياة: حين بدأت رجلاك بالحراك سجدت في إنكسار، في ظلمات ثلاث قلت للمولى: سجدتُ لك في موضع لم يبلغه أحد من ...اقرأ المزيد

طلل عصري: في رثاء المكان…

Chemaia

سمعت الخبر وانا اجلس بمقهى الوردة الحمراء: سقوط الحاج جيفارا بإحدى حفر شارع المسيرة الخضراء….هنا أمران لابد من الوقوف عندهما أولا و قبل أي شيء أخر: أولهما اسم المقهى، وثانيهما اسم الحاج…

*مقهى الوردة الحمراء: هي إحدى المقاهي العصرية بالبلدة، هذا النوع الذي لم يتجاوز العشرة الى حدود ثمانينيات القرن العشرين…وقد ارتبطت باسم الحاج جيفارا….رغم ان ابنه عمر المهدي هو مالكها الحقيقي وهو صاحب المشروع ومموله…المهدي عمر (يحلو للحاج جيفارة التلاعب بترتيب الاسمين) هو البكر …يعمل بالمهجر الأوربي…بلجيكا بالضبط…اسم له نكهة خاصة عند الحاج…يذكره بالنضال وزمن البطولة…حين ولد عمر المهدي، وذهب الحاج لتسجيله بمكتب الحالة المدنية، اضطر للقيام بمعركة ضد السلطات التي رفضت الاسم….وهو الأمر الذي وقع أيضا حين أراد الحاج تسجيل اسم لمقهاه…رفضوا كلمة الحمراء ووافقوا له على اسم (مقهى الوردة) فقط…لكنه انتفض وقرر كتابة الاسم كاملا(مقهى الوردة الحمراء) متحديا السلطات المحلية ورافعا دعوى قضائية ضدها بدعم من جمعيات مدنية… حقوقية خصوصا..قالوا له (لا داعي لهذه الرموز اليسارية). فقال لهم (سأضع في المقهى صور غيفارا ولينين وعمر والمهدي و…)…ومن هنا سمي بالحاج جيفارا…كان رائدا في إعداد المكان..فبعد ان كان مجرد “كراج” يخلو من أية جمالية أصبح مقهى عصريا ...اقرأ المزيد

موعدٌ في الجنة..

Skikda, Algeria

حدث كل شيء بسرعة.. حتى أنه لم يجد الوقت الكافي ليبتعد و لو نصف متر آخر قد يجنبه خسارته الأكبر، في حين كانت المدينة تقدّم آخر ضحاياها، و توقع شهادة عجزهم الطبّي على ورقة واحدة تحمل أكثر من عشرين اسما.. كأي مقبرة جماعية تحترف المدن العربية طقوس افتتاحها، تماما كمرقص شرقي جديدٍ مقابل للمسجد الوحيد الذي تحاصره الحانات من كل جانب.

كان شارع “ديدوش مراد” الذي يحتفظ قسرا بتسميته الفرنسية القديمة “les R4” يستيقظ كعادته على صوت آذان الفجر.. يخلع بتكاسل متعمّد معطف السواد الذي تدثر به ليلة كاملة، و يقعد إلى جانب بائع التبغ العجوز دائم الشكوى. أو يلتقط مع طيور الحمام فتات الخبز المتساقط من نوافذ نصف مشرعة تطلّ من إحداها سيدة في الأربعين لم تكلف نفسها عناء تسريح شعرها.. تنفض سجادها المطرّز بنمنمات مغربية بارزة، غير آبهة لنوبة العطاس التي تصيبها. و على شرفة مقابلة، سيدة أخرى تفتتح يومها بعادة صباحية مغايرة تماما.. فمن تحت شرفات البيوت السكيكدية أنت أمام احتمالين لا غير، إما أن تتعود استنشاق ذرات الغبار التي يتحسس أنفك منها.. و إما أن تحترف العبور الرشيق تحت الشرفات تجنبا ...اقرأ المزيد

حيُّ الشُّجَاعِيَّةِ

Family running away in Gaza

صباح الخير أيتها الشهداء، نهاركَ جميل بنَا أيها الوطن ….

قبل أن أقول كل شيء لآلاف البشر الذين يشاهدونني على شاشات التلفاز، علي أن أستجمع كل قطع الذكريات المتشظية هناك، و أن أحفر لها قبرا عاشرا و أقرأ الفاتحة على تلك الأشلاء التي لم تجد قبرا يسعها، ستظل تسافر معي و تطلب الثأر، علي أن أمشي على رؤوس أصابعي، فلعل قلبا صغيرا انتثر هنا فوق هذا الرصيف، علي أن أحني رأسي قليلا و أتجنب النبش العنيف، فهذه أنامل “مريم” بين هذا الركام الرمادي، هذه ألعاب ” ورد” المخزوقة، و التي يخرج الصوف من منخارها، و قليل من الدم، هذه أساور ” نهلة” التي ترج بها سكون الليل، هذه كتب ” الجليلة”، أقلامها، دفاترها… هذه صورة العائلة. و الفانوس الذهبي الذي اشترته ” راما” لتستقبل به رمضان، حين رفعت الآلة الصفراء تلك سقف البيت الذي انهار كلية فاحت رائحة العائلة كلها دفعة واحدة، كدت أسقط، ارتجفت ساقاي و ما عادت تحملانني أكثر من ذلك، تركت كل شيء و عدت أجري و أسقط و أتعثر بين أكوام الركام. حتى وصلت شارع النزار في حي الشجاعية، كان الناس يغادرون ...اقرأ المزيد

اختر مغامرتك

علينا أن ندفن ماضينا، ولكن ليس لدينا

أ) الحيز المكاني لا عقليا و لا ماديا للقيام بذلك.

ب) أي مستقبل نتطلع إليه.