خطاب القائد المُفدّى كان يُذاع في كل مكان كنفخ البوق، يسأل عبر الشاشات: “من أنتم؟!”. السؤال الوجودي التزمت به المقاهي والمحال في انتظار أن يخرج هؤلاء الذين يتحدث عنهم القائد من منافذ مكيفات الهواء والتي قلّ استخدامها بعد زيادة فواتير الكهرباء.
الشارع المظلم هو المسلك الوحيد لغرفة “رفيق”، أخبرني سيد نجمة، صاحب الكشك المجاور لغرفته أن القائد يلقي بيانه من موقع قريب، وكشف لي عن تمنيه القديم بأن يلقاه، ثم أخبرني أن رفيق لم يبرح منزله منذ أسبوع. أعطاني ورقتي بفره ثم تمتم: “يبقالنا يا باشا”، وانصرف لسؤال القائد الأعلى في التلفاز: “من أنتم؟!” وهو يزم على شفتيه إعجاباً، فأواصل السير مبتعداً.
يُطبق الضيق على جدران الشارع المحاذي لشريط المترو، قرب ضريح شهير لزعيم سياسي، شعارات ضد القائد وشعارات أخرى ضد من يشتمون القائد وشعارات ثالثة ضد الأثنين في تلاحم وطني مؤثر. بيّد أن تلك الوطنية يبول عليها المتجهين للسلالم العابرة للناحية الأخرى من الشارع المشطور بالقضبان.
أهرب لرفيق من نوبة الرحيل التي تجتاحني ليلاً وتمنعني من المكوث في مكان واحد فأبقى متواثب من لا وجهة إلى لا وجهة أخرى. آما أصدقائه فيغفلون عنه ...اقرأ المزيد